باريس ـ إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تُعَد الهيئة الدولية الوحيدة في العالم حيث تتمتع كل البلدان بحق التصويت، وحيث الغلبة لقاعدة الأغلبية. ولا يقيد الجمعية العامة شرط الإجماع أو حق النقض، ولعل هذا هو السبب وراء عدم الاستعانة بها في الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ. ومع ذلك فإن الجمعية العامة هي المكان الوحيد حيث يمكن تجاوز الاعتراضات من جانب الدول الكبرى ـ على سبيل المثال، الصين والولايات المتحدة في المحادثات المناخية التي استضافتها كوبنهاجن في شهر ديسمبر/كانون الأول.
لا شك أن الأمم المتحدة لعبت دوراً رئيسياً بارزاً في مجال تغير المناخ قبل الآن. فقد اجتمع "مؤتمر الأطراف" في كل عام تقريباً منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992 في ريو دي جانيرو. وهذه الاجتماعات تكون فنية غالباً، وتجري مناقشاتها عادة بين سفراء الدول. ولكن الأعمال التحضيرية لهذه الاجتماعات تتطلب في بعض الأحيان اتخاذ قرارات على المستوى الوزاري، أو حتى على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات. وكانت هذه هي الحال في كيوتو في عام 1997، ثم مرة أخرى في اجتماع كوبنهاجن الأخير.
وقد يكون بوسعنا أن نتذكر أن العديد من الوفود وصلت إلى كيوتو وهي على استعداد لقبول فكرة فرض ضريبة على الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، أو على الأقل على ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الأكثر شيوعاً بين غازات الانحباس الحراري. بيد أن وفد الولايات المتحدة، الذي أرسلته حكومة عازمة على الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، أعلن بقوة ووضوح عن معارضته للفكرة.
ولقد اقترح الوفد الأميركي خطة مختلفة تماماً عن تلك التي تجري مناقشتها. وبموجب الخطة الأميركية فإن حجم الانبعاثات سوف يخضع لتراخيص أو حصص يمكن مقايضتها في أسواق منشأة لهذا الغرض.
وفي النهاية تم اختيار هذه الخطة في كيوتو على أمل أن تصدق عليها الولايات المتحدة التي اقترحتها. وتغيبت الصين والهند عن ذلك الاجتماع، وكانت روسيا معادية للفكرة. ولكن الولايات المتحدة رفضت التصديق على بروتوكول كيوتو.
وكان الاتحاد الأوروبي يشكل المجموعة الوحيدة من الدول التي فكرت جدياً في تنفيذ البروتوكول. فمنذ عام 2005، تم تطبيق نظام الحصص الأوروبي على منتجي الطاقة الكهربية والمواد المصنَّعة، أو المصدرين الرئيسيين للانبعاثات.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
وكان من المفترض أن يعمل مؤتمر كوبنهاجن على صياغة معاهدة جديدة يبدأ العمل بها بعد انتهاء العمل ببروتوكول كيوتو في عام 2012. ولكن أربعة أيام من المناقشات بين زعماء العالم أسفرت عن فشل ذريع، حيث تمت الموافقة بالتزكية على وثيقة مكونة من أربع صفحات ولكن هذه الوثيقة لم تُطرَح للتصويت. ولقد أعربت هذه الوثيقة عن الأمل في أن يهدف العمل الدولي إلى الحد من الانحباس الحراري العالمي بحيث لا يتعدى الارتفاع في درجات الحرارة درجتين مئويتين على مدى القرن الحادي والعشرين، ولكنها لم تذكر شيئاً عن كيفية تحقيق هذا الهدف ـ ولم تتحدث الوثيقة عن أية التزامات بشأن كمية الانبعاثات، أو عن أي نظام لقياس الانبعاثات العالمية أو الإشراف.
إن هذا الفشل بالغ الضرر. ففي غياب أي التزام من جانب الحكومات، لن نشهد أي محاولة فعّالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وهو ما يعني ضمناً أن العالم حين يبدأ فعلياً في اتخاذ خطوات حقيقية، فسوف يكون من الصعوبة البالغة بمكان أن ننجح في إبطاء سرعة تغير المناخ أو تخفيف آثاره. فضلاً عن ذلك فقد أصبحت أوروبا في حالة من عدم اليقين بشأن نظامها الخاص للحصص، والذي لم يعمل بشكل جيد في المقام الأول.
إن أكثر من نصف البلدان الأعضاء الثلاثة والأربعين في رابطة الدول التي تتألف أرضها من جزر صغيرة تعتقد أن اتخاذ القرار بعدم القيام بأي عمل، والسماح بارتفاع منسوب مياه المحيط، يعتبر بمثابة الموافقة على ارتكاب جريمة قتل. والواقع أن الدولة الأصغر بين أعضاء هذه الرابطة، وهي توفالو التي يبلغ تعداد سكانها 11 ألف نسمة، بدأت بالفعل في البحث عن مكان لإجلاء مواطنيها عندما يغمر الماء جزيرتهم. وأكثر من نصف أراضي بنجلاديش، التي تؤوي مائة مليون نسمة، مهددة بالفيضان، كما هي حال ربع مساحة هولندا التي يبلغ تعداد سكانها 16 مليون نسمة.
إن أغلب لاجئي المناخ المحتملين سوف تنتهي بهم الحال إلى مناطق شاسعة تعاني من الجفاف المتزايد ـ في الشرق الأوسط، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، ووسط الصين، والولايات المتحدة. بل ويتوقع البعض أن تبدأ مثل هذه الهجرات مع بداية النصف الثاني من هذا القرن.
ونظراً لحجم الكارثة التي تلوح في الأفق فإن العالم لا يستطيع أن يتحمل تبعات ترك الأمور على حالها. لا شك أن العملية لم تتوقف، وسوف تستمر المؤتمرات بشأن تغير المناخ في الانعقاد. ولكن المؤتمر التالي ربما تسويات خطيرة للحسابات. والواقع أن الشعوب والحكومات لابد وأن تعبر عن غضبها إزاء عدم التوصل إلى اتفاق ملزم في كوبنهاجن، على الرغم من الاستعداد الذي أبداه العديد من هؤلاء الذين حضروا المؤتمر.
من حسن الحظ أن ما تم إنجازه في كوبنهاجن يكفي لإعادة تشغيل العملية. ولكن إعادة التشغيل لابد وأن تبدأ الآن، ولابد وأن تكون الأمم المتحدة، وجمعيتها العامة على وجه التحديد، المكان الذي يشهد بداية هذه العملية. لقد أدان العديد من المعلقين الأمم المتحدة لفشلها في كوبنهاجن، ولكن هذه الإدانة نابعة من قراءة خاطئة لما حدث هناك. فالأمم المتحدة كانت فقط بمثابة المرشد السياحي في كوبنهاجن. فقد تولت توفير الخدمات اللوجستية والمترجمين وكتيبات البيانات الخاصة بالمشاركين. بيد أن هيئاتها التوجيهية لم تنجح في أداء وظيفتها لأن أحداً لم يفكر في الاستعانة بها والاستفادة بخبراتها في المحادثات.
ومن ثَمَّ فقد حان الوقت للاستفادة الحقيقية من الأمم المتحدة، ودعوة الجمعية العامة إلى أخذ زمام المبادرة. إن الأمم المتحدة لم تكن مسؤولة عن الإخفاق في كوبنهاجن، ولا ينبغي لها أن تتصرف كما لو كانت مسؤولة عنه حقاً، بل يتعين عليها الآن أن تستغل قوتها باعتبارها برلمان العالم في التغلب على العقبات والعراقيل التي يضعها البعض في طريقها.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Not only did Donald Trump win last week’s US presidential election decisively – winning some three million more votes than his opponent, Vice President Kamala Harris – but the Republican Party he now controls gained majorities in both houses on Congress. Given the far-reaching implications of this result – for both US democracy and global stability – understanding how it came about is essential.
By voting for Republican candidates, working-class voters effectively get to have their cake and eat it, expressing conservative moral preferences while relying on Democrats to fight for their basic economic security. The best strategy for Democrats now will be to permit voters to face the consequences of their choice.
urges the party to adopt a long-term strategy aimed at discrediting the MAGA ideology once and for all.
باريس ـ إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تُعَد الهيئة الدولية الوحيدة في العالم حيث تتمتع كل البلدان بحق التصويت، وحيث الغلبة لقاعدة الأغلبية. ولا يقيد الجمعية العامة شرط الإجماع أو حق النقض، ولعل هذا هو السبب وراء عدم الاستعانة بها في الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ. ومع ذلك فإن الجمعية العامة هي المكان الوحيد حيث يمكن تجاوز الاعتراضات من جانب الدول الكبرى ـ على سبيل المثال، الصين والولايات المتحدة في المحادثات المناخية التي استضافتها كوبنهاجن في شهر ديسمبر/كانون الأول.
لا شك أن الأمم المتحدة لعبت دوراً رئيسياً بارزاً في مجال تغير المناخ قبل الآن. فقد اجتمع "مؤتمر الأطراف" في كل عام تقريباً منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992 في ريو دي جانيرو. وهذه الاجتماعات تكون فنية غالباً، وتجري مناقشاتها عادة بين سفراء الدول. ولكن الأعمال التحضيرية لهذه الاجتماعات تتطلب في بعض الأحيان اتخاذ قرارات على المستوى الوزاري، أو حتى على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات. وكانت هذه هي الحال في كيوتو في عام 1997، ثم مرة أخرى في اجتماع كوبنهاجن الأخير.
وقد يكون بوسعنا أن نتذكر أن العديد من الوفود وصلت إلى كيوتو وهي على استعداد لقبول فكرة فرض ضريبة على الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، أو على الأقل على ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الأكثر شيوعاً بين غازات الانحباس الحراري. بيد أن وفد الولايات المتحدة، الذي أرسلته حكومة عازمة على الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، أعلن بقوة ووضوح عن معارضته للفكرة.
ولقد اقترح الوفد الأميركي خطة مختلفة تماماً عن تلك التي تجري مناقشتها. وبموجب الخطة الأميركية فإن حجم الانبعاثات سوف يخضع لتراخيص أو حصص يمكن مقايضتها في أسواق منشأة لهذا الغرض.
وفي النهاية تم اختيار هذه الخطة في كيوتو على أمل أن تصدق عليها الولايات المتحدة التي اقترحتها. وتغيبت الصين والهند عن ذلك الاجتماع، وكانت روسيا معادية للفكرة. ولكن الولايات المتحدة رفضت التصديق على بروتوكول كيوتو.
وكان الاتحاد الأوروبي يشكل المجموعة الوحيدة من الدول التي فكرت جدياً في تنفيذ البروتوكول. فمنذ عام 2005، تم تطبيق نظام الحصص الأوروبي على منتجي الطاقة الكهربية والمواد المصنَّعة، أو المصدرين الرئيسيين للانبعاثات.
Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
وكان من المفترض أن يعمل مؤتمر كوبنهاجن على صياغة معاهدة جديدة يبدأ العمل بها بعد انتهاء العمل ببروتوكول كيوتو في عام 2012. ولكن أربعة أيام من المناقشات بين زعماء العالم أسفرت عن فشل ذريع، حيث تمت الموافقة بالتزكية على وثيقة مكونة من أربع صفحات ولكن هذه الوثيقة لم تُطرَح للتصويت. ولقد أعربت هذه الوثيقة عن الأمل في أن يهدف العمل الدولي إلى الحد من الانحباس الحراري العالمي بحيث لا يتعدى الارتفاع في درجات الحرارة درجتين مئويتين على مدى القرن الحادي والعشرين، ولكنها لم تذكر شيئاً عن كيفية تحقيق هذا الهدف ـ ولم تتحدث الوثيقة عن أية التزامات بشأن كمية الانبعاثات، أو عن أي نظام لقياس الانبعاثات العالمية أو الإشراف.
إن هذا الفشل بالغ الضرر. ففي غياب أي التزام من جانب الحكومات، لن نشهد أي محاولة فعّالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وهو ما يعني ضمناً أن العالم حين يبدأ فعلياً في اتخاذ خطوات حقيقية، فسوف يكون من الصعوبة البالغة بمكان أن ننجح في إبطاء سرعة تغير المناخ أو تخفيف آثاره. فضلاً عن ذلك فقد أصبحت أوروبا في حالة من عدم اليقين بشأن نظامها الخاص للحصص، والذي لم يعمل بشكل جيد في المقام الأول.
إن أكثر من نصف البلدان الأعضاء الثلاثة والأربعين في رابطة الدول التي تتألف أرضها من جزر صغيرة تعتقد أن اتخاذ القرار بعدم القيام بأي عمل، والسماح بارتفاع منسوب مياه المحيط، يعتبر بمثابة الموافقة على ارتكاب جريمة قتل. والواقع أن الدولة الأصغر بين أعضاء هذه الرابطة، وهي توفالو التي يبلغ تعداد سكانها 11 ألف نسمة، بدأت بالفعل في البحث عن مكان لإجلاء مواطنيها عندما يغمر الماء جزيرتهم. وأكثر من نصف أراضي بنجلاديش، التي تؤوي مائة مليون نسمة، مهددة بالفيضان، كما هي حال ربع مساحة هولندا التي يبلغ تعداد سكانها 16 مليون نسمة.
إن أغلب لاجئي المناخ المحتملين سوف تنتهي بهم الحال إلى مناطق شاسعة تعاني من الجفاف المتزايد ـ في الشرق الأوسط، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، ووسط الصين، والولايات المتحدة. بل ويتوقع البعض أن تبدأ مثل هذه الهجرات مع بداية النصف الثاني من هذا القرن.
ونظراً لحجم الكارثة التي تلوح في الأفق فإن العالم لا يستطيع أن يتحمل تبعات ترك الأمور على حالها. لا شك أن العملية لم تتوقف، وسوف تستمر المؤتمرات بشأن تغير المناخ في الانعقاد. ولكن المؤتمر التالي ربما تسويات خطيرة للحسابات. والواقع أن الشعوب والحكومات لابد وأن تعبر عن غضبها إزاء عدم التوصل إلى اتفاق ملزم في كوبنهاجن، على الرغم من الاستعداد الذي أبداه العديد من هؤلاء الذين حضروا المؤتمر.
من حسن الحظ أن ما تم إنجازه في كوبنهاجن يكفي لإعادة تشغيل العملية. ولكن إعادة التشغيل لابد وأن تبدأ الآن، ولابد وأن تكون الأمم المتحدة، وجمعيتها العامة على وجه التحديد، المكان الذي يشهد بداية هذه العملية. لقد أدان العديد من المعلقين الأمم المتحدة لفشلها في كوبنهاجن، ولكن هذه الإدانة نابعة من قراءة خاطئة لما حدث هناك. فالأمم المتحدة كانت فقط بمثابة المرشد السياحي في كوبنهاجن. فقد تولت توفير الخدمات اللوجستية والمترجمين وكتيبات البيانات الخاصة بالمشاركين. بيد أن هيئاتها التوجيهية لم تنجح في أداء وظيفتها لأن أحداً لم يفكر في الاستعانة بها والاستفادة بخبراتها في المحادثات.
ومن ثَمَّ فقد حان الوقت للاستفادة الحقيقية من الأمم المتحدة، ودعوة الجمعية العامة إلى أخذ زمام المبادرة. إن الأمم المتحدة لم تكن مسؤولة عن الإخفاق في كوبنهاجن، ولا ينبغي لها أن تتصرف كما لو كانت مسؤولة عنه حقاً، بل يتعين عليها الآن أن تستغل قوتها باعتبارها برلمان العالم في التغلب على العقبات والعراقيل التي يضعها البعض في طريقها.