اتركوا الطائرات بلا طيار على الأرض في عام 2013

لاهور ــ برغم أن عام 2012 شهد خفضاً متسارعاً لحجم القوات التابعة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، فإن الجانب القاتم لهذه الحرب التي دامت عقداً من الزمان ــ الاعتماد على الغارات الجوية التي تشنها طائرات بدون طيار ــ لا يزال في كامل عنفوانه. بل إن وتيرة هذه الهجمات تصاعدت، حيث سجل استخدام الولايات المتحدة لحرب الطائرات بدون طيار في باكستان ارتفاعات غير مسبوقة على مدى العام الماضي. وبعد إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما الذي لم يعد يواجه الضغوط التي تفرضها الحملات الانتخابية عادة، فسوف يكون من مصلحة أميركا ــ وبكل تأكيد من مصلحة بلدي باكستان ــ أن يستخدم أوباما العام الأول من ولايته الجديدة لوقف تصاعد العنف.

إن الغارات التي تشنها أميركا على باكستان بطائرات بدون طيار تعكس عقلية متغطرسة غير قادرة على التمييز بين المذنبين والأبرياء، بين الجناة والضحايا، وبين المجرم والبريء. وفي بانتهاك لكل مظاهر العدالة، تتجاهل هذه العقلية معاناة المدنيين المحبين للسلام الذين يشكلون الغالبية العظمى من أولئك الذين يعيشون في المناطق القَبَلية في باكستان.

لقد خلفت غارات الطائرات الأميركية بدون طيار سلسلة طويلة من القتلى من المدنيين الأبرياء، ولم يُحاسَب أحد. إن هذه الماكينات الطائرة الموجهة عن بُعد مبرمجة لإهلاك الأخضر واليابس بوحشية وبلا أي تمييز. ومن العار أن ينزلق البلد المعروف بقيمه الديمقراطية والتزامه بحرية الإنسان إلى هذا المستوى المتدني من قتل الأبرياء من النساء والأطفال والرجال.

نتيجة لهذا، وبدلاً من الفوز بالقلوب والعقول، فإن الولايات المتحدة، تحت أزيز الطائرات القاتلة في الجو، تملأ كل نفس حية في المناطق القَبَلية بالخوف والرعب. والواقع أن المفارقة الدموية هنا هي أن هذه الاستراتيجية هدّامة وتأتي بنتائج عكسية تماما؛ ذلك أن الناس في المناطق القَبَلية، بما يحملونه من ماض كمقاتلين، تنتهي بهم الحال إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة، وتبرير تصرفاتهم باعتبارها جهاداً ضد القوى التي تحتل أفغانستان وأعوانها في باكستان.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن باحثين من كلية الحقوق في جامعة نيويورك وكلية الحقوق في جامعة ستانفورد، فإن الناس الذين يعيشون في المناطق المستهدفة بغارات الطائرات بدون طيار يتعرضون لإرهاب منظم. إن استراتيجية الطائرات بدون طيار تشكل حملة إرهاب منظم ــ وهو إرهاب بالغ القسوة ولا يتورع عن استهداف حتى جنازات ضحايا الطائرات بدون طيار. وفي واقعة بشعة بشكل خاص، احترق أربعون من زعماء القبائل الذين كانوا يعقدون جمعية قَبَلية في هجمة عشوائية.

وإلى جانب العديد من النجوم اللامعة في مختلف أنحاء العالم، أدان الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر سياسة أوباما الهمجية هذه. ولكن تواطؤ الحكومة الباكستانية مستهجن بنفس القدر. ووفقاً لتقارير ويكيليكس، فإن رئيس الوزراء الباكستاني السابق يوسف رضا جيلاني وافق على غارات الطائرات بدون طيار الأميركية قائلا: "أنا لا أبالي إذا ما فعلوا هذا ما داموا يستهدفون الأشخاص المناسبين. وسوف نبدي احتجاجنا في الجمعية الوطنية ثم نتجاهل الأمر". وذهب الرئيس آصف علي زرداري إلى ما هو أبعد من هذا، فقال إنه لا يبالي "بالأضرار الجانبية".

Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
PS_YA25-Onsite_1333x1000

Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025

Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.

Subscribe Now

وعلى هذا فقد فشلت الحكومة الباكستانية في تحمل مسؤوليتها الرئيسية، المنصوص عليها في دستور البلاد، في حماية أرواح وأملاك المواطنين، فضلاً عن أمن البلاد وسيادته. لقد قُتِل أكثر من أربعين ألف مواطن منذ بداية الحرب الأميركية في أفغانستان، لأن الحكومة الباكستانية تتعاون إجرامياً مع القوى التي سهلت صعودها إلى السلطة. وفي مواجهة العمليات العسكرية المستمرة، فإن أغلب المدارس في منطقة وزيرستان ظلت مغلقة طيلة الأعوام السبعة الماضية، الأمر الذي أدى إلى حرمان جيل كامل من الأطفال من التعليم والفرص.

إن الطريق إلى السلام في جنوب آسيا يمر عبر وزيرستان. وعلى الرغم من التضحيات التي لا تعد ولا تحصى في مواجهة القسوة العشوائية التي تتسم بها غارات الطائرات بدون طيار، فإن عزيمة سكان المناطق القَبَلية تظل حديدية. ورغم سعيهم المستمر إلى السلام، فإنهم غير مستعدين للتنازل عن شرفهم واحترامهم لأنفسهم، مهما بلغت التحديات التي يواجهونها من قسوة.

ولابد من تقديم الوجه الحقيقي لإرثهم الثقافي وتقاليدهم الفخورة إلى العالم، حتى يتسنى لهم تحقيق حلمهم في السلام والكرامة. ولكن هذا لن يتسنى إلا بفك ارتباط "الحرب ضد الإرهاب" بين الحكومتين الباكستانية والأميركية. وفقط عندما لا يُنظَر إلى باكستان باعتبارها تخوض حرباً لصالح الولايات المتحدة فإن المقاتلين المحليين سوف يتوقفون عن التفكير في هذا الصراع بوصفه جهاداً ضد التدخل الأجنبي. ولن يأتي السلام إلا عندما لا يرى مئات وآلاف السكان القَبَليين سبباً للقتال.

باختصار، نستطيع أن جزم بأن غارات الطائرات بدون طيار تشكل سياسة معيبة لم تسفر إلا عن تعزيز المشاعر المناهضة للولايات المتحدة وقوى التطرف في باكستان. لقد فشلت ماكينات القتل الأميركية في إخضاع السكان الفخورين في المنطقة ــ وهو الفشل الذي يؤسس للقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان بحلول عام 2013. وفي اعتقادي أن الانسحاب يجب أن يتم حتى قبل ذلك، حتى يتسنى للولايات المتحدة أن تتجنب ترك إرث من العداء قد يستمر في ملاحقتها لأجيال.

إن التغيير السريع للمسار الذي تسلكه إدارة أوباما في عام 2013 هو وحده القادر على عكس اتجاه ذلك القدر الهائل من معاداة الولايات المتحدة الذي تولد نتيجة لأكثر من عشرة أعوام من تواجد قواتها الفتاكة في المنطقة. فمن الواضح أن حرب الطائرات بدون طيار التي تشنها أميركا، وما تخلفه من دمار وحشي للأسر والمجتمعات، تعمل على تعميق الكراهية. ولكي يحل السلام في أفغانستان، ومنطقة جنوب آسيا بالكامل، فيتعين على الولايات المتحدة أن تعطي السلام الفرصة.

ترجمة: أمين علي          Translated by: Amin Ali

https://prosyn.org/L0Gbrq6ar