cow grazing mountain Sergei Krasnoukhov\TASS via Getty Images

هل يحظر لحم البقر؟

كوبنهاغن — إن تصور كريستيانا فيغيريس، المسئولة سابقا على اتفاقية باريز بشأن المناخ لعام 2015  لدى الأمم المتحدة، لمطاعم المستقبل يثير الاستغراب :  يجب طرد كل شخص يريد شريحة لحم. وخلال مؤتمر عقد في الآونة الأخيرة، قالت فيغيريس"  ما رأيكم لو بدأت المطاعم بعد 10 إلى 15 سنة بمعاملة  آكلي اللحوم كما تعامل مدخني السجائر؟" ." إذا أرادوا تناول اللحم يمكنهم  القيام بذلك خارجا".

في حال فاتتك هذه المعلومة: لقد أصبح تناول اللحم يثير غثيان العديد مِمَن يدعون إلى الحفاظ على البيئة، شأنه في ذلك شأن التدخين. فهو سلوك يجب عدم تشجيعه، بل يجب منعه. 

هذا لأن شطيرة الهامبرغر التي تتناولها هي المسئولة عن تغير المناخ. فإنتاج اللحوم- خاصة تربية الماشية- يفرز غاز الميثان  وينتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكاربون. وبلغة حماسية، قالت في تقريرها الأخير، "من الضروري الحد من استهلاك اللحوم بنسبة كبيرة" لتفادي "كارثة مناخية".

لقد كنت نباتيا منذ أن بلغت سن الرشد، لأنني لا أريد قتل الحيوانات، إذا فيمكنني التعاطف مع الرغبة في تناول اللحوم بكميات أقل في وجباتنا. لكنني أريد التأكد من أن العلم على حق. إذ عندما تنظر إلى ما وراء العناوين، تكتشف أن ينتقي هؤلاء الذين يتحدثون عن منع آكلي اللحوم من المطاعم وعن تغيير الناس لعاداتهم في الأكل البيانات غالبا ما  ينتقون البيانات ويتجاهلون الوقائع الأساسية.

وعند قراءة الصحف المعروفة التي تتحدث عن الموضوع، ستجد العديد من المقالات التي تقول أن عدم تناول اللحوم سيقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 50% أو اكثر. هذا معدل ضخم. كما أنه تضليلي للغاية.

والأهم من هذا، هو أن الوصول إلى نسبة 50% من الانبعاثات يتطلب الذهاب إلى أبعد من اتباع نظام غذائي نباتي. فهو يتطلب أن نصبح نباتيين بشكل كامل، وهذا يعني التوقف عن تناول كل منتوجات الحيوانية أو استعمالها، بما في ذلك: الحليب، والبيض، والعسل، واللحم، والدجاج وفواكه البحر، والفرو، والجلد، والصوف، والجيلاتين، و غيرها من الكثير من المنتوجات. ولن يكون هذا نظاما غذائيا، ونمط حياة سائد في وقت قريب.

Go beyond the headlines with PS - and save 30%
kamala-trump-1333x1000

Go beyond the headlines with PS - and save 30%

As the US presidential election nears, stay informed with Project Syndicate - your go-to source of expert insight and in-depth analysis of the issues, forces, and trends shaping the vote. Subscribe now and save 30% on a new Digital subscription.

Subscribe Now

ومع ذلك، تقول وسائل الإعلام أن التوقف عن تناول اللحوم يمكنه التقليل من الانبعاثات بنسبة 20 إلى 35% لكل فرد. لكن هذه الانبعاثات لا تشكل مجموع الانبعاثات التي يتسبب فيها الفرد - بل فقط تلك التي تنبعث من الطعام. كما تم تجاهل أربعة أخماس من الانبعاثات، مما يعني أن نسبة التأثير أقل خمس مرات  في واقع الأمر.

وإذا نظرنا إلى ما يكتبه الأكاديميون عن التقليل من الانبعاثات عن طريق النظام الغذائي النباتي، فإن دراسة تمت مراجعتها بشكل ثنائي أظهرت أن النظام الغذائي الذي لا يشمل اللحوم قد يقلل من انبعاثات الفرد بنسبة 540 كيلوغرام ( 1190 باوند) من ثاني أكسيد الكاربون. وبالنسبة لشخص عادي يعيش في العالم المصنع، هذا يعني التقليل من الانبعاثات بنسبة 4.3%.

ولكن هذا الرقم لازال مبالغا فيه، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار ظاهرة اقتصادية متأصلة وموصوفة بشكل جيد والمعروفة باسم "التأثير الارتدادي". إن النظام الغذائي النباتي منخفض التكلفة شيئا ما، وسيُنفَق المال الموفر على أشياء وخدمات أخرى تسبب المزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة. ففي الولايات المتحدة، يوفر النباتيون حوالي 7% بينما يوفر نظراؤهم في المملكة المتحدة 15% من ميزانيتهم المخصصة للمواد الغذائية. وتظهر دراسة سويدية أن النظام الغذائي النباتي أرخص بنسبة 10%، ليوفر بذلك 2% من مجموع ميزانية الفرد. وسيسبب هذا الإنفاق الزائد المزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون، مما سيلغي حسب استنتاج الدراسة نصف الانبعاثات التي يساعد النظام الغذائي النباتي على تجنبها.

وبالنسبة لدولة متقدمة ما، الحقيقة هي أنك إن اتبعت نظاما غذائيا نباتيا طوال حياتك، يعني التقليل من انبعاثاتك بنسبة 2%.

هذه نتيجة ثابتة، لكنها لازالت تثير استغراب العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أن النظام النباتي عليه تحقيق المزيد. بالفعل، عندما ألقيت الضوء في البداية على هذه الأرقام، هاجم باحثان بريطانيان مقاربتي، بل قالو أيضا انني "أنتقي المعلومات". لكن الأرقام هي التقديرات الأفضل للدراسات التوضيحية، وليس انتقاء دراسة واحدة تشير إلى تأثير كبير أو إلى  صغير.

وبالمقابل، لدعم اعتراضهم على مقاربتي الذي يقول أن النباتيين لديهم تأثير أكبر بكثير، اختار الأكاديميان الاستناد إلى دراستين لديهما معدلان من بين أعلى التقديرات. وتجاهلوا تلك التي تظهر تأثيرا أقل، وأضافوا بعض الأرقام للمعدل الذي تظهره الدراسة الأخرى. بل تجاهلوا أيضا التأثير الارتدادي، الذي يقلص التأثير على مستوى العالم إلى النصف، رغم أن الدراسات تقول بوضوح أنه" عند تقييم النتائج البيئية للنظام النباتي، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار التأثير الارتدادي لما يوفره النظام النباتي".

وبطبيعة الحال، فالغش في الأرقام لتلائم وجهات نظرنا لا يخدع العالم. وفي واقع الأمر، بدل أن تصبح نباتيا بشكل كامل لبقية حياتك، يمكنك التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة بنفس النسبة بالضبط بإنفاقك ل6$ سنويا من خلال استعمال النظام التجاري الأوروبي للانبعاثات – وفي نفس الوقت تناول ما يحلو لك. 

إن سحب نسبة واحدة من الانبعاثات من مجموعة من المعدلات ليس شيئا يدعو إلى السخرية، لكنها لن "تنقذ العالم". إن الحقيقة غير المريحة هي أن نسبة قليلة من تدخلات الأفراد يمكنها تحويل المعركة ضد تغير المناخ. والشيء الوحيد الذي يمكنه أن يخلق فرقا حقيقيا هو الدعوة إلى إنفاق الاستثمار العالمي أكثر في البحث والتنمية في مجال الطاقة الخضراء. وتحتاج هذه التكنولوجيا إلى المزيد من التطور إذا أردنا أن يأتي يوم تتغلب فيه البدائل على الوقود الأحفوري.

ونحتاج للمزيد من البحث والتنمية للتقليص من تأثير ثاني أكسيد الكاربون الذي تسببه الزراعة، ولتطوير اللحوم المصنعة وانتاجها في حدود الكميات المحددة، مما من شأنه التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 96%، مقارنة مع اللحوم المنتجة بالطريقة التقليدية. 

وعلى غرار العديد من الحملات، فبرنامج فيغيريز الذي يستهدف آكلي اللحوم مزعج، لأنه يقترح منع المسؤولة سابقا عن تغير المناخ لدى الأمم المتحدة لعادات هي لا تحبها، مستندة إلى دلائل ضعيفة وتقرير صحافي مبالغ فيه.

كما يركز البرنامج شيئا ما على أغنياء العالم. إنه من الهوس التحدث عن منع مستهلكي اللحوم من دخول المطاعم بينما 1.45 مليار شخص يتبعون نظاما غذائيا نباتيا بسبب الفقر، ويتمنون لو كان بوسعهم شراء اللحم.

ولكوني نباتيا لأسباب أخلاقية، سأكون أول من يقول أن هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى التقليل من تناول اللحم. وللأسف، خلق فرق كبير في المناخ ليس واحدا منهم.

ترجمة نعيمة أبروش      Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/VUIqpAjar