guriev28_Anatolij FominyhEyeEmGetty Images_kremlinplants Anatolij Fominyh/EyeEm/Getty Images

تخضير الكرملين

باريس ــ في إحدى النكات السوفييتية من حقبة السبعينيات، يعيد المكتب السياسي الحياة إلى ستالين ليسأله ماذا ينبغي له أن يفعل لمكافحة الركود الاقتصادي وخيبة الأمل الواسعة الانتشار إزاء الـمُـثُـل الشيوعية. يقترح ستالين برنامج من جزأين: أولا، قتل كل الشيوعيين رميا بالرصاص، وثانيا، طلاء الكرملين باللون الأخضر. يتساءل أعضاء المكتب السياسي المصدومون: "لماذا اللون الأخضر؟". يرد ستالين مبتسما: "كنت متأكدا أن أحدا لن يسألني عن الجزء الأول".

نظرا للقمع المتزايد الذي تجيزه الدولة واستخدام التعذيب في روسيا اليوم، لم تعد هذه النكتة تبدو بعيدة عن الواقع أو قديمة. في استطلاع أجري في شهر مارس/آذار، قال 52% من المستجيبين ــ وهذه أعلى نسبة في تاريخ روسيا على الإطلاق بعد العهد السوفييتي ــ إنهم يخشون عودة حكم الطغيان والاستبداد. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الحكومة الروسية تتبع الآن اقتراح ستالين الثاني وتحول الكرملين إلى اللون الأخضر.

بالطبع، لا تزال قلعة القرن الخامس عشر في وسط مدينة موسكو مطلية باللون الأحمر. لكن سادتها راحوا فجأة يتحدثون لغة "إزالة الكربون". في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول، صرح الرئيس فلاديمير بوتن في إطار أسبوع الطاقة الروسي أن روسيا تعتزم أن تصبح محايدة كربونيا بحلول عام 2060 ــ بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعشر سنوات، ولكن في ذات الوقت مع الصين.

الواقع أن هذا تغير بالغ الضخامة، لأن روسيا تتجنب تقليديا تحديد أهداف مناخية طموحة. صحيح أن روسيا وعدت بموجب اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 بالحد من انبعاثاتها من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى 70% أو 75% من مستوياتها في عام 1990 بحلول عام 2030. ولكن لأن انبعاثاتها في عام 2015 كانت عند نصف مستوى عام 1990 فقط، فقد سمح ذلك التعهد لروسيا بزيادة الانبعاثات في حقيقة الأمر.

في يوليو/تموز 2019، دافع بوتن في مناسبة شهيرة عن الوقود الأحفوري مدعيا أن طاقة الرياح تسببت في إحداث أضرار بيئية ألحقت الأذى بالطيور والديدان. (كان هذا، على أية حال، تحسنا عن خطاب ألقاه في عام 2010 قال فيه إن طاقة الرياح لا تؤذي الطيور والديدان فحسب، بل وأيضا حيوان الخلد). وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، قال بوتن: "لا أحد يعرف حقا أسباب تغير المناخ".

علاوة على ذلك، في يونيو/حزيران 2020، تبنت روسيا استراتيجية طاقة مدتها 15 عاما افترضت عدم حدوث أي تغير في إنتاج النفط حتى عام 2035 ونموا غير عادي في إنتاج الفحم والغاز. لم تذكر الوثيقة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلا بالكاد ولم تحدد أية أهداف كمية لهما. ولم تخطط الحكومة حتى لإنشاء نظام لمقايضة الانبعاثات.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

ما الذي تغير إذن منذ العام الماضي؟ بادئ ذي بدء، من الواضح أن الاتحاد الأوروبي ــ الشريك التجاري الرئيسي لروسيا ــ أصبح أكثر جدية بشأن أجندته الخضراء. في يوليو/تموز، كشفت المفوضية الأوروبية النقاب عن ما يسمى "استراتيجية لائق لنسبة 55"، التي تشمل سياسات تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي في الاتحاد بنسبة 55% مقارنة بمستويات 1990 بحلول عام 2030. يخطط الاتحاد الأوروبي بشكل خاص لتقديم آلية تعديل الحد الكربوني، الذي ستفرض ضريبة على بعض الواردات الكثيفة الكربون من خارج الكتلة.

لأن آلية تعديل الحد الكربوني المقترحة لا تغطي النفط والغاز، فمن المرجح أن يكون تأثيرها الاقتصادي الكلي على روسيا محدودا للغاية، ولن يتجاوز 2 مليار يورو (2.3 مليار دولار أميركي) سنويا وفقا لتقديرات مستقلة، ونحو مليار يورو سنويا وفقا لحسابات الحكومة الروسية. وحتى التقديرات الأعلى تعادل أقل من 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي ــ وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالتأثير الذي يخلفه تقلب أسعار النفط العالمية على ميزانية الحكومة. مع ذلك، تُـعَـد الشركات الروسية التي ستتضرر بآلية تعديل الحد الكربوني ــ مثل الشركات التي تصدر الصلب والألومنيوم والأسمدة ــ من القوى السياسية المهمة التي تمكنت من إقناع الحكومة والرئيس بالتعامل مع تغير سياسات الاتحاد الأوروبي بجدية.

السبب الآخر وراء اندفاع بوتن الواضح في اتجاه إزالة الكربون هو أن قضية تغير المناخ تقدم لروسيا الفرصة للتخفيف من عزلتها الدولية. إن تغير المناخ مشكلة عالمية، لذا يأمل الكرملين أن يضطر الغرب في التصدي لها إلى التعامل مع روسيا وربما إصلاح بعض العلاقات المقطوعة. على سبيل المثال، دعـا مبعوث بوتن لشؤون المناخ صراحة إلى إنهاء العقوبات المفروضة على شركة جازبروم وغيرها من الشركات الروسية التي تتولى تنفيذ مشاريع خضراء.

يبدو أن تحول الكرملين الأخضر جدير بالثقة. هذا الصيف، أنشأت الحكومة سبعة فرق عمل مشتركة بين الهيئات المختلفة وكلفتها بإعداد استراتيجية شاملة لإزالة الكربون. في سبتمبر/أيلول، أَقَـرَّ البرلمان الروسي أول قانون في البلاد للحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي من قِـبَـل الشركات الكبيرة. وفي العام المقبل، ستطلق روسيا أول برنامج تجريبي لمقايضة الانبعاثات على جزيرة سخالين، التي تطمح إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2025.

لكن في الوقت الحالي، هذه مجرد تصريحات وخطط؛ أما الواقع على الأرض فهو مختلف تماما. فبينما تواجه أوروبا أكبر ارتفاع في أسعار الغاز الطبيعية خلال أكثر من عشر سنوات، يلقي بوتن باللوم عن هذه الأزمة على نفاد صبر أوروبا للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة التي تعتمد بشكل كبير على الطقس.

تنفي روسيا أنها تسببت في هذه الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز، وقد اعترف الاتحاد الأوروبي بأن روسيا تفي بعقود التوريد الطويلة الأجل. لكن الاتحاد الأوروبي قـلِـق إزاء احتمال امتناع جازبروم عن توريد أي غاز إضافي، على الرغم من ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء ــ وهو ما قد يشير إلى إساءة استخدام القوة الاحتكارية وربما يؤدي إلى استفزاز تحقيق من قِـبَـل المفوضية الأوروبية. ربما ساهم إفراغ جازبروم مرافق التخزين الأوروبية أيضا في نمو الأسعار. ما يزيد الطين بلة أن بوتن عَـرَضَ في الحادي والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول زيادة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا شريطة السماح بتشغيل خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي سينقل الغاز بشكل مباشر إلى ألمانيا، وبالتالي يتجنب المرور بأوكرانيا.

إن التناقض بين سياسة الطاقة التقليدية التي تنتهجها روسيا وحديثها الجديد حول إزالة الكربون شديد بدرجة مذهلة. لكن أزمة الغاز الحالية من غير المرجح أن تقنع أوروبا بالإنصات إلى بوتن والابتعاد عن الطاقة المتجددة. على العكس من ذلك، ربما أصبح لدى الاتحاد الأوروبي الآن حافز إضافي للتعجيل بالتحول الأخضر والتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي. في النهاية، سيؤدي هذا أيضا إلى تقليل الطلب على وقود روسيا الأحفوري ــ وإجبار الكرملين أخيرا على التعامل بجدية مع ضرورة التحول الأخضر.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/i82Zu3oar