james188_MIKHAIL METZELSPUTNIKAFP via Getty Images_ukraine conflict MIKHAIL METZELSPUTNIKAFP via Getty Images

لمحة عن ميونيخ

برينستون ـ لقد انتهت الحرب الباردة قبل 30 عاماً. ولكن منذ اندلاع الأزمة المالية في الفترة ما بين عامي 2007 و 2008 لم يتم إحياؤها فحسب، بل تحوّلت إلى حرب هجينة ساخنة. وفي حين تُكافح الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الآن لإدارة التهديد المُتمثل في الهجوم الروسي على أوكرانيا، فإن شبح حرب ساخنة بات يلوح في الأفق. لقد أصبح استرضاء ألمانيا النازية في عام 1938 مثالاً تاريخيًا جذابًا، حيث كانت تلك هي اللحظة التي تحولت فيها الحرب الباردة بشكل حاسم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، مما أدى إلى نشوب صراع ساخن.

سوف تظل ميونيخ مرتبطة بتلك اللحظة إلى الأبد، حيث تنازلت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن أراضي كبيرة في تشيكوسلوفاكيا لصالح ألمانيا دون استشارة أي من التشيك أو الاتحاد السوفيتي. لقد تمت إعادة النظر في هذا الحدث بصورة مُتكررة، وكان آخرها في فيلم المخرج الألماني كريستيان شوتشو الرائع الجديد بعنوان "ميونيخ: حافة الحرب"، استنادًا إلى محاولة الروائي روبرت هاريس المثيرة للاهتمام لاستعادة سمعة رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين.

الآن بعد أن عرضت إدارة بايدن عقد قمة أخرى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أسابيع من المفاوضات الفاشلة، هل سنشهد عودة جهود تشامبرلين في ميونيخ؟

هناك قول مأثور عن ميونيخ: لا تسترضي الديكتاتوريين أبدًا. وبعد عام 1945، أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى عواقب وخيمة. ففي عام 1956، على سبيل المثال، كان رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن (الذي استقال من منصبه كوزير للخارجية في عام 1938، قبل بضعة أشهر فقط من اتفاقية ميونيخ) مُخطئًا حين تعامل مع الرئيس المصري جمال ناصر باعتباره هتلر الجديد. وبعد عقود من الزمان، كان الرئيسان الأمريكيان جورج بوش الأب وجورج دبليو. بوش في تطبيق نفس التسمية على صدام حُسين. وقد برر هذا التشبيه خطأ كارثيًا غيّر بشكل عميق شكل السياسة العالمية.

لا شك أن بوتين رجل يُعيق للسلام وتمكن بالفعل من تحقيق العديد من أهدافه. فقد عمل على زعزعة استقرار أوكرانيا وبالتالي منعها من العمل كنموذج لمعارضي حكمه الاستبدادي. لقد قام بفصل أوروبا عن الولايات المتحدة، وسلط الضوء على عجز أمريكا عن الاستجابة للمبادرات الروسية، وأبرز الانقسامات الداخلية داخل أوروبا.

في الماضي، كانت الاستجابة الواضحة لتهديدات بوتين ضد أوكرانيا تتلخص في فرض عقوبات اقتصادية ومالية ضخمة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي، والتي لم تستهدف بوتين وأتباعه فحسب، بل تستهدف أيضًا الاقتصاد الروسي بأكمله. على سبيل المثال، يمكن فصل البنوك الروسية عن نظام "سويفت" المصرفي، وهو نظام لإجراء المدفوعات وتحويل المعلومات المصرفية بتنسيق دولي.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

ومع ذلك، عملت روسيا بشكل منهجي على بناء احتياطياتها والحد من نقاط ضعفها المالية، مما يعني أن فقدان القدرة على الوصول إلى نظام "سويفت" قد لا يكون مؤلمًا للغاية في الأمد القريب (رغم أنه من شبه المؤكد أن يتسبب في صعوبات كبيرة على المدى الطويل). والأسوأ من ذلك أن تسليح نظام "سويفت" قد يُخلف عواقب فورية وبعيدة المدى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. تتمثل إحدى المخاطر الواضحة في أنه إذا تعذر سداد مستحقات الدائنين على نحو مفاجئ، فقد يؤدي تعاقب حالات العجز عن السداد إلى انهيار مالي وتجميد الائتمان الدولي.

لا يعكس هذا السيناريو أزمة عام 1938 بل الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008، عندما أدت المخاوف بشأن الخسائر الضئيلة نسبيًا في قروض الرهن العقاري إلى قدر أكبر من عدم اليقين بشأن كيفية تأثر المؤسسات المالية الكبرى. وكانت النتيجة عمليات بيع هائلة وذعر عام. واليوم، تتفاقم حالة عدم اليقين بفعل عوامل جديدة، مثل ظهور العملات الرقمية وأنظمة الدفع وتسليح تجارة الطاقة. ولكن هل يُشكل وقف واردات الطاقة الروسية إلى أوروبا حقًا إجراءً انتقاميًا فعالاً؟ قد تعتبر بعض الدول الأوروبية - وخاصة ألمانيا - أن مثل هذه العقوبات تشكل تهديدًا أكبر على نفسها مقارنة بتهديد الروس.

وبالتالي، فإن القائمة الحالية للعقوبات المالية والاقتصادية تنتقد منطق الحرب الباردة المُتمثل في التدمير المتبادل المؤكد (MAD). إن القدرة على نشر أدوات مالية وصكوك نقدية تُهدد النظام تُشكل المُعادل الحديث للرؤوس الحربية النووية. (كان تشامبرلين يعتمد منطقًا مماثلاً: فقط بعد تحرير جيل من الرعب الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، كان ملتزمًا بمنع المزيد من التصعيد).

كيف يبدو الجانب الروسي من معادلة "التدبير المتبادل المؤكد" اليوم؟ من المؤكد أن الخبراء الإستراتيجيون في الكرملين يُدركون أن روسيا ستخسر الكثير جراء الصراع المفتوح في أوكرانيا. سيواجه الغزو الروسي مقاومة أوكرانية كبيرة، مما سيؤدي إلى خسائر فادحة وإضعاف معنويات السكان الروس. سيكون من الصعب الحفاظ على السيطرة، كما سيقوم جنود الاحتلال بقمع السكان المدنيين الذين يمكنهم التحدث معهم بلغتهم الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن الجنود السوفييت الأوائل في براغ في عام 1968 كانوا بحاجة إلى الانسحاب لأنهم بدأوا يتعاطفون مع التشيكيين.

ومع وجود خيارات محدودة في جميع الجهات، يشعر كلا الطرفان بأنهما مُحاصران. إن الدرس الحقيقي المُستفاد من ميونيخ هو أن هناك سبلاً للتعامل مع سيكولوجية التورط السياسي. لقد فاز هتلر بالمسابقة في ميونيخ، لأنه اكتسب هيمنة فريدة على أوروبا الشرقية والوسطى. لكنه سرعان ما أصبح محبطًا لأن الفرص التي يُقدمها التهديد بنشوب صراع قد اختفت. وكما أوضح هنري كيسنجر على نحو مقنع في الدبلوماسية، فإن اللاعقلانية التي اتسم بها هتلر دفعته إلى التخلص من ميزة خوض الحرب في عام 1939.

إن شن حرب ساخنة ليس أمرًا حتميًا في عملية التفاوض على غرار عملية ميونيخ. على الرغم من أن المعتدي يبدو أنه يفوز مرة أخرى، إلا أن الكثير لا يزال مفتوحا للتفسير. إذا كان هدف بوتين هو كشف نقاط الضعف الغربية، فيمكنه ادعاء انتصار فوري. ولكن من وجهة نظر أخرى، فسوف نجد أن السلام بل وحتى الديمقراطية قد حققا الفوز، وذلك لأن المنطق الجديد الذي تتبعه نظرية التدمير المتبادل المؤكد يُبين لنا أن هناك القليل مما يمكن كسبه جراء الصراع المتصاعد.

https://prosyn.org/BfSz4Svar