zhang55_VCGVCG via Getty Images_shanghai lockdown VCG/VCG via Getty Images

ما الذي يبرر سياسة الصين لمكافحة فيروس كورونا المستجد؟

شنغهاي ـ لقد كان القرار الصارم بإغلاق شنغهاي أكبر مدينة في الصين قرارًا صادمًا بالنسبة لبلدان العالم. بعد ستة أسابيع، وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في معدل الإصابات، كانت تدابير إغلاق شنغهاي مُكلفة بالنسبة للمدينة وسكانها. وبالنظر إلى أن متحور أوميكرون يتسبب في معدل وفيات منخفض بين الأشخاص المُلقحين، اقتنعت العديد من الحكومات على مستوى العالم بتحويل استراتيجياتها من عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على التنقل إلى التحصين الجماعي، يتساءل النقاد عن سبب الدعم المُستمر لسياسة "صفر إصابات بفيروس كورونا" التي تنتهجها الصين.

عندما ظهر فيروس كوفيد 19 لأول مرة في مدينة ووهان الصينية في أواخر عام 2019، لم تكن الصين مُستعدة لمواجهة مثل هذا المرض. وفي حين تم إنشاء المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها في عام 2002، لم يتم تطويره ولم يعمل بكفاءة على الإطلاق، على الرغم من تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) في العام الموالي. لذلك، عندما انتشر فيروس كورونا المُستجد، مع تسجيل معدل وفيات أعلى نسبيًا، لم يكن أمام الحكومة الصينية خيار سوى اعتماد نموذج زمن الحرب، وإغلاق المدينة، وتعبئة موارد إضافية (بما في ذلك الطاقم الطبي) على أساس حالة الطوارئ.

كان إغلاق مدينة ووهان الصينية، الذي استمر 76 يومًا، أمرًا ضروريًا في ظل هذه الظروف. ولكن إذا كان لدى الصين نظام استجابة لمكافحة تفشي الأمراض مدعومًا بعلم الأوبئة، فربما كان من الممكن تجنب فرض القيود الصارمة، أو على الأقل تخفيفها إلى حد كبير.

في السنوات التي أعقبت اندلاع جائحة فيروس كوفيد 19، عملت الصين على تطوير وتنفيذ مثل هذا النظام في البلد بأكمله، بما في ذلك من خلال إجراء اختبارات بشكل منتظم وتتبع المخالطين، وإخضاع المُصابين للحجر الصحي المركزي، واستخدام البيانات الضخمة لمنع انتشار الفيروس بين المدن. وبشهادة سكان شنغهاي، على الرغم من أن هذه الإجراءات لم تُلغِ الحاجة إلى عمليات الإغلاق، إلا أنها أتاحت إمكانية فرض عمليات إغلاق محدودة ومُستهدفة أكثر. وحتى مع تضرر اقتصاد شنغهاي، لا تزال بقية مدن الصين تشتغل.

وفي حين تظل سياسات الصين لمكافحة الأوبئة أكثر استباقية وصرامة من تلك الموجودة في معظم البلدان الأخرى، فإن النتائج تتحدث عن نفسها. حتى الآن لم تُبلِغ الصين سوى عن 222 ألف حالة إصابة مؤكدة و 5200 حالة وفاة بسبب كوفيد 19، وقد تجنبت إلحاق أضرار جسيمة باقتصادها. إن لدى الصين سبب وجيه لفرض تدابير أكثر صرامة وعدم التخلي عن نهجها الديناميكي المُتمثل في بلوغ صفر إصابات بفيروس كورونا في الوقت الحالي.

بداية، كان الإقبال على استخدام اللقاحات بين كبار السن في الصين متواضعًا إلى حد ما. ولم يتلقى سوى حوالي نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 80 عامًا وما فوق الجرعات الأولية، بينما حصل أقل من 20 ٪ منهم أيضًا على الجرعة المعززة. وتُعد تغطية اللقاحات بين الأطفال أقل مما كان متوقعًا.

Go beyond the headlines with PS - and save 30%
kamala-trump-1333x1000

Go beyond the headlines with PS - and save 30%

As the US presidential election nears, stay informed with Project Syndicate - your go-to source of expert insight and in-depth analysis of the issues, forces, and trends shaping the vote. Subscribe now and save 30% on a new Digital subscription.

Subscribe Now

علاوة على ذلك، هناك تباينات  وفوارق ضخمة بين المناطق الحضرية والريفية والإقليمية في الصين، ليس فقط من حيث الديناميكية الاقتصادية والانفتاح، ولكن أيضًا فيما يتعلق بتوافر الخدمات الاجتماعية وموارد الرعاية الصحية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن ما يقرب من 500 مليون شخص لديهم مستوى تعليمي متوسط (أو أقل) وأولئك الذين يعيشون في مناطق أقل نموًا، فسوف يتبين لنا أن المخاطر التي ينطوي عليها تخفيف القيود المفروضة هائلة.

وتُشير بعض التقديرات إلى أن الصين، بناءً على الأدلة الواردة من الولايات المتحدة وهونغ كونغ، قد تواجه موجة تتراوح بين 200 و 300 مليون حالة إصابة دون تدخلات غير صيدلانية (NPIs). حتى مع قدرة الحكومة على تعبئة الموارد اللازمة، لن تتمكن العديد من المناطق من مواجهة ارتفاع معدل حالات فيروس كوفيد 19. يمكن توقع استنزاف الموارد الطبية وارتفاع حاد في معدل الوفيات بين المُسنين.

صحيح أن نهج "صفر كوفيد" مُكلف للغاية؛ وعلى الرغم من المعنى الضمني لهذا الاسم، لا يمكن بلوغ صفر إصابات بفيروس كورونا. بدلاً من ذلك، تقترح الإستراتيجية مزيجًا قويًا من السياسات تشمل التدخلات غير الصيدلانية والتطعيم، والتأكيد على تجنب تدابير الإغلاق. والأهم من ذلك أنه يتطلب من الحكومات المحلية الاعتماد على نظام مدعوم بعلم الأوبئة للاستجابة المُبكرة للفاشيات ووقف انتشارها. ومما لا شك فيه أن هذا النهج قد تم إقراره من خلال قدرة الصين القوية على تعبئة الموارد.

يُشكل هذا النهج سمة مميزة لعملية صنع السياسات الصينية. يتمتع القادة السياسيون في الصين دائمًا بآفاق زمنية طويلة، وهم أكثر استعدادًا لتحمل تكاليف باهظة على المدى القصير لتعزيز أهداف التنمية طويلة الأجل. وفي خضم الأزمات تحديدًا، يجدون حلولًا تمكن البلد من العودة إلى الوضع الطبيعي، على الرغم من أنها غالبًا ما تكون مُكلفة على المدى القصير.

ونتيجة لهذه الإستراتيجية، التي تشكل أساس المرونة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، تجنب الاقتصاد الصيني باستمرار التعرض للصدمات الخارجية. وكما ذكر سيباستيان هيلمان وإليزابيث ج. بيري، فإن "أسلوب سياسة حرب العصابات" هذا ينبع من السنوات الثورية الطويلة، عندما كان الحزب الشيوعي في الصين في كثير من الأحيان في وضع ضعيف.

يتمثل مفتاح مثل هذه الأساليب في إطار واسع ومتعدد الأوجه في إتاحة المرونة وتفويض المسؤوليات الهامة للجهات المحلية التي تتمتع بالسلطة والحوافز اللازمة لتحسين السياسات لتلبية الاحتياجات المحلية. على سبيل المثال، في إطار تنفيذ سياسة "صفر كوفيد"، تمكنت الحكومات المحلية من السعي إلى تحقيق أفضل توازن بين النمو الاقتصادي وضرورات الصحة العامة، بناءً على قدراتها ومواردها.

وهذا ما يفسر سبب فرض بعض الحكومات المحلية في المناطق المُتخلفة والريفية سياسات أكثر تقييدًا في كثير من الأحيان. بالنسبة لها، فإن تكاليف الفرصة البديلة للتدابير الشاملة أقل ببساطة مما هي عليه في المدن الساحلية المتقدمة التي تقود النمو الاقتصادي للصين.

ولنفس السبب، تبنت بعض المناطق نهجًا مستهدفًا للغاية، مع فرض قيود على منطقة إدارية واحدة أو حي أو حتى مبنى سكني، وبالتالي تقليل الاضطراب الاقتصادي. وقد مكّن هذا النهج شنغهاي من العمل بفعالية لمدة عامين قبل أن تقرر السلطات أن هناك حاجة إلى الإغلاق على أساس الدراسات الاستقصائية الوبائية. بالنسبة لمدينة يبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة معرضون بشدة لمخاطر الجائحة، يُعد هذا إنجاز استثنائي حقًا. وقد نجحت مدينة شنتشن - التي تقع على حدود هونج كونج المتضررة بشدة والتي تضم عددا كبيرا من السكان، فضلاً عن الاقتصاد الديناميكي والموانئ المفتوحة - في احتواء الفيروس بشكل مثير للإعجاب على نحو مماثل. وفي حين فرضت حظرًا لمدة أسبوع في مارس/آذار، فقد أعادت فتح أبوابها منذ ذلك الحين.

وبطبيعة الحال، لا توجد استراتيجية مُحكمة ومثالية. فقد تم فرض عمليات الإغلاق في شنغهاي وشنتشن لمنع انتقال متحور أوميكرون شديد العدوى من هونغ كونغ. ومع ذلك، من غير المحتمل أن تتخلى الصين في المستقبل القريب عن مزيج سياستها الذي يشمل التدخلات غير الصيدلانية والتحصين. وعلى نحو مماثل، ستواصل الصين تكييف سياسات الاستجابة للأوبئة وتقليل الحاجة إلى التدخلات غير الصيدلانية في حين تطور المزيد من اللقاحات الأكثر فعالية وتُعزز معدلات التطعيم.

https://prosyn.org/NJX35UZar