bc18ab0346f86f380e986116_ve1643c.jpg Chris Van Es

إنقاذ أهل سوريا

كمبريدج ــ على الرغم من موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتأخرة على إقرار مهمة صنع السلام التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان في سوريا، فإن الثقة في تعاون الرئيس السوري بشّار الأسد بأي شكل جاد أو دائم تظل ضئيلة للغاية، ولا تزال الأصوات المنادية بالتدخل العسكري الخارجي تتعالى. ومع تفاقم الأزمة في سوريا، فإن هؤلاء الذين يحثون على استخدام القوة المسلحة يستشهدون بمأساة التقاعس عن العمل في رواندا والبوسنة في تسعينيات القرن العشرين، وانتصار العمل الدولي الحاسم في ليبيا في العام الماضي.

الواقع أن المقترحات تشمل الطيف الكامل، من إقامة مناطق حظر طيران، ومناطق عازلة، ومناطق "حظر القتال"، والملاذات الآمنة، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، إلى تسليح الجيش السوري الحر لمحاربة نظام الأسد. في حين ينادي آخرون بالغزو الصريح للإطاحة بنظام الأسد. إن السؤال المؤلم بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بأن المجتمع الدولي مسؤول عن وقف هذه الجرائم الفظيعة ليس فقط ما إذا كان أي من هذه الخيارات قابل للتطبيق فحسب، بل وأيضاً ما إذا كان نفعها أعظم من ضررها.

إن أي خيار عسكري لا يحظى حالياً بأي فرصة للدعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي لا يزال مشلولاً إلى حد كبير من جرّاء ردود الأفعال العنيفة ضد تجاوز حلف شمال الأطلنطي لحدود تفويضه بحماية المدنيين في ليبيا. أما الخيار العسكري الوحيد الذي تلقى أي دعم دولي عملي حتى الآن ــ من جانب بعض دول الخليج السُنّية المجاورة لسوريا طبقاً للتقارير ــ فهو يتلخص في تسليح قوات المعارضة.

ورغم هذا، فإذا كان أي شكل ما من أشكال التدخل العسكري القسري هو المسار الصحيح الواجب اتخاذه في سوريا، فإن الحجة لابد وأن تطرح بقدر من الإرادة والمثابرة. ولكن هل يشكل القتال في حالتنا هذه حقاً واجبا؟

بموجب مبادئ المسؤولية عن الحماية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 2005، فإن التفكير في العمل العسكري القسري لوقف الفظائع ضد المدنيين لا يصبح مبرراً إلا إذا أثبتت السبل السلمية ــ من محاولات الإقناع الدبلوماسية إلى العقوبات والتهديد بالملاحقة الجنائية ــ عدم كفايتها. ومن الواضح أن الموقف في سوريا بلغ هذه العتبة بالفعل.

بيد أن التفكير في العمل العسكري لا يعني المصادقة عليه. فالأخلاق والحكمة يفرضان تلبية العديد من المعايير قبل الموافقة على استخدام أي شكل من أشكال القوة. وحتى الآن لم يتبن مجلس الأمن أو ا لجمعية العامة للأمم المتحدة أي من هذه التوجيهات رسميا، ولكن مناقشة مبادئ المسؤولية عن الحماية أبرزت خمسة معايير على مدى الأعوام العشرة الماضية.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

المعيار الأول يتعلق بالضرر المحتمل الواقع على المدنيين: فهل يُعَد هذا التهديد من نوع وحجم يبرر استخدام القوة بلا تردد؟ بعد مقتل أكثر من تسعة آلاف إنسان في سوريا وارتفاع عدد القتلى بمرور كل يوم، فمن المؤكد أن هذا المعيار مستوفى، ولو أن أعمال العنف لم تعد من جانب واحد كما كانت الحال في مستهل الأمر.

أما المعيار الثاني فإن تطبيقه أكثر موضوعية وتعقيدا ــ وبالتالي فهو ليس حاسماً في حد ذاته ــ وهو يتعلق بتحديد ما إذا كان الغرض الأساسي من أي عمل عسكري مقترح يتلخص في وقف أو منع التهديد للمدنيين. والواقع أن دعم بعض دول الخليج المتحمس للتدخل في سوريا قد يكون مدفوعاً في المقام الأول بأجندة أخرى: المشاعر المناهضة لإيران والمؤيدة للسُنّة.

ويتعلق المعيار الثالث بقضية الملاذ الأخير: فهل تم استكشاف كل الخيارات غير العسكرية وتبين بشكل قاطع أن نجاحها غير مرجح؟ لا يزال هذا الأمر قيد المداولة، ولكن قد لا يكون هذا لوقت أطول كثيرا. فعلى الرغم من كل الآمال، فإن التوقعات ليست كبيرة فيما يتصل باحتمالات نجاح المهارات التفاوضية التي يتمتع بها عنان، حتى في ظل الدعم من جانب مجلس الأمن الآن، في نزع فتيل الأزمة السورية، كما حدث في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتفجرة في كينيا في عام 2008. فضلاً عن ذلك فإن قليلين هم من يثقون في قدرة حتى العقوبات الشاملة أو غير ذلك من الضغوط غير العسكرية على إحباط تصميم الأسد على سحق معارضيه.

ويتعلق المعيار الرابع بالوسائل المتناسبة: فهل يلبي حجم ومدة وشدة العمل العسكري المقترح الحد الأدنى المطلوب لمواجهة التهديد المطروح؟ كان هذا واحداً من أكثر جوانب التدخل في ليبيا إثارة للجدال. والمشكلة التي تحيط بأغلب الحلول القائمة على "الحد الأدنى" من التدخل ــ إقامة مناطق عازلة على سبيل المثال ــ هي أن الحرب الكاملة النطاق في ظل الظروف السورية الحالية سوف تكون مطلوبة لفرض هذه الحلول. أي أن فرض الحد الأدنى من التدخل قد يتطلب بالضرورة اللجوء إلى الحد الأقصى.

أما المعيار الأخير والأكثر أهمية وحسماً في نهاية المطاف فيتعلق بإيجاد التوازن بين العواقب المترتبة على التدخل: فهل يفضي التدخل ا لعسكري إلى قدر من الضرر أعظم من نفعه المنتظر؟ هنا تنزلق الحجة المؤيدة للتدخل العسكري في سوريا إلى أعظم قدر من المتاعب.

أن المزيد من عسكرة الوضع في سوريا كفيل بالتهديد بتحويل الحرب الأهلية الوليدة هناك إلى حرب كاملة النطاق، وبخسائر في الأرواح على نطاق أوسع كثيرا. فالمؤسسة العسكرية والمليشيات المسلحة التي تدعمها الحكومة قوية ومن المؤكد أنها سوف تقاوم بشراسة. فضلاً عن ذلك فإن الخلافات الطائفية في سوريا عميقة، والثقة الدولية في تماسك المؤهلات الديمقراطية أو مؤهلات حقوق الإنسان التي تتمتع بها المعارضة السورية ضئيلة. والقتال هناك من شأنه أن يشعل المنطقة بالكامل. ومع انقسام جامعة الدول العربية حول القضية، فإن أي تدخل غربي من المحتم أن يؤدي إلى اشتعال العالم الإسلامي بالكامل.

مع ظهور كل الخيارات العسكرية بهذا المظهر الهدّام فإن الفرصة الوحيدة لمنع سوريا من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة تتلخص في وساطة عنان السياسية، التي تتلخص ركيزتها الأساسية غير المعلنة على محاولة إقناع عدد كاف من كبار المسؤولين في النظام السوري بتغيير المسار، مع توفير المخرج الآمن للشخصيات الأكثر إثارة للجدال من أجل تمكين الاستقرار للموقف والسماح لعملية الإصلاح بالبدء.

ولكن لكي يحدث هذا فيتعين على روسيا أن تفرض نفوذها بقدر أعظم من الإيجابية مقارنة بما بذلته من جهود حتى الآن. وقد يكون هذا الخيط أرفع من أن يستوعبه الشعب السوري، ولكن من المؤسف أنه يشكل الخيار الوحيد المتاح.

https://prosyn.org/mPhpwOvar