كوبنهاجن ـ كانت الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سبباً في إعادة تركيز الانتباه على التأثيرات التي قد تخلفها التوترات السياسية أو التدخلات على أسعار الواردات من الطاقة ومدى توفرها. وعلى خلفية المخاوف التي تقض مضاجع المستهلكين من الارتفاعات الحادة في أسعار الوقود، أصبحت مسألة أمن الطاقة تحتل مرتبة عالية على العديد من الأجندات السياسية للحكومات الغربية.
لا شك أن هذه ليست بالظاهرة الجديدة: ذلك أن محاولات أوروبا لبناء احتياطيات من الطاقة ترجع إلى ستينيات القرن العشرين. وعلى نحو مماثل، حاول كل رئيس أميركي منذ ريتشارد نيكسون في أوائل السبعينيات الحد من الاعتماد على النفط الأجنبي، ولكنه فشل.
وعلى الرغم من ذلك، هناك اتجاه جديد يتلخص في تقديم السياسات التي كانت قبل أعوام قليلة مرشحة لمكافحة تغير المناخ باعتبارها اليوم وسيلة ضرورية لتعزيز أمن الطاقة. وعلى خلفية الأزمة المالية، ومع وصول الدعم الشعبي لسياسات تغير المناخ إلى مستويات غير مسبوقة في التدني في العديد من البلدان المتقدمة، أصبحنا نسمع القليل من الزعماء حول خطر الانحباس الحراري العالمي، والمزيد عن الفوائد الاقتصادية المزعومة لسياسات المناخ.
والواقع أن هذا التحول ليس مستغربا، في ضوء العدد المتزايد من التحليلات التي تثبت أن سياسات المناخ الحالية (الأحادية) لن تؤثر بأي قدر يُذكَر على ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ويقدم الاتحاد الأوروبي توضيحاً كلاسيكياً لهذه النقطة. ذلك أن خطته في التعامل مع قضية المناخ والتي أطلق عليها "20-20-20" ـ وهي السياسة الأكثر شمولاً على الإطلاق في التعامل مع تغير المناخ ـ تهدف إلى خفض انبعاثات الانحباس الحراري بمقدار 20% من مستويات عام 1990 بحلول عام 2020، وضمان توفير الطاقة المتجددة لنحو 20% من استهلاك الطاقة، وخفض استخدام الطاقة الأولي بنسبة 20%.
ولقد أظهر تحليل التكاليف والفوائد المترتبة على هذه السياسة في عام 2010، والذي أجراه خبير الاقتصاد المناخي ريتشارد تول، أن الثمن السنوي سوف يبلغ نحو 210 مليار دولار. وإذا اختبرنا هذه السياسة بالاستعانة بنموذج رايس لتغير المناخ فسوف يتبين لنا أنها سوف تؤدي إلى التقليل من ارتفاع درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 0.05 درجة مئوية فقط.
وفي ظل إحباطهم من التأثير البالغ الضعف لهذه السياسة على الانحباس الحراري العالمي، أعلن الساسة أن هذه السياسة من شأنها على الأقل أن تعزز من أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. لذا فقد طلب مركز إجماع كوبنهاجن من البروفيسور كريستوف بورنجر وأندرياس كيلر من جامعة أولدنبورج أن يختبرا هذا الادعاء.
إن مفهوم أمن الطاقة غير واضح بطبيعة الحال. وفي ورقتهما البحثية تحت عنوان "أمن الطاقة: تقييم تأثير حزمة المناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي"، لاحظ بورنجر وكيلر أن الاتحاد الأوروبي لم يحدد لنفسه قط مقياساً واضحاً لأمن الطاقة.
ورغم ـ أو بسبب ـ هذا الافتقار إلى التعريف والمقياس فإن صناع القرار السياسي، كما يقول بورنجر وكيلر، "استغلوا حجة أمن الطاقة لتبرير عدد لا يحصى من التدابير". حتى أن مثل هذه التدابير اشتملت على فرض الحظر على مصابيح الإنارة الكهربائية وسخانات الأفنية، وإعفاءات ضريبية لمالكي الدراجات، ووضع معايير لضغط الهواء في الإطارات، واختبارات لكفاءة استهلاك الوقود ـ ولا يبدو أن أياً من هذه التدابير كان مؤثراً بدرجة كبيرة على مستوى الواردات النفطية من روسيا أو الشرق الأوسط.
والأمر الواضح، وفقاً لما خلص إليه بورنجر وكيلر، هو أن حزمة المناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي تنتهك المبادئ الأساسية للجدوى من حيث التكاليف، إذا كان الهدف الأوحد يتلخص في خفض الانبعاثات. وتبرز هذه الحزمة بسبب تشابك أدواتها ـ وبالتالي خطر القواعد التنظيمية المتداخلة الهدّامة، وهو ما من شأنه أن يزيد بدرجة كبيرة من التكاليف مقارنة بتبني سياسة فعّالة في التعامل مع المناخ.
ويقيس الباحثان تأثير حزمة "20-20-20" من خلال مؤشرات مستقلة لأمن الطاقة. فمن دون تنفيذ الحزمة سوف يلبى ما يزيد قليلاً على نصف احتياجات أوروبا من الطاقة بالاستعانة بالوقود الأحفوري المستورد بحلول عام 2020، مقارنة بنحو 50% اليوم. وإذا نجح الاتحاد الأوروبي في خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20% بحلول عام 2020، فإن بورنجر وكيلر يريان أن اعتماده على الوقود الأحفوري المستورد سوف ينخفض بمقدار نقطتين مئويتين فقط. والواقع أنه لمسار بعيد كل البعد عن تحقيق الاعتماد على الذات.
لا شك أن خطة "20-20-20" تهدف إلى تقديم ما يزيد على خفض الانبعاثات فحسب؛ فهي تحاول أيضاً زيادة استخدام الطاقة المتجددة وخفض الاستهلاك الإجمالي للطاقة. ويرى الباحثان أن الخطة "20-20-20" الكاملة تعني في واقع الأمر "زيادة واردات الطاقة فضلاً عن زيادة المخاطر المرتبطة بالأسعار" ـ ويرجع ذلك في الأساس إلى أن الضريبة المفروضة على الطاقة الكهربائية بهدف تحقيق هدف الكفاءة الذي حددته الخطة سوف تؤثر على الطاقة النووية في المقام الأول. أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن السياسة التي كان من المفترض أن تحقق قدراً أعظم من أمن الطاقة من المرجح في واقع الأمر أن تؤدي إلى ارتفاعات حادة في الأسعار فضلاً عن الاعتماد بشكل أكبر على الواردات من الطاقة الأجنبية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه النتائج تستند إلى السيناريو المرجعي المتفائل المستخدم في إعداد وزارة الطاقة الأميركية لتوقعات الطاقة الدولية، والتي بموجبها سوف ينمو استخدام الطاقة المتجددة بمعدل أعلى من الماضي. وفي غياب هذا التوقع فمن المرجح أن تكون سياسة الاتحاد الأوروبي أكثر تكلفة.
وفي العديد من البلدان الغربية، أصبحت السياسات مغلفة على نحو متزايد بالوعود بقدر أعظم من أمن الطاقة وليس بتهديدات بكوارث مناخية. ولكن لأن أمن الطاقة يشكل مفهوماً مبهما، فإن هذه السياسات نادراً ما يتم إخضاعها للتدقيق الصارم لتحديد ما إذا كانت سوف ترقى إلى مزاعم السياسيين.
كما أظهر البحث الجديد، فيتعين علينا أن نكون حذرين بشكل خاص في التعامل مع مزاعم الساسة الذين يستغلون أحداثاً حالية لتبرير سياسات تغير المناخ القديمة غير الفعّالة على الأساس القديم الذي لا يقل إثارة للمشاكل، والمتمثل في أمن الطاقة.
كوبنهاجن ـ كانت الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سبباً في إعادة تركيز الانتباه على التأثيرات التي قد تخلفها التوترات السياسية أو التدخلات على أسعار الواردات من الطاقة ومدى توفرها. وعلى خلفية المخاوف التي تقض مضاجع المستهلكين من الارتفاعات الحادة في أسعار الوقود، أصبحت مسألة أمن الطاقة تحتل مرتبة عالية على العديد من الأجندات السياسية للحكومات الغربية.
لا شك أن هذه ليست بالظاهرة الجديدة: ذلك أن محاولات أوروبا لبناء احتياطيات من الطاقة ترجع إلى ستينيات القرن العشرين. وعلى نحو مماثل، حاول كل رئيس أميركي منذ ريتشارد نيكسون في أوائل السبعينيات الحد من الاعتماد على النفط الأجنبي، ولكنه فشل.
وعلى الرغم من ذلك، هناك اتجاه جديد يتلخص في تقديم السياسات التي كانت قبل أعوام قليلة مرشحة لمكافحة تغير المناخ باعتبارها اليوم وسيلة ضرورية لتعزيز أمن الطاقة. وعلى خلفية الأزمة المالية، ومع وصول الدعم الشعبي لسياسات تغير المناخ إلى مستويات غير مسبوقة في التدني في العديد من البلدان المتقدمة، أصبحنا نسمع القليل من الزعماء حول خطر الانحباس الحراري العالمي، والمزيد عن الفوائد الاقتصادية المزعومة لسياسات المناخ.
والواقع أن هذا التحول ليس مستغربا، في ضوء العدد المتزايد من التحليلات التي تثبت أن سياسات المناخ الحالية (الأحادية) لن تؤثر بأي قدر يُذكَر على ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ويقدم الاتحاد الأوروبي توضيحاً كلاسيكياً لهذه النقطة. ذلك أن خطته في التعامل مع قضية المناخ والتي أطلق عليها "20-20-20" ـ وهي السياسة الأكثر شمولاً على الإطلاق في التعامل مع تغير المناخ ـ تهدف إلى خفض انبعاثات الانحباس الحراري بمقدار 20% من مستويات عام 1990 بحلول عام 2020، وضمان توفير الطاقة المتجددة لنحو 20% من استهلاك الطاقة، وخفض استخدام الطاقة الأولي بنسبة 20%.
ولقد أظهر تحليل التكاليف والفوائد المترتبة على هذه السياسة في عام 2010، والذي أجراه خبير الاقتصاد المناخي ريتشارد تول، أن الثمن السنوي سوف يبلغ نحو 210 مليار دولار. وإذا اختبرنا هذه السياسة بالاستعانة بنموذج رايس لتغير المناخ فسوف يتبين لنا أنها سوف تؤدي إلى التقليل من ارتفاع درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 0.05 درجة مئوية فقط.
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
وفي ظل إحباطهم من التأثير البالغ الضعف لهذه السياسة على الانحباس الحراري العالمي، أعلن الساسة أن هذه السياسة من شأنها على الأقل أن تعزز من أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. لذا فقد طلب مركز إجماع كوبنهاجن من البروفيسور كريستوف بورنجر وأندرياس كيلر من جامعة أولدنبورج أن يختبرا هذا الادعاء.
إن مفهوم أمن الطاقة غير واضح بطبيعة الحال. وفي ورقتهما البحثية تحت عنوان "أمن الطاقة: تقييم تأثير حزمة المناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي"، لاحظ بورنجر وكيلر أن الاتحاد الأوروبي لم يحدد لنفسه قط مقياساً واضحاً لأمن الطاقة.
ورغم ـ أو بسبب ـ هذا الافتقار إلى التعريف والمقياس فإن صناع القرار السياسي، كما يقول بورنجر وكيلر، "استغلوا حجة أمن الطاقة لتبرير عدد لا يحصى من التدابير". حتى أن مثل هذه التدابير اشتملت على فرض الحظر على مصابيح الإنارة الكهربائية وسخانات الأفنية، وإعفاءات ضريبية لمالكي الدراجات، ووضع معايير لضغط الهواء في الإطارات، واختبارات لكفاءة استهلاك الوقود ـ ولا يبدو أن أياً من هذه التدابير كان مؤثراً بدرجة كبيرة على مستوى الواردات النفطية من روسيا أو الشرق الأوسط.
والأمر الواضح، وفقاً لما خلص إليه بورنجر وكيلر، هو أن حزمة المناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي تنتهك المبادئ الأساسية للجدوى من حيث التكاليف، إذا كان الهدف الأوحد يتلخص في خفض الانبعاثات. وتبرز هذه الحزمة بسبب تشابك أدواتها ـ وبالتالي خطر القواعد التنظيمية المتداخلة الهدّامة، وهو ما من شأنه أن يزيد بدرجة كبيرة من التكاليف مقارنة بتبني سياسة فعّالة في التعامل مع المناخ.
ويقيس الباحثان تأثير حزمة "20-20-20" من خلال مؤشرات مستقلة لأمن الطاقة. فمن دون تنفيذ الحزمة سوف يلبى ما يزيد قليلاً على نصف احتياجات أوروبا من الطاقة بالاستعانة بالوقود الأحفوري المستورد بحلول عام 2020، مقارنة بنحو 50% اليوم. وإذا نجح الاتحاد الأوروبي في خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20% بحلول عام 2020، فإن بورنجر وكيلر يريان أن اعتماده على الوقود الأحفوري المستورد سوف ينخفض بمقدار نقطتين مئويتين فقط. والواقع أنه لمسار بعيد كل البعد عن تحقيق الاعتماد على الذات.
لا شك أن خطة "20-20-20" تهدف إلى تقديم ما يزيد على خفض الانبعاثات فحسب؛ فهي تحاول أيضاً زيادة استخدام الطاقة المتجددة وخفض الاستهلاك الإجمالي للطاقة. ويرى الباحثان أن الخطة "20-20-20" الكاملة تعني في واقع الأمر "زيادة واردات الطاقة فضلاً عن زيادة المخاطر المرتبطة بالأسعار" ـ ويرجع ذلك في الأساس إلى أن الضريبة المفروضة على الطاقة الكهربائية بهدف تحقيق هدف الكفاءة الذي حددته الخطة سوف تؤثر على الطاقة النووية في المقام الأول. أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن السياسة التي كان من المفترض أن تحقق قدراً أعظم من أمن الطاقة من المرجح في واقع الأمر أن تؤدي إلى ارتفاعات حادة في الأسعار فضلاً عن الاعتماد بشكل أكبر على الواردات من الطاقة الأجنبية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه النتائج تستند إلى السيناريو المرجعي المتفائل المستخدم في إعداد وزارة الطاقة الأميركية لتوقعات الطاقة الدولية، والتي بموجبها سوف ينمو استخدام الطاقة المتجددة بمعدل أعلى من الماضي. وفي غياب هذا التوقع فمن المرجح أن تكون سياسة الاتحاد الأوروبي أكثر تكلفة.
وفي العديد من البلدان الغربية، أصبحت السياسات مغلفة على نحو متزايد بالوعود بقدر أعظم من أمن الطاقة وليس بتهديدات بكوارث مناخية. ولكن لأن أمن الطاقة يشكل مفهوماً مبهما، فإن هذه السياسات نادراً ما يتم إخضاعها للتدقيق الصارم لتحديد ما إذا كانت سوف ترقى إلى مزاعم السياسيين.
كما أظهر البحث الجديد، فيتعين علينا أن نكون حذرين بشكل خاص في التعامل مع مزاعم الساسة الذين يستغلون أحداثاً حالية لتبرير سياسات تغير المناخ القديمة غير الفعّالة على الأساس القديم الذي لا يقل إثارة للمشاكل، والمتمثل في أمن الطاقة.