buiter6_Jonas GratzerLightRocket via Getty Images_india coal Jonas Gratzer/LightRocket via Getty Images

هل التضامن من أجل المناخ العالمي مستحيل؟

نيويورك- على الرغم من الضجة التي أثارها العمل المناخي في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، في دافوس بسويسرا، تبدو الآفاق البيئية الحالية في العالم قاتمة. إذ هناك ثلاث عقبات: إنكار تغير المناخ، واقتصاديات خفض انبعاثات غازات الدفيئة؛ واعتماد سياسات التخفيف، التي غالبا ما يكون لها أثر انتكاسي للغاية.

وترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أنه يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عن مستويات عام 2010 بنسبة 45٪، بحلول عام 2030، ثُم التخلص منها بالكامل بحلول عام 2050، حتى تتاح لها فرصة معقولة لمنع ارتفاع معدل الاحترار العالمي بنسبة 1.5 درجة مئوية، مقارنة مع مستوياته في الفترة ما قبل الصناعة. ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في تحذير تضمنه تقريره الأخيربشأن الفجوة في الانبعاثات: "نحن بحاجة إلى انتصارات سريعة، وإلا سينهار هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس."

إن هذا تهوين للحقيقة. إذ حتى وإن استجابت الدول للمساهمات الوطنية المحددة حاليًا بموجب اتفاقية باريس لعام 2015، فإن الانبعاثات في عام 2030 ستكون أعلى بنسبة هي في غنى عنها، وهي 38٪. وسيكون متوسط درجات الحرارة العالمية على الطريق الصحيح للارتفاع، بنسبة تتراوح ما بين 2.9 و3.4 درجة مئوية بحلول عام 2100، مع استمرار الارتفاع بعد ذلك. وسوف تحتاج أهداف المساهمات الوطنية المحددة إلى أن تتضاعف ثلاثة مرات تقريبًا، فقط للحد من الاحترار إلى درجتين مئويتين، وسيتعين عليها الزيادة بخمسة أضعاف لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.

وهذا لن يحدث. إذ المرة الوحيدة في التاريخ الحديث، التي بدت فيها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وكأنها ثابتة، كانت في الفترة ما بين 2014 و2016، بسبب النمو العالمي الضعيف. ووفقا لمشروع الكربون العالمي، زادت الانبعاثات مرة أخرى منذ ذلك الحين، بنسبة 2.7٪ في عام 2018، و0.6٪ في عام 2019. وما زاد الطين بلة، هو أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP25)، الذي انعقد في ديسمبر 2019، كان بمثابة فشل ذريع، ولم ينتج عنه أي تعهدات مناخية جديدة، أو رسائل واضحة للنوايا لقمة COP26لهذا العام، في غلاسكو.

لماذا تتردد الإنسانية كثيرا في إنقاذ نفسها؟ أولاً، لا يقبل كثير من الناس التنبؤات الصادرة عن علماء المناخ. ولكن الإنكار هو الأقل خطورة من بين العقبات الرئيسية الثلاث. إذ دائمًا ما سيكون هناك أقلية تعتبر الحقائق والمنطق عواملا تصرف الانتباه، وغير مرحب بها. ومع ذلك، يجب على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يدرك الآن، أن التغير المناخي سيقَوض قابلية مار لاغو وربحيته، في المستقبل.

ومع تزايد تكاليف العالم الحقيقي للكوارث الناجمة عن المناخ، مع مرور الوقت، سوف يصبح الإنكار مسالة أقل شأنا. وفي الواقع، خلُصت دراسة استقصائية أجرتها جامعة ييل، في نوفمبر 2019، أن 62٪ من الناخبين المسجلين في الولايات المتحدة، سيدعمون بالفعل، رئيسًا "يعلن الاحترار العالمي حالة طوارئ وطنية، إذا لم يتحرك الكونغرس".

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

إن التحدي الرئيسي الثاني هو أن انبعاثات غازات الدفيئة هي المظهر الخارجي المثالي للاقتصاد العالمي. إن تغير المناخ لا يحترم الحدود؛ وسوف تؤثر غازات الدفيئة المنبعثة في أي مكان، على الجميع في نهاية المطاف. وهذا يعني أن هناك مشكل المنتفع مجانا. وفي ظل الظروف الحالية، سيكون من المنطقي دائمًا، السماح للآخرين بالحد من انبعاثاتهم، بدلاً من القيام بذلك بنفسك. والطريقة الوحيدة لتصحيح هذه المشكلة، هي من خلال العقلانية الجماعية، أو المصلحة الذاتية المستنيرة. ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي للتعددية، فإن توقع بذل جهد عالمي حقيقي في السعي لتحقيق الصالح العام، مهمة صعبة.

والعقبة الثالثة هي أن السياسات الفعالة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، تضر بالفقراء بدرجة غير متناسبة (سواء على المستوى العالمي أو داخل البلدان). وأجرى صندوق النقد الدولي مؤخرًا عملية حسابية خلص فيها إلى أن السعر العالمي الفعلي الحالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لا يتجاوز 2 دولار للطن. إلا أن الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، يتطلب متوسط سعر فعلي يبلغ 75 دولارًا للطن، بحلول عام 2030.

إنني أتفق مع الخبير الاقتصادي بجامعة هارفارد، كينيث روغوف، عندما يقول أنه من المحتمل أن يكون فرض ضريبة عالمية موحدة على انبعاثات الكربون، أفضل حل لتحدي المناخ، على الأقل من منظور بيئي. ولكن مع فرض هذه الضريبة، فإن متوسط أسعار الكهرباء المنزلية على مدى العقد المقبل، سيزيد بشكل تراكمي بنسبة 45٪، وسيزيد متوسط أسعار البنزين بنسبة 15٪. ومن ثم، حتى داخل البلدان الغنية، سيكون من الصعب معالجة عواقب التوزيعات، كما اكتشفت الحكومة الفرنسية بعد أن حاولت فرض ضريبة متواضعة على الوقود في عام 2018. والأسوأ من ذلك، أنه  منذ ثمانينيات القرن الماضي، تراجعت قوة الآليات المالية الفعالة لإعادة التوزيع، في معظم الاقتصادات المتقدمة.

وفضلا عن ذلك، ستتحمل الدول الفقيرة، التي تأمل في متابعة التطور السريع في العقود القادمة، العبء التوزيعي الأكبر لضريبة الكربون العالمية، وبدرجة غير متناسبة .إذ يفتقر حوالي 570 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى الكهرباء الأساسية؛ وعلى الصعيد العالمي، يقترب العدد إلى 1.2 مليار.

ولا داعي أن نقول أن النمو الذي طال انتظاره في الاقتصادات النامية والناشئة، سيؤدي إلى زيادات هائلة في استهلاك الطاقة، وانبعاثات غازات الدفيئة. إذ من المحتمل أن تستمر عملية إنشاء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، في الهند، والصين، والعديد من الدول الأخرى، في السنوات المقبلة. وستكون الطاقة النظيفة والمتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مكملا للوقود الأحفوري في هذه البلدان، وليس بديلا له. وعلى الرغم من الخطوات الكبيرة التي تحققت في تكنولوجيا تخزين البطاريات، فإن مشاكل الانقطاع الكامنة في طاقة الرياح، والطاقة الشمسية تنطوي على دور مستمر للوقود الأحفوري، والطاقة النووية.

ولنتأمل هنا حالة الهند، التي تمثل 7٪ من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية السنوية، مما يجعلها رابع أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، بعد الصين (27٪)، والولايات المتحدة (15٪)، والاتحاد الأوروبي (10٪). وهذا على الرغم من أن نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في الهند، يبلغ حوالي عُشر استهلاك أمريكا. وحتى إذا تضاعف هذا الرقم بحلول عام 2030، فستظل قيمته تعادل نصف ما كان علي معدل الصين في عام 2015.

إن دولا مثل الهند، والبلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، لن تضحي بالتنمية الاقتصادية من أجل خفض الانبعاثات. والسبيل الوحيد لتحقيق المستحيل، هو تقديم المساعدات المالية للاقتصادات النامية والناشئة، التي تنمو نموا كثيف الاستهلاك للطاقة، حتى تتمكن من استيعاب غازات الدفيئة الخارجية، من خلال فرض ضريبة شديدة على الانبعاثات.

ولسوء الحظ، لا تحظى برامج المساعدات الدولية الواسعة النطاق بشعبية كبيرة. وبالنظر إلى أن التضامن المالي المحلي مفقود بالفعل، فلا جدوى من التضامن المالي عبر الحدود. وما لم يتغير ذلك، ستزداد الأزمة الوجودية التي صنعناها بأنفسنا.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/aL6Pkp6ar