ماينوث، أيرلندا ــ برغم الفواجع والمحن، فإن الاتحاد الأوروبي يظل منارة هادية للبلدان الأكثر فقراً خارج حدوده. والواقع أن الجاذبية التي تتمتع بها عملية توسع الاتحاد الأوروبي كانت العامل الأكثر أهمية في إعادة تشكيل الحياة الاقتصادية والسياسية والمدنية في منطقة غرب البلقان منذ نهاية حروب ما بعد يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين.
ويقدم انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو/تموز دفعة محمودة للمنطقة التي أعطيت أفضلية ثانوية نتيجة لإجهاد التوسعة وانهماك الاتحاد الأوروبي في مراجعة الذات نتيجة للأزمة. ويشير مؤيدو توسيع الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى الاتفاق الذي وقعت عليه كوسوفو وصربيا في أبريل/نيسان باعتباره تطوراً آخر رئيسياً يفتح آفاق المستقبل الأوروبي لدول البلقان.
في ديسمبر/كانون الأول، جاء الانفصال الحاسم عن أكثر من عشرة أعوام من الحرب والمواجهة، عندما قررت كوسوفو وصربيا البدء في تنفيذ اتفاقية بشأن مراقبة الحدود. ويذهب تفاهم أبريل/نيسان إلى ما هو أبعد من ذلك بإبرام اتفاق لتقاسم السلطة في شمال كوسوفو مصممة لتعزيز الحكم الذاتي المحلي من خلال رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية وفي نفس الوقت تقديم ترتيبات جديدة لتنظيم عمل الشرطة والقضاء.
وقد أقر اجتماع المجلس الأوروبي الذي اختتم للتو بالتقدم الذي حققته كل من صربيا وكوسوفو، حيث أُعطِي الصرب تاريخ بدء (مشروط إلى حد ما) لبداية المفاوضات، وكوسوفو للبدء في عملية "الفرز المسبق". وهنا يراهن الاتحاد الأوروبي على كسر جمود عملية التوسع في منطقة غرب البلقان أخيراً على خلفية انضمام كرواتيا.
ولكن إجهاد التوسع بين الدول الأعضاء يستمر في تكدير هذه التوقعات المتفائلة. ورغم أن أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي دول انضمت في توسعات سابقة، ولم يعد أحد ينظر إلى توسع الاتحاد باعتباره قصة نجاح خالصة. بل إنه على العكس من ذلك كثيراً ما يقدم بوصفه تجاوزاً لحدود المعقول.
والواقع أن إجهاد التوسع كان السمة الغالبة في علاقات الاتحاد الأوروبي بدول غرب البلقان، وهو يفسر لماذا كانت عملية الانضمام متوقفة تماماً على طول مسار من المفاوضات المجمدة وعدم الثقة المتبادل باتجاه مصير غير مؤكد على نحو متزايد. وتظل هذه الحال قائمة حتى بعد انضمام كرواتيا.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
دخل تعبير إجهاد التوسع المعجم السياسي الأوروبي في أعقاب الفشل الدرامي للاستفتاءين الفرنسي والهولندي على المعاهدة الدستورية للاتحاد الأوروبي في عام 2005. ودعت صدمة رفض المعاهدة من قِبَل عضوين أصليين في الاتحاد الأوروبي إلى التضحية بكبش فداء، وبدت التوسعة الكبرى التي كانت قد انتهت في العام السابق آنذاك ــ حيث انضم إلى الاتحاد الأوروبي ثماني من دول ما بعد الشيوعية (إلى جانب قبرص ومالطا) في وقت واحد ــ كموضع مناسب يُلقى عليه باللوم. ففجأة، أغرق السباكون البولنديون البلدان الأعضاء "القديمة".
وبالتالي فإن البلدان المتقدمة من غرب البلقان كان لزاماً عليها أن تتعامل مع العملية التي تدار الآن على أساس بين حكومي دولي بشكل أكبر من عملية التوسع الأكبر في عام 2004، والتي كانت في بعض الأوقات رهينة للمطالب الثنائية الأنانية من قِبَل البلدان الأعضاء. كانت عملية التوسع تُعَد تقليدياً منطقة حيث يمكن في إطارها تنحية المصالح الوطنية بقدر أكبر من السهولة مقارنة بالترتيبات التقليدية للاتحاد الأوروبي: حيث بدا البعد المعياري للعملية وكأنه يتطلب نهجاً أكثر توجهاً نحو المجتمعات المحلية في ما يتصل بصنع القرار. ولكن هذا تغير بشكل جذري.
فقد أصبح تسييس عملية التوسع الآن أكثر سهولة في البلدان الأعضاء الفردية، وهذه هي الحال بشكل خاص حيث توجد موجة عارمة من التشكيك في أوروبا. والواقع أن المجلس الأوروبي، وليس المفوضية الأوروبية، هو الذي أصبح على نحو متزايد يحدد معايير رسم التقدم في محادثات الانضمام، وبالتالي فإنه يحدد إلى حد كبير سرعة تقدم المفاوضات.
وكان هذا الوضع الحكومي الدولي لعملية صنع القرار في ما يتصل بالتوسع واضحاً عندما تقدمت سلوفينيا بمطالب إقليمية بحرية كبيرة لدى كرواتيا. ومن الممكن أن نلحظ هذا أيضاً في الاعتراضات اليونانية المستمرة على اسم مقدونيا وإصرار البرلمان الألماني على الموافقة على تقدم الدول الفردية المتقدمة ــ وهو المطلب الذي تسبب في تعقيد العلاقات مع تركيا بشكل كبير.
وهناك أدلة وافرة من جولات التوسع السابقة تشير إلى القوة التحويلية التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي وقدرته على تعزيز الديمقراطية والطابع الأوروبي في الدول المرشحة قبل انضمامها. ولكن الاتحاد الأوروبي لن ينجح في نقل قوانينه، وقواعده، وقيمه إلى الدول المرشحة إلا إذا أخذت الحكومات المتقدمة وعودها على محمل الجد. فيتعين عليها أن تكون على استعداد لتحمل تكاليف التنفيذ لأنها تعتقد أن الفوائد التي ستعود عليها من التحاق بلادها بعضوية الاتحاد الأوروبي (أو على الحكومات ذاتها باعتبارها كيانات سياسية فاعلة) سوف تتحقق.
ومن هنا فإن الوعد بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي لابد أن يتمتع بالمصداقية ببساطة إذا كان للإصلاحات المدفوعة بالرغبة في الالتحاق أن تنجح وأن تتمكن الدول المتقدمة من استيعاب قواعد الاتحاد الأوروبي. والمشكلة الحقيقية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان هي أن الوعد (بالعضوية) الذي بُذِل للدول الطامحة في عام 2003 لم يعد كافياً لمواجهة تيارات إجهاد التوسع، التي أدت إلى إجهاد الإصلاح، وإبطاء تقدم الدول المتقدمة بطلبات العضوية في المنطقة إلى حد التوقف التام تقريبا.
والواقع أن الاتحاد الأوروبي، خلافاً للجولات السابقة للانضمام، لم يقدم جدولاً زمنياً ملموساً لتحقيق وعد العضوية الذي بُذِل في سالونيك قبل عشرة أعوام. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن العملية ظلت مفتوحة وغير محددة. ويصر مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسعة وسياسة الجوار الأوروبي، ستيفان فول، على أن عملية التوسع تتقدم، ولكن غرب البلقان تظل منطقة هشة، وتحدد هيئتها نزعات قومية عدائية متبادلة، وقصور في تكوين الدولة، وأنماط عميقة وواسعة من الفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية المستوطن.
مع احتفال الاتحاد الأوروبي بانضمام كرواتيا ــ والذي سيقدم بلا أدنى شك دفعة قصيرة الأجل لعملية الإصلاح في مختلف أنحاء منطقة غرب البلقان ــ فإنه يواجه خياراً عميقاً في تعامله مع المنطقة. فإما أن يعيد تنشيط روح الجولات السابقة من عملية التوسع، أو أن يستسلم لإجهاد التوسع. وفي كل الأحوال فإن مستقبل المنطقة معلق في الميزان.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
For decades, an efficiency-centered “economic style” has dominated public policy, overriding the concerns for fairness that animated the New Deal and Lyndon B. Johnson’s Great Society. Now, Americans must brace for economic governance that delivers neither efficiency nor fairness, only chaos.
highlights the high cost of the single-minded focus on efficiency that has come to dominate the discipline.
While some observers doubt that US President-elect Donald Trump poses a grave threat to US democracy, others are bracing themselves for the destruction of the country’s constitutional order. With Trump’s inauguration just around the corner, we asked PS commentators how vulnerable US institutions really are.
ماينوث، أيرلندا ــ برغم الفواجع والمحن، فإن الاتحاد الأوروبي يظل منارة هادية للبلدان الأكثر فقراً خارج حدوده. والواقع أن الجاذبية التي تتمتع بها عملية توسع الاتحاد الأوروبي كانت العامل الأكثر أهمية في إعادة تشكيل الحياة الاقتصادية والسياسية والمدنية في منطقة غرب البلقان منذ نهاية حروب ما بعد يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين.
ويقدم انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو/تموز دفعة محمودة للمنطقة التي أعطيت أفضلية ثانوية نتيجة لإجهاد التوسعة وانهماك الاتحاد الأوروبي في مراجعة الذات نتيجة للأزمة. ويشير مؤيدو توسيع الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى الاتفاق الذي وقعت عليه كوسوفو وصربيا في أبريل/نيسان باعتباره تطوراً آخر رئيسياً يفتح آفاق المستقبل الأوروبي لدول البلقان.
في ديسمبر/كانون الأول، جاء الانفصال الحاسم عن أكثر من عشرة أعوام من الحرب والمواجهة، عندما قررت كوسوفو وصربيا البدء في تنفيذ اتفاقية بشأن مراقبة الحدود. ويذهب تفاهم أبريل/نيسان إلى ما هو أبعد من ذلك بإبرام اتفاق لتقاسم السلطة في شمال كوسوفو مصممة لتعزيز الحكم الذاتي المحلي من خلال رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية وفي نفس الوقت تقديم ترتيبات جديدة لتنظيم عمل الشرطة والقضاء.
وقد أقر اجتماع المجلس الأوروبي الذي اختتم للتو بالتقدم الذي حققته كل من صربيا وكوسوفو، حيث أُعطِي الصرب تاريخ بدء (مشروط إلى حد ما) لبداية المفاوضات، وكوسوفو للبدء في عملية "الفرز المسبق". وهنا يراهن الاتحاد الأوروبي على كسر جمود عملية التوسع في منطقة غرب البلقان أخيراً على خلفية انضمام كرواتيا.
ولكن إجهاد التوسع بين الدول الأعضاء يستمر في تكدير هذه التوقعات المتفائلة. ورغم أن أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي دول انضمت في توسعات سابقة، ولم يعد أحد ينظر إلى توسع الاتحاد باعتباره قصة نجاح خالصة. بل إنه على العكس من ذلك كثيراً ما يقدم بوصفه تجاوزاً لحدود المعقول.
والواقع أن إجهاد التوسع كان السمة الغالبة في علاقات الاتحاد الأوروبي بدول غرب البلقان، وهو يفسر لماذا كانت عملية الانضمام متوقفة تماماً على طول مسار من المفاوضات المجمدة وعدم الثقة المتبادل باتجاه مصير غير مؤكد على نحو متزايد. وتظل هذه الحال قائمة حتى بعد انضمام كرواتيا.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
دخل تعبير إجهاد التوسع المعجم السياسي الأوروبي في أعقاب الفشل الدرامي للاستفتاءين الفرنسي والهولندي على المعاهدة الدستورية للاتحاد الأوروبي في عام 2005. ودعت صدمة رفض المعاهدة من قِبَل عضوين أصليين في الاتحاد الأوروبي إلى التضحية بكبش فداء، وبدت التوسعة الكبرى التي كانت قد انتهت في العام السابق آنذاك ــ حيث انضم إلى الاتحاد الأوروبي ثماني من دول ما بعد الشيوعية (إلى جانب قبرص ومالطا) في وقت واحد ــ كموضع مناسب يُلقى عليه باللوم. ففجأة، أغرق السباكون البولنديون البلدان الأعضاء "القديمة".
وبالتالي فإن البلدان المتقدمة من غرب البلقان كان لزاماً عليها أن تتعامل مع العملية التي تدار الآن على أساس بين حكومي دولي بشكل أكبر من عملية التوسع الأكبر في عام 2004، والتي كانت في بعض الأوقات رهينة للمطالب الثنائية الأنانية من قِبَل البلدان الأعضاء. كانت عملية التوسع تُعَد تقليدياً منطقة حيث يمكن في إطارها تنحية المصالح الوطنية بقدر أكبر من السهولة مقارنة بالترتيبات التقليدية للاتحاد الأوروبي: حيث بدا البعد المعياري للعملية وكأنه يتطلب نهجاً أكثر توجهاً نحو المجتمعات المحلية في ما يتصل بصنع القرار. ولكن هذا تغير بشكل جذري.
فقد أصبح تسييس عملية التوسع الآن أكثر سهولة في البلدان الأعضاء الفردية، وهذه هي الحال بشكل خاص حيث توجد موجة عارمة من التشكيك في أوروبا. والواقع أن المجلس الأوروبي، وليس المفوضية الأوروبية، هو الذي أصبح على نحو متزايد يحدد معايير رسم التقدم في محادثات الانضمام، وبالتالي فإنه يحدد إلى حد كبير سرعة تقدم المفاوضات.
وكان هذا الوضع الحكومي الدولي لعملية صنع القرار في ما يتصل بالتوسع واضحاً عندما تقدمت سلوفينيا بمطالب إقليمية بحرية كبيرة لدى كرواتيا. ومن الممكن أن نلحظ هذا أيضاً في الاعتراضات اليونانية المستمرة على اسم مقدونيا وإصرار البرلمان الألماني على الموافقة على تقدم الدول الفردية المتقدمة ــ وهو المطلب الذي تسبب في تعقيد العلاقات مع تركيا بشكل كبير.
وهناك أدلة وافرة من جولات التوسع السابقة تشير إلى القوة التحويلية التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي وقدرته على تعزيز الديمقراطية والطابع الأوروبي في الدول المرشحة قبل انضمامها. ولكن الاتحاد الأوروبي لن ينجح في نقل قوانينه، وقواعده، وقيمه إلى الدول المرشحة إلا إذا أخذت الحكومات المتقدمة وعودها على محمل الجد. فيتعين عليها أن تكون على استعداد لتحمل تكاليف التنفيذ لأنها تعتقد أن الفوائد التي ستعود عليها من التحاق بلادها بعضوية الاتحاد الأوروبي (أو على الحكومات ذاتها باعتبارها كيانات سياسية فاعلة) سوف تتحقق.
ومن هنا فإن الوعد بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي لابد أن يتمتع بالمصداقية ببساطة إذا كان للإصلاحات المدفوعة بالرغبة في الالتحاق أن تنجح وأن تتمكن الدول المتقدمة من استيعاب قواعد الاتحاد الأوروبي. والمشكلة الحقيقية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان هي أن الوعد (بالعضوية) الذي بُذِل للدول الطامحة في عام 2003 لم يعد كافياً لمواجهة تيارات إجهاد التوسع، التي أدت إلى إجهاد الإصلاح، وإبطاء تقدم الدول المتقدمة بطلبات العضوية في المنطقة إلى حد التوقف التام تقريبا.
والواقع أن الاتحاد الأوروبي، خلافاً للجولات السابقة للانضمام، لم يقدم جدولاً زمنياً ملموساً لتحقيق وعد العضوية الذي بُذِل في سالونيك قبل عشرة أعوام. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن العملية ظلت مفتوحة وغير محددة. ويصر مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسعة وسياسة الجوار الأوروبي، ستيفان فول، على أن عملية التوسع تتقدم، ولكن غرب البلقان تظل منطقة هشة، وتحدد هيئتها نزعات قومية عدائية متبادلة، وقصور في تكوين الدولة، وأنماط عميقة وواسعة من الفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية المستوطن.
مع احتفال الاتحاد الأوروبي بانضمام كرواتيا ــ والذي سيقدم بلا أدنى شك دفعة قصيرة الأجل لعملية الإصلاح في مختلف أنحاء منطقة غرب البلقان ــ فإنه يواجه خياراً عميقاً في تعامله مع المنطقة. فإما أن يعيد تنشيط روح الجولات السابقة من عملية التوسع، أو أن يستسلم لإجهاد التوسع. وفي كل الأحوال فإن مستقبل المنطقة معلق في الميزان.
ترجمة: هند علي Translated by: Hend Ali