واشنطن العاصمة ــ مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، فضلا عن سلسلة من الانتخابات والقرارات السياسية في أوروبا، يُعَد الوقت الحالي لحظة مناسبة لطرح السؤال حول ما إذا كان الاقتصاد العالمي في حالة جيدة بالقدر الكافي لتحمل صدمة سلبية كبرى أخرى. والإجابة للأسف هي أن فرص النمو وتشغيل العمالة في مختلف أنحاء العالم تبدو هشة. وأي مفاجأة سلبية كبيرة ــ مثل انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة ــ من المرجح أن تتسبب في انهيار سوق الأوراق المالية وانزلاق العالم إلى الركود.
تنطوي التوقعات الاقتصادية نصف السنوية الصادرة عن صندوق النقد الدولي دوما على قدر كبير من البصيرة، فهي تستند إلى بيانات تفصيلية من مختلف أنحاء العالم. ولأن النسخة الأحدث من هذه التوقعات نُشِرَت في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، فأنها مهمة بشكل خاص. (كنت أشغل سابقا منصب كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي وتوليت الإشراف على عملية التكهن، ولكني تركت المنصب في أغسطس/آب 2008).
يغطي الجدول 1.1 من التوقعات الاقتصادية العالمية الصادرة عن الصندوق النقاط الرئيسية: توقعات أساسية بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.1% هذا العام ونحو 3.4% في عام 2017. ويمثل هذا انخفاضا مقارنة بتوقعات شهر إبريل/نيسان، مع علامات ملموسة تشير إلى الضعف في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، وبطبيعة الحال المملكة المتحدة (التي تتصارع مع عواقب الخروج البريطاني الوشيك ــ الخطوة الكبيرة المتمثلة في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والتي من المحتمل أن تكون مؤلمة).
تُعَد أوروبا السحابة السوداء الأكثر وضوحا في الأفق العالمي. صحيح أن القضايا البريطانية تثير القلق، ولكن القضايا الأشد عمقا تظل هي تلك المتصلة بمنطقة اليورو ذاتها (لم تتبن بريطانيا عملة اليورو قَط). كانت أرقام النمو الرئيسية في أسبانيا مشجعة بعض الشيء، وتواصل إظهار بعض الارتداد إلى الأعلى. ولكن التشاؤم الجاري بشأن إيطاليا ــ الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، والتي تنمو بنسبة أقل من 1% سنويا ــ مسألة بالغة الخطورة.
وما يؤدي إلى تفاقم هذه القضايا المتعلقة بالاقتصاد الكلي هو الضغط المتواصل على بنوك منطقة اليورو. الواقع أن هذه البنوك لم تتعاف بشكل كامل قط من خسائرها السابقة، وتظل مستويات رؤوس أموالها النقدية منخفضة نسبة إلى منافسين دوليين (مثل الولايات المتحدة) ونسبة إلى ما ينظر إليه المستثمرون بوصفه معقولا.
وتظل المشكلة الأكبر متمثلة في عدم اليقين بشأن من سيتحمل المسؤولية إذا كانت خسائر البنك تعني ضمنا احتمال الإعسار. ومن الواضح أن هذه البنوك أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس ــ فلن تسمح أي حكومة أوروبية تتمتع بكامل قواها العقلية بالتخلف عن سداد الديون المصرفية. ولكن لا يوجد اتفاق حول كيفية تقاسم خسائر البنوك بين الدول. في المجمل، تتمتع منطقة اليورو بالقدرة المالية الكافية للوقف وراء بنوكها. ولكن من المؤسف أن القيام بذلك يظل قرارا فرديا تتخذه كل دولة على حِدة ــ فلا تزال الآليات الجماعية لإعادة رسملة البنوك الأوروبية جزئية وضعيفة للغاية.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ما يزيد الطين بلة أن النمو في الأسواق الناشئة المتوسطة الدخل ليس قويا. وينعكس تباطؤ النمو في هذه البلدان في انخفاض الواردات وأسعار السلع الأساسية المتوقعة، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الدول التي تصدر المواد الخام وموارد الطاقة. فمن المتوقع على سبيل المثال أن ينكمش الاقتصاد النيجيري بنحو 1.7% هذا العام.
كان النمو في الولايات المتحدة، وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي، نحو 2.6% في عام 2015، ومن المتوقع أن يهبط إلى 1.6% هذا العام قبل أن يرتد مرة أخرى بشكل طفيف إلى 2.2% في عام 2017. صحيح أن الولايات المتحدة شهدت تعافيا طويلا ثابتا بعد الأزمة المالية في عام 2008، ولكن آثار ذلك الانهيار لا تزال باقية.
يَعِد ترامب بتعزيز نمو الولايات المتحدة على الفور إلى 4% أو 5%، ولكن هذا محض وهم وخيال. فالأرجح هو أن تتسبب سياساته المناهضة للتجارة في إحداث حالة من التباطؤ الحاد، أقرب كثيرا إلى ما يشهده البريطانيون.
الواقع أن التأثير الذي قد يخلفه انتصار ترامب على الولايات المتحدة قد يكون أسوأ كثيرا. ففي حين تريد حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي إغلاق حدود المملكة المتحدة أمام المهاجرين من الاتحاد الأوروبي، فإنها تريد استمرار التجارة مع العالم. أما ترامب على الجانب الآخر، فهو عازم على تقليص الواردات من خلال مجموعة متنوعة من السياسات، وكل منها تقع ضمن الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس. فلن يحتاج إلى موافقة الكونجرس لتركيب مكابح لاقتصاد الولايات المتحدة.
حتى في أفضل الأوقات، لا يفكر صناع السياسات في الولايات المتحدة بالقدر الكافي حول التأثير الذي قد تخلفه تصرفاتهم على بقية العالم. ومن الواضح أن الركود الناجم عن معاداة ترامب للتجارة من شأنه أن يدفع بأوروبا عائدة إلى الركود الكامل، وسوف يؤدي هذا في الأرجح إلى استحثاث أزمة مصرفية بالغة الخطورة. وإذا لم يتم احتواء الخطر ــ وكان احتمال حدوث كارثة مصرفية أوروبية خطيرة مرتفعا بالفعل إلى مستويات مقلقة ــ فسوف تحدث دوامة سلبية أخرى. وفي كل الأحوال، سوف يكون التأثير على الأسواق الناشئة وكل الدول ذات الدخل المنخفض وخيما.
ينظر المستثمرون في أسواق الأوراق المالية حاليا إلى رئاسة ترامب باعتبارها تطورا ضعيف الاحتمال. ولكن في حين يَصعُب دوما التكهن بعواقب دقيقة للسياسات السيئة، فإذا كان المستثمرون مخطئين وفاز ترامب، فينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا كبيرا في المكاسب المتوقعة في المستقبل لمجموعة واسعة من الأسهم ــ وانهيار محتمل للسوق عموما.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
The economy played a critical role in the 2024 presidential race, creating the conditions not only for Donald Trump to trounce Kamala Harris, but also for a counter-elite to usher in a new power structure. Will the Democrats and “establishment” experts get the message?
explains how and why Democrats failed to connect with US voters’ pocketbook realities.
Kamala Harris lost to Donald Trump because she received around ten million fewer votes than Joe Biden did in 2020. The Democratic Party leadership was, at best, indifferent to the erosion of voting access, negligent in retaining newer voters, and proactive in marginalizing what remained of its left wing.
thinks the party has only itself to blame for losing the 2024 election on low voter turnout.
واشنطن العاصمة ــ مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، فضلا عن سلسلة من الانتخابات والقرارات السياسية في أوروبا، يُعَد الوقت الحالي لحظة مناسبة لطرح السؤال حول ما إذا كان الاقتصاد العالمي في حالة جيدة بالقدر الكافي لتحمل صدمة سلبية كبرى أخرى. والإجابة للأسف هي أن فرص النمو وتشغيل العمالة في مختلف أنحاء العالم تبدو هشة. وأي مفاجأة سلبية كبيرة ــ مثل انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة ــ من المرجح أن تتسبب في انهيار سوق الأوراق المالية وانزلاق العالم إلى الركود.
تنطوي التوقعات الاقتصادية نصف السنوية الصادرة عن صندوق النقد الدولي دوما على قدر كبير من البصيرة، فهي تستند إلى بيانات تفصيلية من مختلف أنحاء العالم. ولأن النسخة الأحدث من هذه التوقعات نُشِرَت في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، فأنها مهمة بشكل خاص. (كنت أشغل سابقا منصب كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي وتوليت الإشراف على عملية التكهن، ولكني تركت المنصب في أغسطس/آب 2008).
يغطي الجدول 1.1 من التوقعات الاقتصادية العالمية الصادرة عن الصندوق النقاط الرئيسية: توقعات أساسية بنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.1% هذا العام ونحو 3.4% في عام 2017. ويمثل هذا انخفاضا مقارنة بتوقعات شهر إبريل/نيسان، مع علامات ملموسة تشير إلى الضعف في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، وبطبيعة الحال المملكة المتحدة (التي تتصارع مع عواقب الخروج البريطاني الوشيك ــ الخطوة الكبيرة المتمثلة في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والتي من المحتمل أن تكون مؤلمة).
تُعَد أوروبا السحابة السوداء الأكثر وضوحا في الأفق العالمي. صحيح أن القضايا البريطانية تثير القلق، ولكن القضايا الأشد عمقا تظل هي تلك المتصلة بمنطقة اليورو ذاتها (لم تتبن بريطانيا عملة اليورو قَط). كانت أرقام النمو الرئيسية في أسبانيا مشجعة بعض الشيء، وتواصل إظهار بعض الارتداد إلى الأعلى. ولكن التشاؤم الجاري بشأن إيطاليا ــ الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، والتي تنمو بنسبة أقل من 1% سنويا ــ مسألة بالغة الخطورة.
وما يؤدي إلى تفاقم هذه القضايا المتعلقة بالاقتصاد الكلي هو الضغط المتواصل على بنوك منطقة اليورو. الواقع أن هذه البنوك لم تتعاف بشكل كامل قط من خسائرها السابقة، وتظل مستويات رؤوس أموالها النقدية منخفضة نسبة إلى منافسين دوليين (مثل الولايات المتحدة) ونسبة إلى ما ينظر إليه المستثمرون بوصفه معقولا.
وتظل المشكلة الأكبر متمثلة في عدم اليقين بشأن من سيتحمل المسؤولية إذا كانت خسائر البنك تعني ضمنا احتمال الإعسار. ومن الواضح أن هذه البنوك أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس ــ فلن تسمح أي حكومة أوروبية تتمتع بكامل قواها العقلية بالتخلف عن سداد الديون المصرفية. ولكن لا يوجد اتفاق حول كيفية تقاسم خسائر البنوك بين الدول. في المجمل، تتمتع منطقة اليورو بالقدرة المالية الكافية للوقف وراء بنوكها. ولكن من المؤسف أن القيام بذلك يظل قرارا فرديا تتخذه كل دولة على حِدة ــ فلا تزال الآليات الجماعية لإعادة رسملة البنوك الأوروبية جزئية وضعيفة للغاية.
Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ما يزيد الطين بلة أن النمو في الأسواق الناشئة المتوسطة الدخل ليس قويا. وينعكس تباطؤ النمو في هذه البلدان في انخفاض الواردات وأسعار السلع الأساسية المتوقعة، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الدول التي تصدر المواد الخام وموارد الطاقة. فمن المتوقع على سبيل المثال أن ينكمش الاقتصاد النيجيري بنحو 1.7% هذا العام.
كان النمو في الولايات المتحدة، وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي، نحو 2.6% في عام 2015، ومن المتوقع أن يهبط إلى 1.6% هذا العام قبل أن يرتد مرة أخرى بشكل طفيف إلى 2.2% في عام 2017. صحيح أن الولايات المتحدة شهدت تعافيا طويلا ثابتا بعد الأزمة المالية في عام 2008، ولكن آثار ذلك الانهيار لا تزال باقية.
يَعِد ترامب بتعزيز نمو الولايات المتحدة على الفور إلى 4% أو 5%، ولكن هذا محض وهم وخيال. فالأرجح هو أن تتسبب سياساته المناهضة للتجارة في إحداث حالة من التباطؤ الحاد، أقرب كثيرا إلى ما يشهده البريطانيون.
الواقع أن التأثير الذي قد يخلفه انتصار ترامب على الولايات المتحدة قد يكون أسوأ كثيرا. ففي حين تريد حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي إغلاق حدود المملكة المتحدة أمام المهاجرين من الاتحاد الأوروبي، فإنها تريد استمرار التجارة مع العالم. أما ترامب على الجانب الآخر، فهو عازم على تقليص الواردات من خلال مجموعة متنوعة من السياسات، وكل منها تقع ضمن الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس. فلن يحتاج إلى موافقة الكونجرس لتركيب مكابح لاقتصاد الولايات المتحدة.
حتى في أفضل الأوقات، لا يفكر صناع السياسات في الولايات المتحدة بالقدر الكافي حول التأثير الذي قد تخلفه تصرفاتهم على بقية العالم. ومن الواضح أن الركود الناجم عن معاداة ترامب للتجارة من شأنه أن يدفع بأوروبا عائدة إلى الركود الكامل، وسوف يؤدي هذا في الأرجح إلى استحثاث أزمة مصرفية بالغة الخطورة. وإذا لم يتم احتواء الخطر ــ وكان احتمال حدوث كارثة مصرفية أوروبية خطيرة مرتفعا بالفعل إلى مستويات مقلقة ــ فسوف تحدث دوامة سلبية أخرى. وفي كل الأحوال، سوف يكون التأثير على الأسواق الناشئة وكل الدول ذات الدخل المنخفض وخيما.
ينظر المستثمرون في أسواق الأوراق المالية حاليا إلى رئاسة ترامب باعتبارها تطورا ضعيف الاحتمال. ولكن في حين يَصعُب دوما التكهن بعواقب دقيقة للسياسات السيئة، فإذا كان المستثمرون مخطئين وفاز ترامب، فينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا كبيرا في المكاسب المتوقعة في المستقبل لمجموعة واسعة من الأسهم ــ وانهيار محتمل للسوق عموما.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali