fofack21_EDUARDO SOTERASAFP via Getty Images_ethiopiawheat Eduardo Soteras/AFP via Getty Images

التكنولوجيات التي يحتاجها المزارعون الأفارقة

كامبريدج- لطالما عانت إثيوبيا من مجاعات متكررة واسعة النطاق؛ حدثت أبرزها في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، عندما أدت إلى وفاة ما لا يقل عن مليون شخص، وشردت ملايين آخرين منهم. ومع ذلك، أصبحت إثيوبيا، هذا العام، مُصدِّرًا صافيًا للقمح أولَ مرة، وهو إنجاز استثنائي باعتبار تعرضها لتغير المناخ وأزمات الأمن الغذائي.

وبينما ساهمت العديد من العوامل في هذا الإنجاز، فهو يُرَد أساسا للدور المحوري للتكنولوجيات الجديدة في تحويل القطاع الزراعي في إثيوبيا. إذ بزيادة غلة المحاصيل الزراعية وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الأحوال المناخية القاسية، أثبتت هذه الابتكارات فائدتها خصوصا في المناطق التي تواجه جفافًا متفاقمًا، ومخاطر مناخية أخرى.

لقد كان برنامج التكنولوجيات لأجل التحول الزراعي في أفريقيا، الذي وضعه مركز تطوير الأسمدة الدولي، أداة فعالة في استخدام التكنولوجيات الزراعية المثبتة والعالية الأداء على نطاق واسع، بهدف مساعدة المزارعين على زيادة إنتاج الدخن، والذرة، والأرز، والقمح وغيرها من الحبوب الأساسية. ونتيجة لأداء هذه التكنولوجيات الذي يزيد من غلة المحاصيل، ازدادت المساحة المخصصة لأصناف القمح المقاومة للحرارة في إثيوبيا من 5,000 هكتار في عام 2018 إلى أكثر من 2.2 مليون هكتار في عام 2023، مما وضع البلاد على مسار الاكتفاء الذاتي في الأغذية.

لقد عجّل عالَم "الأزمات المتعددة" الذي يتسم بتزايد تقلبات سلاسل التوريد العالمية بالسعي نحو تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي. إذ أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء في أفريقيا، حيث وصل مؤشر القمح في مايو/أيار 2022، على سبيل المثال، إلى مستويات كانت الأعلى له منذ سنوات. وتأثرت إثيوبيا على وجه الخصوص، لأنها كانت تستورد تقريبًا نصف قمحها من روسيا وأوكرانيا. والآن، تتأثر القارة بشدة من حظر التصدير الأخير الذي فرضته الهند، التي تعد أكبر مصدر للأرز في العالم، على عدة أصناف.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، قد تمثل قدرة الحكومة الإثيوبية الكبيرة على استخدام التكنولوجيا لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد الزائد على استيراد الغذاء، إنجازا حقيقيًا. ويُعد هذا التقدم، خاصةً في بلد كان يُعاني من مشاكل زراعية على مدى عدة عقود مُهينة، بارقة أمل لأفريقيا، التي تقف على الخطوط الأمامية لمواجهة أزمة المناخ، حيث غالبًا ما يُسهم انعدام الأمن الغذائي في تأجيج الاضطرابات السياسية.

فعلى سبيل المثال، توقف معدل إنتاج الحبوب في أفريقيا عند 1589 كيلوجرام لكل هكتار، وهو أقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 4153 كيلوجرامًا. وهناك العديد العوامل المسببة لذلك، ولكن أهمها هو العجز التكنولوجي المزمن. ويُعد الافتقار إلى الصناعات التحويلية الزراعية والصناعات ذات القيمة المضافة العالية عقبة أخرى طويلة الأمد أمام زيادة الإنتاج الزراعي ونمو الإنتاجية في القارة، وقد ساهم ذلك أيضًا في تفاقم خسائر ما بعد الحصاد التي تُقدر بنحو 30-50 في المئة من إجمالي إنتاج الغذاء في أفريقيا.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

وما يفاقم المشكلة هو الاستخدام المحدود للأسمدة في القارة والاعتماد المفرط على الزراعة المعتمدة على الأمطار. حيث بلغ استخدام الأسمدة نحو 7.6 مليون طن متري في عام 2021، وهي نسبة أقل بكثير من نظيرتها في شرق آسيا (61.9 مليون طن متري)، وجنوب آسيا (38.7 مليون طن متري)، بينما يُعد نقص نظم الري وأدوات إدارة المياه مصدر قلق خاص في ظل تسارع وتيرة الاحتباس الحراري العالمي. لقد أدت أوجه القصور هذه إلى ارتفاع معدلات الجوع الشديد، ومعاناة العديد من المجتمعات في القارة من أسوأ أزمة غذائية لم تشهدها منذ 40 عامًا.

ولكن تبعات الاضطرابات الجيوسياسية وتفاقم مخاطر المناخ تتجاوز الأمن الغذائي لتخلق حلقة مفرغة من الجفاف، والفيضانات، وعدم الاستقرار الاقتصادي الكلي، وأزمات موازين المدفوعات عبر القارة. إذ يُستورَد نحو 85 في المئة من الغذاء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأكثر ما يسبب ذلك هي الزراعة التي تعتمد على أحوال الطقس في المنطقة. والآن تُنفق القارة ما يقارب 75 مليار دولار سنويًا على استيراد الحبوب، مما يستنزف الاحتياطيات الأجنبية ويزيد الضغوط على سعر الصرف. (انخفضت معظم العملات الأفريقية انخفاضا حادا في عام 2022، مع تراجع البير الإثيوبي على نحو خاص.). ويؤثر هذا الاعتماد على الاستيراد سلبًا على ميزان المدفوعات، حيث تزيد الصدمات العالمية المتكررة في سلاسل التوريد من هشاشة المنطقة.

ومن المتوقع أن ترتفع فاتورة استيراد الغذاء في أفريقيا ارتفاعا كبيرا في السنوات القادمة، لأسباب منها الصدمات المستحدثة جيوسياسيًا والنمو المتوقع للسكان. ولكن الاحتباس الحراري العالمي سوف يغذي هذه الزيادة أيضًا. إذ وفقًا لمؤشر المخاطر المناخية العالمية، كانت خمس من أكثر عشر دول تأثرًا بتغير المناخ في عام 2019 من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تحدث ثلث ظواهر الجفاف في العالم ولكن أقل من 1 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة مجهزة بنُظم الري. وتفيد تقديرات البنك الدولي أنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2050، فسوف تنخفض إنتاجية المحاصيل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 10 في المئة.

وقد تتحقق هذه التوقعات القاتمة بالفعل. إذ من المتوقع أن يكون هذا العام الأكثر سخونة على الإطلاق بنحو 1.4 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية. وفضلا على ذلك، إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في الارتفاع بالمعدلات الحالية، تتنبأ النماذج المناخية بزيادة الاحتباس الحراري بنسبة إضافية قدرها 4 درجات مئوية خلال هذا القرن. ولم تكن الحاجة لمزيد من الاستثمارات في تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها على هذا الجانب من الوضوح يوما.

ونظرا للاعتماد المفرط على استيراد الغذاء والتوقعات المناخية المخيفة، يجب على أفريقيا أن تبتعد عن نموذج الإنتاج الزراعي التقليدي الذي يعتمد على الأمطار. وعلى خُطى إثيوبيا، يجب على القارة اعتماد التكنولوجيا لزيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين الأمن الغذائي. وسوف يتطلب ذلك استثمارات جريئة في تكنولوجيات الزراعة الدقيقة التي تضاعف الإنتاجية في بيئة محدودة الموارد، مثل الري بمعدلات متغيرة.

وبالإضافة إلى الابتكارات الموفرة للمياه، يجب على صانعي السياسات الاستثمار في أصناف البذور ذات الإنتاجية العالية التي تذر محاصيل جيدة في ظروف مناخية جافة، وفي المعدات الزراعية من أجل مَيكنة القطاع. وسيكون تحسين البنية التحتية، بما في ذلك نُظم الري التي تعمل بالطاقة الشمسية، والتقنيات الرقمية التي تتيح للمزارعين الوصول إلى نظم التحذير المبكر وتحسين الكفاءة، أمرًا ضروريًا.

إن استخدام مجموعة واسعة من التكنولوجيات لتحويل قطاع الزراعة في أفريقيا سيعالج المخاوف بشأن الأمن الغذائي والقضايا المتعلقة بالبيئة والاستدامة على حد السواء. ومع أن أفريقيا تضم أكثر من 60 في المئة من الأراضي الزراعية غير المستغلة في العالم، إلا أنها لم تستفد بعد من الثورة الخضراء التي عززت الغلات في أماكن أخرى. لقد تأخرت كثيرا في ذلك. وقد تخلق قساوة تغير المناخ والاضطرابات الجيوسياسية في آخر المطاف حوافز كافية لإطلاق العنان لإمكانات القارة، وضمان الاكتفاء الذاتي، وقدر أكبر من المرونة في إنتاج الغذاء.

ترجمة: نعيمىة أبروش           Translated by Naaima Abarouch   

https://prosyn.org/OPYr9w3ar