mazzucato77_ Alishia AbodundeGetty Images_labour Alishia Abodunde/Getty Images

إلى أي شيء يحتاج حزب العمال لتحقيق النجاح

لندنــ في محاولة لمداواة الأداء الاقتصادي الهزيل في المملكة المتحدة على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، صَـرَّحَـت حكومة حزب العمال الجديدة بقيادة كير ستارمر بأنها ستقدم استراتيجية صناعية موجهة نحو إنجاز مهام بعينها. ولكن لكي تنجح الحكومة، يتعين عليها أن تحول نفسها وتستثمر في تعزيز قدراتها.

ويبدو أن ستارمر وأعضاء حكومته يدركون هذه الحقيقة. ففي غضون أيام من الانتخابات، أطلقوا شركة الطاقة البريطانية العظمى (شركة عامة جديدة تركز على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة)، وأعلنوا عن صندوق الثروة الوطنية، وأنشأوا "مجالس تنفيذ المهام" للإشراف على الأهداف الأساسية الخمسة الموضحة في بيان حزب العمال الانتخابي (المستوحى من كتاب اقتصاد المهام). يسعى الحزب إلى "دفع عجلة النمو الاقتصادي"، و"جعل بريطانيا قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة"، و"استعادة شوارعنا"، و"هدم الحواجز التي تحول دون توفر الفرص"، و"بناء خدمة صحية وطنية تليق بالمستقبل".

وكما نوضح بالتفصيل في تقرير جديد، تقدم تجارب بلدان أخرى دروسا قَـيّـمة لحكومة المملكة المتحدة الجديدة في سعيها إلى تحقيق هذه الأهداف. أولا، في حين كانت الاستراتيجيات الصناعية في الماضي "تنتقي الفائزين" ــ بمعنى تحديد قطاعات أو تكنولوجيات بعينها لتلقي الدعم الحكومي ــ فمن الواجب عليها الآن انتقاء المهام، وهذا بدوره سيحفز الاستثمار والإبداع عبر مختلف القطاعات. يعمل هذا النهج على تحويل التحديات المجتمعية الكبرى مثل تغير المناخ، أو المخاطر التي تهدد الصحة العامة، أو أزمات الإسكان إلى فرص للسوق. وهذا يعني في الأساس احتضان نهج جديد في التعامل مع قضية النمو. فالنمو ليس المهمة؛ بل هو ناتج لمهام جيدة التصميم تعمل على التوفيق بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

على الرغم من التزام حزب العمال باستراتيجية موجهة نحو إنجاز المهام، فسوف يكون لزاما عليه أن يتوخى الحذر حتى لا ينزلق إلى فخاخ السياسة الصناعية المعتادة. من الواضح أن المهمة المتمثلة في ضمان كهرباء أرخص وخالية من الكربون بحلول عام 2030 من الممكن أن يساعد نجاحها في تحسين مستويات المعيشة (من خلال خفض فواتير الطاقة وتعزيز أمن الطاقة)، وحماية البيئة، ودفع النمو الاقتصادي. لكن مهام أخرى، مثل بناء نظام صحي وطني "لائق بالمستقبل"، لابد وأن تترجم إلى أهداف واضحة وقابلة للقياس تتوافق مع الفرص السوقية عبر القطاعات. على سبيل المثال، بوسع الحكومة أن تحدد موعدا تكون بحلوله نجحت في الحد من انتشار الأمراض المزمنة والوفيات الناجمة عن أكثر الأمراض فتكا.

ينبع خطر آخر من كيفية تسلسل السياسات. كانت وزيرة الخزانة راشيل ريفز حريصة على الإشارة إلى أن الحكومة ستلتزم بالقواعد المالية التي تحد من الاستثمار الحكومي إلى أن ينخفض ​​الدين ويرتفع النمو. لكن الإفراط في التضييق من شأنه أن يقوض الدور الذي يلعبه الاستثمار العام في توليد النمو المستدام والشامل. علاوة على ذلك، تستخدم الاستراتيجية الصناعية الموجهة نحو إنجاز مهام بعينها الاستثمار العام لحشد الاستثمار الخاص، وهذا من شأنه أن يزيد من قدرة الاقتصاد الإنتاجية، ويولد تأثيرات جانبية، ويخلق تأثيراً مضاعفا، فتنخفض في نهاية المطاف نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

يتمثل درس ثان مستفاد في أماكن أخرى في حقيقة مفادها أن الاستراتيجيات الصناعية الموجهة نحو إنجاز مهام بعينها يجب أن تشمل جميع الإدارات، لا أن تقتصر على الوزارات التي تركز على الإبداع، أو الصناعة، أو التجارة. يتلخص الهدف هنا في تنسيق الجهود عبر الوكالات، ويتطلب هذا في عموم الأمر تغيير الكيفية التي تعمل بها الحكومات.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

تمثل مجالس المهام التابعة لحكومة المملكة المتحدة محاولة متعمدة لكسر الصوامع الإدارية، وفي بادرة واعدة، أشار ستارمر إلى أنه سيتولى رئاستها شخصيا. لكن المجالس (كما أوصينا في بحث أخير وأبحاث أخرى سابقة) تحتاج أيضا إلى الموارد الكافية والتمكين لكي يتسنى لها العمل مع الخبراء عبر الحكومة وخارجها، لخوض المجازفات، وإزالة الحواجز التي تحول دون التنفيذ، وتصميم السياسات والأدوات والمؤسسات التي يقتضيها تنفيذ المهمة. وهذا يعني ربطها بالكامل بالعمليات الحكومية العادية، حتى تظل تشكل أولوية قصوى في الميزانيات السنوية وإجراءات التخطيط والإبلاغ (كما فعلتحكومة بربادوس).

ثالثًا، يتطلب إنجاز المهام تغييرات هيكلية أكثر عمقا في الحكومة. كانت بداية ستارمر جيدة مع صندوق الثروة الوطنية، الذي يهدف إلى تحفيز الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية الوطنية (بما في ذلك الصلب الأخضر، واحتجاز الكربون، وشواحن المركبات الكهربائية). وبوسع الصندوق توجيه رأس المال الصبور (تمويل القروض والأسهم) نحو هذه المشاريع وغيرها من المشاريع المتوافقة مع مهام الحكومة، ولكن فقط إذا جرى تصميم الصندوق عمدا لهذا الغرض.

في حشد رأس المال الخاص، يجب أن يضمن الصندوق الجديد هيكلة الاستثمارات العامة لتقاسم ليس فقط المخاطر ولكن أيضا المكافآت. يجب أن تعود الفائدة على العمال، وليس فقط الملاك، ويجب أن تكون الاستدامة شرطا أساسيا على الدوام. ومن خلال تقاسم الأرباح عبر المحفظة، من الممكن أن تعوض المكاسب من الصفقات الناجحة عن الخسائر الناجمة عن صفقات أخرى.

وتستطيع حكومة المملكة المتحدة أن تجد نماذج مفيدة في صندوق الثروة المجتمعية التابع لبلدة كامدن في لندن وبنك الاستثمار الوطني الاسكتلندي (الذي استرشد بعمل معهدنا)، وأيضا بنك التنمية KfW في ألمانيا، وبنك التنمية البرازيلي، وبنك البنية الأساسية الـكَـنَـدي.

من الأدوات القوية أيضا المشتريات العامة، التي تمثل ما يقرب من ثلث الإنفاق العام في المملكة المتحدة ومن الممكن أن تعمل على تشكيل فرص السوق وتحفيز الاستثمارات والابتكارات المتوافقة مع أولويات السياسة التي تنتهجها الحكومة. كان هذا هو الـفِـكر وراء المجمع الاقتصادي الصناعي الصحي الذي أنشأته الحكومة البرازيلية، والذي يستفيد من ميزانية المشتريات لصالح نظام الرعاية الصحية الشامل في البلاد بهدف خفض الأسعار وخلق الطلب في السوق على المستحضرات الدوائية المصنعة محليا.

يُـظهِـر عملنا مع كامدن أن حكومة ستارمر ستحتاج إلى تجاوز نموذج المشتريات المعمول به حاليا في المملكة المتحدة القائم على القيمة الاجتماعية. فبرغم أنه يسمح لمسؤولي المشتريات بوزن عوامل أخرى بجانب السعر، فإن هذه الاعتبارات تميل إلى البقاء هامشية ومرتجلة، ولا تتحول إلى أولويات قصوى.

رابعا، يجب أن تعمل الحكومة في شراكة مع الشركات، والنقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني، ومستويات أخرى من الـحُـكم. المهام ليست عملية تجري من أعلى إلى أسفل؛ بل إنها تتعلق بتحفيز الحلول من أسفل إلى أعلى والتي تعكس الحقائق المحلية وهموم الناس اليومية.

تحتاج العلاقة الاعتيادية بين القطاعين العام والخاص إلى إعادة ضبط. وبما أن الاستراتيجية الصناعية التي تنتهجها الحكومة ستوفر فوائد كبيرة للشركات، فلابد أن يكون الوصول إلى هذه الفوائد مشروطا بمواءمة المهمة وتعظيم القيمة العامة ــ وليس فقط الربح الخاص. هذا مهم بشكل خاص في المملكة المتحدة، حيث كان الاستثمار التجاري منخفضا بشكل ملحوظ.

تتلخص المهمة في التحول من "دعم الأعمال" إلى المطالبة بأشكال من التعاون تحقق المنفعة المتبادلة. على سبيل المثال (بينما كان ليذهب إلى ما هو أبعد من ذلك)، اختار قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم في الولايات المتحدة ــ وهو يمثل إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها الاستراتيجية الصناعية في الولايات المتحدة ــ أن يكون التمويل مشروطا بأن تعمل الشركات على الحد من عمليات إعادة شراء الأسهم، وأن تستثمر في تنمية القوى العاملة، وتقدم أجورا عادلة وخدمة رعاية الأطفال للموظفين، وتلتزم بأحكام الاستدامة وتقاسم الأرباح. في مواجهة هذه المتطلبات، كثفت الشركات جهودها.

أخيرا، يتعين على الحكومة أن تقاوم الاتجاه القصير النظر المتمثل في خفض قدرة الدولة وتفويض وظائف أساسية خارجيا إلى شركات استشارية كبرى ــ شركات تسعى إلى تحقيق الربح وليس لديها أي حافز لمساعدة العملاء على التعلم. لقد تسببت هذه الاتكالية في تآكل قدرة الوكالات العامة بدرجة خطيرة على تحقيق مهام طموحة.

الواقع أن إنهاء دورة نقص الاستثمار المزمن في المملكة المتحدة وسياسات "الضمادات" يتطلب الاستعانة باستراتيجية صناعية موجهة نحو إنجاز مهام بعينها وتعمل على تحديد اتجاه جديد للنمو. ولكن لكي تنجح هذه الاستراتيجية، لابد من تحويل عمل الحكومة.

ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/cUkPrgWar