Inozemtsev2_Mikhail Metzel_Getty Images_Putin Mikhail Metzel/Getty Images

الغزل الروسي مع الفاشية

موسكو- لقد وجد صناع السياسة الغربية مؤخرا أن من الصعوبة بمكان تصنيف النظام السياسي الروسي حيث لجأؤا في كثير من الأحيان إلى عبارات غامضة مثل "الديمقراطية غير الليبرالية" أو "السلطوية ".

يجب تصنيف النظام الروسي على أنه فاشي بدائي – أي أكثر ترويضا من الدول الفاشية الأوروبية  خلال العشرينات والثلاثينات ولكنه ما يزال يضم العناصر الرئيسية لتلك الأنظمة . إن تلك العناصر تضم هيكل الإقتصاد السياسي الروسي وتمجيد الدولة كمصدر للسلطة الأخلاقية والنهج الروسي الخاص فيما يتعلق بالعلاقات الدولية .

لقد كتب مؤرخ جامعة كولومبيا روبرت باكستون في كتابه تشريح الفاشية :

 " يمكن تعريف الفاشية على إنها شكل من أشكال السلوك السياسي الذي يتصف بالإنشغال الذي يصل لمستوى الهوس بإنحدار المجتمع أو الإذلال أو التصرف كضحية وضمن مجموعات متشددة تعويضية تعبر عن الوحدة والطاقة والطهارة ويوجد فيها حزب جماهيري يضم متمردون قوميون ملتزمون يعملون بتعاون فعال وغير مريح مع النخب التقليدية  كما يتخلى هذا الحزب عن الليبراليات الديمقراطية ويسعى بعنف انقاذي وبدون قيود أخلاقية أو قانونية لتحقيق أهداف تتضمن التطهير الداخلي والتوسع الخارجي."

لقد توسع الروائي أمبريتو إيكو والذي ولد سنة 1932 آبان الحقبة الفاشية الإيطالية في مقال سنة 1995 في مجلة ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس في تعريف الفاشية وذكر أنها "مجموعة متشددة تعبر عن التقاليد ومبينة على أساس الشعبوية المنتقاة" ولقد أدعى بيتر دراكر في وقت مبكر (1939) في كتاب :نهاية الرجل الإقتصادي : أصول السلطوية بإن "الفاشية هي المرحلة التي تأتي بعد أن يثبت أن الشيوعية هي عبارة عن وهم ".

سيكون من الصعب على أساس تلك التعاريف اليوم أن نجد أي توجه في المجتمع السياسي الروسي لا يمكن تصنيفه كتوجه فاشي .

PS Events: AI Action Summit 2025
AI Event Hero

PS Events: AI Action Summit 2025

Don’t miss our next event, taking place at the AI Action Summit in Paris. Register now, and watch live on February 10 as leading thinkers consider what effective AI governance demands.

Register Now

بادىء ذي بدء هناك تدخل الدولة في الإقتصاد فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بتجميع الثروة الوطنية في بنوك تملكها الدولة والآن يشير لشركات النفط والغاز الروسية " ككنوز وطنية ". إن هدفه هو تأسيس " شركات تابعة للدولة " جديدة على الرغم من أن ملكية الدولة للإقتصاد تتجاوز 60% بالفعل وفي الوقت نفسه فإن النقابات المستقلة قد تم سحقها تقريبا والآن أفراد الآوليغارشية يعلنون أنهم مستعدون لنقل ملكياتهم للدولة عندما تستدعي الحاجة.

بالإضافة إلى ذلك فإن لبوتين الآن سلطة مطلقة تقريبا فيما يتعلق بإستخدام العنف وذلك بفضل "وكالات التنفيذ" المتعددة التي تحت إمرته بشكل مباشر بما في ذلك الجيش ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الفيدرالي و30 ألف عنصر في جهاز الحرس الفيدرالي والذي تم إنشاءه سنة 2002 و 400 ألف عنصر في الحرس الوطني والذي تم إنشاءه في وقت سابق من هذا العام وهذا لا يشمل "الجيوش الخاصة" التابعة للشركات التابعة للدولة أو أمراء الحرب الموالون مثل رمضان قاديروف في الشيشان علما أن قاديروف يقود ما يقدر بثلاثين ألف مسلح كما أن أتباعه يتهمون بالإنتقام من المعارضين.

حتى تكتمل الصيغة فإن بوتين يتناغم مع شعور الروس بالخسارة التاريخية والمجد السابق حيث يمدح بشكل علني الثورات التوسعية والعسكرة واليوم أصبحت إحتفالات يوم النصر التي تحتفي بهزيمة الإتحاد السوفياتي لإلمانيا النازية تتفوق على الإحتفالات الطنانة آبان الحقبة السوفياتية كما تقوم وسائل الدعاية التابعة للدولة بشكل مستمر في إذكاء المشاعر المعادية للغرب من خلال إدعاءات بإن أجزاء من "روسيا التاريخية" قد تم الإستيلاء عليها بشكل غير قانوني ولقد ظهر ذلك جليا في "إستعادة " شبه جزيرة القرم بالقوة في مارس 2014 .

في واقع الأمر فإن آلة الدعاية الروسية هي أكبر إنجاز يؤدي للفاشية فبوتين يستطيع أن يبعث بشكل مستمر برسائل للروس العاديين بإن إقتصادهم هو إقتصاد حديث بنفس مستوى القوى الدولية الرائدة وفي كل سنة يزداد الخطاب الشعبوي عن "المقاومة الشعبية " و "المواجهة مع الأعداء" قوة .

لكن توافق روسيا مع الفاشية لا يشكل خطرا كبيرا على المدى الطويل لثلاثة أسباب وهي : أولا، أن العناصر الفاشية في روسيا لم تظهر في روسيا بشكل أصيل كما ظهرت في أوروبا في أوائل القرن العشرين فتلك العناصر تم فرضها على المجتمع الروسي من قبل الدولة والتي يتمتع قائدها بسلطة كبيرة بموجب دستور سنة 1993 وبدون أي جذور وطنية عميقة بين الناس فإن الهياكل الفاشية التي يتم بناؤها يمكن تقويضها بسهولة.

ثانيا ، روسيا هي بلد متعدد الأعراق قامت لقرون عديدة بتطوير إمبراطورية وليست دولة الشعب الواحد وعليه فإن النزعات الفاشية هنا هي إمبريالية أكثر من كونها قومية وعلى الرغم من عدوانية روسيا في الجوار فإنها تفتقد للموارد الكافية لإستدامة إمبراطورية .

ثالثا وهو الأهم هو أن روسيا بوتين هي عبارة عن مجموعة متحمسة لشخص وبإستناء الخلافة على نمط السلالة الحاكمة في كوريا الشمالية فإن تلك الأنظمة لا يمكن أن تستمر بعد زوال قائدها سواء كان ذلك في إيطاليا أو ألمانيا أو إسبانيا أو البرتغال أو كما ذكر نائب رئيس أركان بوتين فايشسلاف فولودين عن غير قصد : أي هجوم على بوتين هو هجوم على روسيا .... فليس لروسيا وجود اليوم بدون بوتين ".

إن الجوار الجيوسياسي الحالي لروسي أقل تحملا بكثير للإيدولوجيات السلطوية مقارنة بالوضع قبل 90 سنة والقوى الغربية بحاجة ليس لتقويض أو تدمير روسيا بوتين بل بحاجة بكل بساطة أن تصمد وتستمر بعدها وحتى مع ضعف قوة العديد من الدول الغربية اليوم فإن من الممكن تحقيق ذلك.

https://prosyn.org/N76ZUp4ar