ghosh76_Kristin Palitzapicture alliance via Getty Images_afrigen Kristin Palitza/picture alliance via Getty Images

مفتاح تحويل النظام الصحي في أفريقيا

نيودلهي- رغم السيل المستمر من الأخبار السيئة التي تردنا من مختلف أنحاء العالم، لاتزال هناك أسباب تدعونا للتفاؤل. وثمة مثال بارز على ذلك، وهو الحث من جديد على توطين إنتاج الأدوية في أفريقيا، مما يظهر أنه حتى الأحداث الكارثية مثل الوباء يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية غير متوقعة.

لقد أبرزت صدمة فيروس كورونا 2019 )كوفيد-19( الحاجة الماسة لتمويل نُظم الصحة العامة وتوسيع نطاق الوصول إلى التكنولوجيات الأساسية والأدوية الوقائية والعلاجية، وكان ينبغي لها أن تكون بمكانة ناقوس خطر ُيقرع لصانعي السياسات والناس عامة في جميع أنحاء العالم. ولكن بمجرد السيطرة على الفيروس، استأنفت الدول الغنية السياسات والممارسات التي أدت إلى تفاوتات كبيرة بين البلدان فيما يتعلق باستجابتها الأولية للوباء.

ولم يعانِ أي جزء من العالم من هذه التفاوتات العالمية المتطرفة بٍقدر ما عانت منها أفريقيا. فقد كانت البلدان الأفريقية آخر من تلقى لقاحات كوفيد-19، بعد أن تزاحمت عليها البلدان الأشد ثراءً التي تخزن اللقاحات، وحرمتها من الوصول إلى التكنولوجيات اللازمة للإنتاج المحلي. ومع أن أفريقيا تمثل 18في المئة من سكان العالم، فإن القارة لم تتلق سوى 3.3 في المئة من جميع اللقاحات المقدمة بحلول نهاية عام 2021. وبحلول نهاية عام 2022، بالكاد ارتفعت حصتها إلى 5.5 في المئة.

وحتى قبل كوفيد-19، كانت أفريقيا تعاني بالفعل من الإهمال العالمي للأوبئة الرئيسية مثل الإيبولا، وزيكا، وجدري القرود، فضلا على الأمراض المتوطنة مثل مرض النوم. ومن أكبر العقبات التي تحول دون معالجة هذه الأزمات الصحية هي اعتماد القارة على الأدوية المستوردة. ومع أنها تتحمل ربع عبء المرض العالمي، لا تجرى سوى 2 في المئة من البحوث الطبية في أفريقيا، وتستورد القارة أكثر من 90 في المئة من لقاحاتها و70 في المئة من أدويتها. وفضلا على ذلك، 15 في المئة فقط مما يقرب من 375 شركة تصنيع الأدوية التي تمارس نشاطها في أفريقيا تملكها جهات محلية، وتركز أغلب هذه الشركات على التركيبات بدلا من المكونات الصيدلانية النشطة التي تشكل أهمية بالغة لإنتاج الأدوية.

ولحسن الحظ، يبدو أن التجربة المريرة التي سببها مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) حفزت التحول السياسي الذي تشتد الحاجة إليه. فخلال الجائحة، أرسى المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها الأساس للتعاون بين الحكومات عن طريق تعزيز الاستجابات الإقليمية الجماعية في ظل ظروف صعبة للغاية. وفي الآونة الأخيرة، أطلقت العديد من الحكومات الأفريقية والمنظمات الدولية مبادرات لتعزيز إنتاج الأدوية المحلية وتشجيع الابتكار في جميع أنحاء القارة.

وتعد المؤسسة الأفريقية للتكنولوجيا الصيدلانية، التي يدعمها بنك التنمية الأفريقي، خير مثال على ذلك. إذ تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز قدرات القارة في مجال التكنولوجيا عن طريق توسيع نطاق الوصول إلى المعرفة، وبناء المهارات، وتوسيع خط الإنتاج. وتعهدت المؤسسة باستثمار ما يصل إلى 3 مليارات دولار على مدى العقد المقبل لتطوير المنتجات الصيدلانية في أفريقيا، ومن ثم تقليل اعتماد القارة على الواردات.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك برنامج نقل تكنولوجيا الرنا المرسال (mRNA) التابع لمجمع براءات الاختراع الخاصة بالأدوية، الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة. والهدف من هذه المبادرة، التي تؤدي عملها من مركزها في جنوب أفريقيا في شركة أفريجين للتكنولوجيا الحيوية التي يقع مقرها في كيب تاون، هو تطوير ما يلزم من القدرات التكنولوجية والمعرفة الفنية لتمكين 15 دولة من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط من تصنيع لقاحات الرنا (mRNA)، وركز البرنامج في البداية على لقاحات كوفيد-19، ثم توسع ليشمل أمراضًا أخرى منتشرة في جميع أنحاء أفريقيا، بالإضافة إلى توفير علاجات السرطان بأسعار معقولة.

وتواجه هذه المبادرات تحديات كبيرة، خاصة اعتمادها على عمليات النقل الطوعية للتكنولوجيا، التي ثبُت أنها محدودة النطاق للغاية. وحتى تصل البلدان الأفريقية إلى المعرفة الأساسية وتجبر الشركات المتعددة الجنسيات على مشاطرة ما لديها من تكنولوجيا، يجب عليها توسيع نطاق استخدامها للترخيص الإلزامي، بما يتماشى مع قوانين براءات الاختراع الخاصة بها، والاتفاق المتعلق بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (اتفاق تريبس).

والجدير بالذكر أن مركز الرنا المرسال (mRNA) في جنوب إفريقيا واجه بالفعل تحديات قانونية من شركة Moderna)موديرنا(، وهي نفسها مستفيدة من إعانات الحكومة الأمريكية ومن تقاسم براءات الاختراع. وهذا يؤكد أهمية التأكد من أن المفاوضات الجارية بشأن إبرام معاهدة عالمية لمكافحة الأوبئة تتضمن أحكامًا محددة تتناول الترخيص الإلزامي.

ومع ذلك، فإن الاكتفاء بالوصول إلى المعرفة لا يفي بالغرض. إذ نظراً لأن عمليات الإنتاج تتطلب خبرة متخصصة، فإن برامج التعليم الشامل والتدريب على المهارات مهمة جدا لإنشاء أساس مستدام للإبداع والإنتاج في أفريقيا. ويتطلب هذا جهداً إقليمياً واسع النطاق، وهي المسألة التي، على ما يبدو،  تنظر فيها الحكومات الأفريقية.

وهناك عقبة رئيسية أخرى تتمثل في المنافسة من شركات الأدوية الكبرى. وقد أعلنت شركة نوفارتيس، التي سبق لها أن حركت نزاعات بشأن براءات الاختراع في دول مثل الهند، عن اعتزامها مضاعفة معدلات إيصال خدماتها للمرضى في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا خمس مرات بحلول عام 2025. ولكي تنجح جهود التوطين، فمن الأهمية بمكان التأكيد على الملكية المحلية وضمان أن الفوائد المحصلة لا تحتكرها شركات الأدوية الكبرى. وعلى أي حال، يمكن أن تكون الشركات متعددة الجنسيات شركاء غير موثوق بهم، كما يتضح من القرار الأخير الذي اتخذته شركة "موديرنا" بتعليق استثماراتها المخططة في إنتاج اللقاحات في كينيا لأن انخفاض الطلب يرجح بدرجة أقل تحقيق الربحية التجارية.

ولأن التنوع الجيني الغني في أفريقيا يجعلها كنزاً حقيقياً من البيانات الجينومية، فإن خطر سرقة المعرفة والبيانات يثير الكثير من القلق. إذ في حين احتُفل بمبادرة الجينوم المسببة للأمراض التي أطلقتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أفريقيا باعتبارها إنجازًا كبيرًا عندما أطلِقت في عام 2019، إلا أن هناك الآن مخاوف مشروعة من أن المعاهدة المتعلقة بالوباء يمكن أن تجعل هذه البيانات متاحة عالميًا، مما قد يفيد شركات الأدوية الكبرى في البلدان الغنية دون ضمان تعويض عادل لأفريقيا. ومما له مغزاه، أن القوى الأجنبية تتجادل بالفعل بخصوص من يجب أن يتحكم في الوصول إلى قاعدة البيانات هذه التي لا تقدر بثمن.

إن التحديات التي تواجهها البلدان الأفريقية في جهودها للسيطرة على مصير رعايتها الصحية هائلة. ويعد تصميمها على توطين إنتاج الأدوية واللقاحات بداية واعدة.

ترجمة: نعيمة أبروش       Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/HAsfhB5ar