75d3dc0246f86fc00bf1da13_jo4121c.jpg John Overmyer

التصدي للغرب وعدوى الغرب

نيوبورت بيتش ـ هل لك أن تتخيل ولو للحظة أنك كبير صانعي السياسات في دولة ناجحة من بلدان الأسواق الناشئة. أنت الآن تراقب بقلق مشروع (ومزيج من الدهشة والغضب) انتشار أزمة الديون الأوروبية المعرقِلة المحبطة، وتسبب السياسات المختلة التي تتبناها أميركا في جعلها عاجزة عن إنعاش اقتصادها المحتضر. تُرى هل تستمد شعوراً بالارتياح من القدرة الهائلة التي يتمتع بها بلدك داخلياً على التعافي من الأزمات والتعويض عن رياح الانكماش التي تهب من الغرب؛ أم أنك سوف تكون حريصاً على توخي السلامة في إدارة الأمر فتعمل على زيادة الاحتياطيات الاحترازية التي يحتفظ بها بلدك؟

هذه هي المسألة التي تواجه العديد من اقتصادات السوق الناشئة، والتي يمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من حدودها. والحق أن هذه المسألة تتعلق أيضاً بالتوقعات المقلقة على نحو متزايد فيما يتصل بمستقبل الاقتصاد العالمي.

الواقع أن مجرد طرح هذه المسألة يُعَد أمراً جديداً وجديراً بالملاحظة في حد ذاته. وبوسعك أن تضيف هذا إلى قائمة من الأمور التي لم تكن متصورة على الإطلاق في وقت سابق، ولكننا شهدنا حدوثها في الآونة الأخيرة. وتشتمل هذه القائمة، في غضون الأسابيع القليلة الماضية فحسب، على خسارة أميركا لتصنيفها المقدس (أأأ)؛ ومغازلتها السياسية لاحتمالات التخلف عن سداد الديون؛ والمخاوف المتصاعدة بشأن عمليات إعادة هيكلة ديون البلدان الواقعة على المحيط  الخارجي لأوروبا والحديث عن احتمالات تفكك منطقة اليورو؛ والخطوات الدرامية التي اتخذتها سويسرا لتحجيم (أجل، تحجيم) خاصية الملاذ الآمن التي تتمتع بها؟

بيد أن الإجابة على مسألة الأسواق الناشئة كانت واضحة ومباشرة قبل بضعة أعوام. ولكنها لم تعد كذلك اليوم.

في العالم القديم، كانت المحنة الاقتصادية التي يعيشها الغرب لتسحب البساط بالفعل من تحت أقدام بلدان الأسواق الناشئة. والواقع أن الحكمة التقليدية ـ التي تدعمها العديد من الخبرات المؤلمة ـ كانت تقول إن بلدان العالم الناشئ قد تصاب بنزلة برد إذا عطست البلدان الصناعية.

ولكن اليوم، تستفيد العديد من بلدان الأسواق الناشئ (وإن لم يكن كلها) من سنوات من الجهود الكبيرة التي بذلتها للحد من تعرضها للمخاطر المالية من خلال تكديس كميات هائلة من الاحتياطيات الدولية. كما نجحت هذه البلدان في سداد حصة كبيرة من ديونها الخارجية وتحويل جزء كبير من الديون المتبقية إلى التزامات بالعملة المحلية يمكن إدارتها والتحكم فيها بقدر أعظم من السهولة واليسر.

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible
PS_Quarterly_Q3-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: The Climate Crucible

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: The Climate Crucible, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

والواقع أن هذا التحسن الحاد الذي طرأ على القوائم المالية لهذه الأسواق الناشئة كان مفيداً إلى حد كبير في تمكينها من التعافي بقوة من الأزمة المالية العالمية أثناء الفترة 2008-2009، في حين لا يزال الغرب متعثراً في محاولاته للخروج من الأزمة. والواقع أن الشغل الشاغل لبلدان العالم النامي فيما يتصل بالسياسات الرئيسية كان يتلخص، حتى تجدد الانحدار مؤخراً في أميركا وأوروبا، في فرط النمو، والضغوط التضخمية المتصاعدة، وفرط النشاط الاقتصادي.

واليوم تتمتع البلدان الناشئة بقدر كبير من مرونة السياسيات وحيز أكبر كثيراً من حرية التصرف والعمل مقارنة بالماضي. وبالتالي فإن هذه البلدان لديها خياران سياسيان أساسيان في مواجهة الاقتصاد العالمي المتزايد الضعف.

فمن ناحية، يمكنها التعويض عن الضعف العالمي بحشد وتحريك الطلب الداخلي بالاستعانة بحوافز مالية قوية. وهذا من شأنه أن يقي سكان هذه البلدان من مشاكل الغرب، وأن يشكل على المستوى العالمي قوة دافعة مضادة لتردي التوقعات العالمية.

وفي هذه العملية، فإنها ستعمل على تحويل بعض من تركيز سياساتها بعيداً عن الإنتاج ونحو الاستهلاك. وسوف تسعى إلى خفض فوائضها التجارية، وفي بعض الحالات سوف تسمح لقيمة عملاتها بالارتفاع. وبهذا تتراجع احتياطياتها الدولية و/أو ترتفع ديونها.

وبوسع هذه الاقتصادات، من ناحية أخرى، أن تختار الاتجاه نحو المزيد من تأمين الذات. ووفقاً لهذا السيناريو فإنها سوف تعمل، بدلاً من تحفيز الطلب المحلي، على تحصين دفاعاتها، وتجهيز نفسها للتعامل مع شتاء طويل عاصف ينتظر الاقتصاد العالمي. وبالتالي فإنها سوف تعمل على الحد من التدهور في فوائضها التجارية، والحفاظ على أسعار صرف منافسة، وصيانة احتياطياتها من النقد الأجنبي ووضعها كدائن صاف. ومن شأن هذه العملية أن تزيد من حدة الضغوط المفروضة على الاقتصاد العالمي بسبب الركود الذي يبدو وكأنه بلا نهاية في الغرب.

وأظن أن قلوب صناع القرار السياسي في الأسواق الناشئة تمثل إلى مناصرة الخيار الأول. ذلك أن الحافز المحلي من شأنه أن يساعد على أية حال في صيانة النمو الاقتصادي. فضلاً عن ذلك فإن سياسات مواجهة التقلبات الدورية كفيلة بأن تنبه العالم إلى استعداد هذه البلدان لتحمل مسؤوليات عالمية.

بيد أنني أظن أيضاً أن عقولهم تتوخى الحذر من إنفاق مقادير كبيرة من المال في محاولة إنجاز مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة. ففي النهاية، هناك القليل من الدلائل التي قد تشير إلى أن الاقتصادات الناشئة قادرة على التصدي بفعالية واستدامة التباطؤ المتزامن في الغرب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بخطر اندلاع أزمة مصرفية أخرى.

وأنا أميل شخصياً إلى الاعتقاد بأن الغَلَبة سوف تكون للعقل ـ ولكن ليس بالكامل. فسوف تتخذ اقتصادات الأسواق الناشئة بعض الخطوات، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة، لحماية النمو المحلي. وسوف تبدي أيضاً استعدادها لمساعدة الغرب ماليا. ولكن مثل هذه الخطوات، على الرغم من كونها ملموسة، لن تكون كافية لمواجهة التباطؤ النابع من الغرب بشكل كامل؛ ولن تنجح بكل تأكيد في تغيير التوقعات جوهرياً بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا.

فعلى الرغم من الأسس القوية التي تستند إليها، فإن الأسواق الناشئة لا تزال تشعر بالخطر إزاء الضعف الاقتصادي وعجز السياسات والشلل السياسي في الغرب. فضلاً عن ذلك فإنها تدرك من واقع خبرتها أنه لا توجد حلول سهلة وفورية لديون الغرب المتراكمة والعوائق البنيوية التي تعرقل النمو هناك. وهي لا تستسلم لأية أوهام بشأن إمكانية التنسيق الفعّال للسياسات على المستوى العالمي.

لا شك أن صناع القرار السياسي في الأسواق الناشئة سوف يتحاشون في مثل هذه الظروف التحركات الجريئة، وسوف يلوذون بالحيطة والتعقل. وسوف يأملون أن يكون شتاء الاقتصاد العالمي قصيرا، ولكنهم سوف يخططون ويستعدون لشتاء طويل. وعلى هذا فإنهم سوف يبدون شهية محدودة للغاية للمجازفة بالمكاسب السياسية التي نالوها بشق الأنفس على مدى الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الماضية، وما صاحب تلك المكاسب من مرونة وقدرة على المقاومة وثقة بالنفس.

والآن بعد أن وضعت نفسك في موقفهم للحظة، فهل يمكنك إلقاء اللوم عليهم؟

https://prosyn.org/7eoa8Cwar