mazzucato12_Peter Endigpicture alliance via Getty Images_angryamazonmask Peter Endig/picture alliance via Getty Images

منع الإقطاع الرقمي

لندن ــ يبدو أن استخدام وإساءة استخدام البيانات من قِبَل فيسبوك وشركات التكنولوجيا الأخرى بدأ أخيرا يسترعي القدر الذي يستحقه من الاهتمام الرسمي. فمع تحول البيانات الشخصية إلى السلعة الأعظم قيمة على مستوى العالم، تُرى هل يُصبِح المستخدمون هم سادة اقتصاد المنصات أو عبيده؟

الواقع أن احتمالات فرض الديمقراطية على اقتصاد المنصات تظل قاتمة. ذلك أن الخوارزميات تتطور على النحو الذي يسمح للشركات بالاستفادة من سلوكياتنا في الماضي والحاضر والمستقبل ــ أو ما تصفه شوشانا زوبوف من كلية هارفارد لإدارة الأعمال على أنه "فائضنا السلوكي". في العديد من الحالات، تعرف المنصات الرقمية بالفعل تفضيلاتنا على نحو أفضل من معرفتنا نحن شخصيا لها، ويمكنها أن تدفعنا إلى التصرف على النحو الذي يساعد في إنتاج المزيد من القيمة. ولكن هل نريد حقا أن نعيش في مجتمع حيث تُعرَض رغباتنا الدفينة ومظاهر إدراكنا لذواتنا الشخصية للبيع؟

كانت الرأسمالية دوما بارعة في خلق رغبات ونزوات جديدة. ولكن في ظل البيانات الضخمة والخوارزميات، عملت شركات التكنولوجيا على تسريع هذه العملية وعكسها. وبدلا من مجرد إنشاء سلع وخدمات جديدة تحسبا لما قد يريد الناس، تعلم هذه الشركات بالفعل ماذا نريد مسبقا، وتبيع ذواتنا في المستقبل. الأسوأ من ذلك هو أن العمليات الحسابية المستخدمة تعمل غالبا على إدامة الانحيازات الجنسانية والعِرقية، كما يمكن استغلالها لتحقيق الربح أو مكاسب سياسية. ورغم أننا نستفيد جميعا بشكل كبير من الخدمات الرقمية مثل محرك البحث جوجل، فإننا لم نوافق على فهرسة وتصنيف وبيع سلوكنا.

يتطلب تغيير هذه الحال التركيز بشكل مباشر على نموذج العمل السائد، وعلى وجه التحديد على مصدر الريع الاقتصادي. فكما استخلص ملاك الأراضي في القرن السابع عشر الريع من تضخم أسعار الأرض، وكما استفاد بارونات اللصوصية من ندرة النفط، تستخرج شركات النفط اليوم القيمة من خلال احتكار خدمات البحث والتجارة الإلكترونية.

من المتوقع بلا أدنى شك أن تنتج القطاعات التي تتمتع بميزات خارجية عالية في ما يتصل بالشبكات ــ حيث تزداد الفوائد التي تعود على المستخدمين كأفراد كدالة لإجمالي عدد المستخدمين ــ شركات ضخمة. ولهذا السبب تنامت شركات الهاتف بشكل هائل في الماضي. والمشكلة ليست في الحجم، بل كيف تمارس الشركات القائمة على الشبكة قوتها السوقية.

في الأصل، استخدمت شركات التكنولوجيا اليوم شبكاتها العريضة لجلب موردين متنوعين، مما يعود بالنفع على المستهلكين في الأغلب. وقد سمحت شركة أمازون لصغار الناشرين ببيع العناوين (بما في ذلك كتابي الأول) والتي ما كانت لتصل إلى رف العرض في مكتبات بيع الكتب المحلية لولا ذلك. كما تعود محرك بحث جوجل على تقديم مجموعة متنوعة من مقدمي الخدمات، والسلع، والخدمات.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

لكن الآن، تستخدم كل من الشركتين مراكزها المهيمنة لخنق المنافسة، من خلال التحكم في أي المنتجات يمكن أن يراها المستخدمون ومحاباة علاماتها التجارية الخاصة (التي تحمل أغلبها أسماء مستقلة). من ناحية أخرى، تجد الشركات التي لا تعلن على هذه المنصات أنفسها في وضع غير موات بالمرة. وكما زعم توم أورايلي، يعمل السعي وراء الريع على هذا النحو بمرور الوقت على إضعاف النظام الإيكولوجي للموردين الذي أنشئت المنصات في الأصل لخدمته.

بدلا من افتراض أن جميع أشكال الريع الاقتصادي متشابهة ببساطة، ينبغي لصناع السياسات الاقتصادية أن يحاولوا فهم الكيفية التي تعمل بها خوارزميات المنصات على تخصيص القيمة بين المستهلكين والموزعين والمنصات ذاتها. وفي حين قد تعكس بعض المخصصات منافسة حقيقية، فإن أخرى تكون مدفوعة باستخراج القيمة وليس خلق القيمة.

وعلى هذا فإننا في احتياج إلى تطوير بنية حاكمة جديدة، والذي يبدأ بإنشاء مفردات جديدة. على سبيل المثال، يشير وصف شركات المنصات على أنها "عمالقة التكنولوجيا" إلى أنها استثمرت في التكنولوجيات التي تربح منها، في حين أن دافعي الضرائب هم في حقيقة الأمر الذين مولوا التكنولوجيات الأساسية ــ من الإنترنت إلى نظام تحديد المواقع العالمية (GPS).

علاوة على ذلك، يتسبب الاستخدام الواسع النطاق للمراجحة الضريبية والعمالة المتعاقدة (لتجنب تكاليف توفير التأمين الصحي وغير ذلك من المزايا) في تآكل السواق والمؤسسات التي يعتمد اقتصاد المنصات عليها. وبدلا من الحديث عن التنظيم، نحتاج إذا إلى قطع شوط أطول في احتضان مفاهيم مثل الخلق المشترك. فبوسع الحكومات، وينبغي لها، أن تعمل على تشكيل الأسواق لضمان خدمة القيمة المنشأة جماعيا لغايات جماعية.

على نحو مماثل، لا ينبغي لسياسة المنافسة أن تركز فقط على مسألة الحجم. إن تفكيك الشركات الضخمة لن يحل مشاكل استخراج القيمة أو انتهاكات الحقوق الفردية. ولا يوجد من الأسباب ما يجعلنا نفترض أن عددا كبيرا من شركات جوجل أو فيسبوك الأصغر حجما قد تعمل على نحو مختلف أو تطور خوارزميات أقل استغلالا.

إن خلق بيئة تكافئ خلق القيمة الحقيقة وتعاقب استخراج القيمة هو التحدي الاقتصادي الأساسي في عصرنا هذا. وما يدعو إلى التفاؤل أن الحكومات أيضا تعكف الآن على إنشاء منصات لتحديد هويات المواطنين، وتحصيل الضرائب، وتوفير الخدمات العامة. نظرا لمخاوف في الأيام الأولى للإنترنت حول إساءة استخدام البيانات من قِبَل جهات رسمية، نجد أن قسما كبيرا من البنية الحالية للبيانات أقامته شركات خاصة. لكن المنصات الحكومية الآن تتمتع بقدرة هائلة على تحسين كفاءة القطاع العام وفرض الديمقراطية على اقتصاد المنصات.

لتحقيق هذه الإمكانية، نحتاج إلى إعادة النظر في إدارة البيانات، وتطوير مؤسسات جديدة، وتجربة أشكال بديلة للملكية نظرا لديناميكيات اقتصاد المنصات. على سبيل المثال لا الحصر، يجب استخدام البيانات التي يولدها المرء عند استخدام خرائط جوجل أو سيتي مابر ــ أو منصة أخرى تعتمد على تكنولوجيات ممولة من قِبَل دافعي الضرائب ــ لتحسين وسائل النقل العام وغير ذلك من الخدمات، بدلا من أن تتحول ببساطة إلى أرباح خاصة.

بطبيعة الحال، سوف يزعم بعض المراقبين أن تنظيم اقتصاد المنصات من شأنه أن يعوق عملية خلق القيمة المدفوعة من قِبَل السوق. ولكن يتعين على هؤلاء أن يعودوا إلى أعمال آدم سميث، الذي كان مثاله للسوق الحرة مثالا متحررا من الريع، وليس من الدولة.

نستطيع أن نستخدم الخوارزميات والبيانات الضخمة لتحسين الخدمات العامة، وظروف العمل، ورفاهة كل البشر. لكن هذه التكنولوجيات تستخدم حاليا لتقويض الخدمات العامة، والترويج لعقود بلا ساعات عمل محددة، وانتهاك الخصوصية الفردية، وزعزعة استقرار ديمقراطيات العالم ــ وكل هذا لتحقيق مكاسب شخصية.

إن الإبداع لا يُقاس وفقا لمعدل التقدم فحسب؛ بل ينبغي لنا أن نضع اتجاهه أيضا في الحسبان. ولا يكمن التهديد الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات في سرعة تطورها، بل في كيفية تصميمها وتطبيقها. ويتلخص التحدي الآن في رسم مسار جديد.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/SbaATiVar