إن أفقر الفقراء في التجمعات السكانية الريفية في أميركا اللاتينية يعيشون على بعد خمسة كيلومترات أو أكثر في المتوسط عن أقرب طريق مُـعَـبَّد ـ حوالي ضعفي المسافة التي تفصل بين السكان الريفيين من غير الفقراء وبين أقرب الطرق المعبدة. الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة وارتفاع تكاليف وصول هؤلاء الفقراء إلى الأسواق أو الخدمات التي يحتاجون إليها. فضلاً عن ذلك فإن الشركات في أميركا اللاتينية تنظر إلى البنية الأساسية الفقيرة باعتبارها عقبة كبرى تعوق جهودها في تشغيل وتنمية أعمالها في المنطقة.
ثمة خيار واضح للتعامل مع هذه القضية: ويتلخص في إنفاق المزيد (وبقدر أكبر من الحكمة والترشيد) على البنية الأساسية. ففي المتوسط، تنفق بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي أقل من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على البنية الأساسية، بينما يتطلب الأمر من 3% إلى 6% على الأقل لدعم النمو السريع واللحاق بخطوات دول مثل الصين أو كوريا.
ونظراً لندرة الموارد المالية العامة، فضلاً عن القيود المالية الأخرى، فإن زيادة الإنفاق تحتم على المستفيدين من استخدام البنية الأساسية أن يتحملوا المزيد من التكاليف. وهذا يتطلب تنمية ثقافة المشاركة، علاوة على إنشاء شبكة أمان لهؤلاء المواطنين الذين يعجزون عن تحمل مثل هذه التكاليف.
ولابد من تجنب الإغراء المتمثل في بناء مشاريع عملاقة ولكنها قليلة القيمة؛ وينبغي أن يتم اختيار المشاريع على أساس قدرتها على زيادة الإنتاجية وتعزيز المنافسة. وهذا يقتضي من العديد من بلدان المنطقة أن تبادر إلى إنشاء المؤسسات القادرة على إدارة التخطيط الملائم والإشراف والتقييم.
قامت بوليفيا مؤخراً بإعادة تأهيل شبكتين من الطرق، بين كالاماركا وسان بيدرو، وبين بويوب وجاكيوبا، بتكلفة إجمالية بلغت 25 مليون دولار أميركي. إلا أن هذا المشروع نجح في توليد فوائد تعادل ضعفي هذا المبلغ تقريباً، وذلك بسبب انخفاض تكاليف تشغيل المركبات، وانخفاض عدد حوادث الطرق، واختصار وقت السفر، وإزالة العقبات المادية أمام تدفق السلع وانتقال الناس داخل بوليفيا وبين بوليفيا والدول المجاورة لها، وبالطبع كان كل ذلك بمثابة الضمان لتقديم خدمات نقل أكثر أماناً وجدارة.
وفي المكسيك أسفر مشروع مشابه استهدف صيانة طرق المكسيك الفيدرالية السريعة عن فوائد أعظم. فبعد تنفيذ هذا المشروع ارتفعت نسبة الطرق التي يمكن تصنيفها "جيدة" أو "معقولة" من 57% إلى 75%، بتكلفة إجمالية بلغت 77 مليون دولار أميركي، بينما تم تقدير الفوائد المترتبة على هذا المشروع بما يعادل 612 مليون دولار أميركي.
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
إن تعبيد الطرق بالقار كيلومتراً بعد كيلومتر يشكل الحل المفضل لدى العديد من الساسة. إلا أن هناك خيارات أكثر كفاءة من حيث التكلفة.
يتلخص أحد التوجهات في تبني خطط من شأنها أن ترفع من مستوى شركات النقل غير الجديرة بالثقة. ذلك أن المصدرين يتحملون تكاليف مرتفعة في نظير الحصول على خدمات نقل متدنية الجودة، كما هي الحال في كولومبيا، أو عندما تكون خدمات النقل بالشاحنات للسلع والمواد القابلة للتلف غير ملائمة، الأمر الذي يؤدي إلى وصول أقل من 65% من المنتجات الزراعية في أميركا اللاتينية إلى الأسواق. وتضطر الشركات إلى تخزين كميات كبيرة من منتجاتها بسبب عدم قدرتها على الاعتماد على شركات النقل، الأمر الذي يؤثر سلباً على قدرة هذه الشركات على المنافسة. إن الطاقة والموارد التي يكرسها أصحاب الأعمال من أجل ضمان وصول بضائعهم وسلعهم من المصنع إلى السوق من الممكن أن يتم تخصيصها لاستخدامات أفضل.
وينبغي أن يتمثل الهدف الحقيقي في دعم استثمارات القطاع الخاص من أجل تقديم خدمات النقل اللائقة. والحقيقة أن إلغاء التنظيمات المتعددة في هذا المجال قد يكون مفيداً إلى حد كبير.
في بيرو تشكل تكاليف النقل والسوقيات 34% من قيمة إجمالي منتجات البلاد. وبفرض انخفاض هذه التكاليف إلى 20% فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة هائلة في الطلب على العمالة في العديد من الصناعات. وحتى إذا ما أدى هذا إلى إضافة نقطة مئوية واحدة إلى النمو فهذا يعني زيادة الناتج المحلي الإجمالي في بيرو حوالي 800 مليون دولار سنوياً.
والحل الثالث الذي نوصي به رخيص للغاية، ويتسم بتحقيق أغلب الفوائد المرتبطة بالتكاليف: ذلك أن دول أميركا اللاتينية تحتاج إلى تخفيض تكاليف وتيسير نقل السلع والبضائع عبر حدودها الوطنية. وهذا يتطلب التغيير سواء عند الحدود أو داخل البلدان. على سبيل المثال، لابد من القضاء على ظاهرة الاختناقات والفوضى الحضرية المعتادة في المناطق المحيطة بالموانئ على وجه التحديد، وذلك بالتخطيط الأفضل. أما الإجراءات الجمركية التي تؤدي حالياً إلى إعاقة تدفق التجارة الدولية فلابد من تحديثها وتبسيطها. ومن بين الحلول الجزئية الممكنة لهذه المعضلة إجراء تغييرات بسيطة مثل تخصيص خطوط سريعة خاصة للعملاء الجديرين بالثقة.
وبإمكان كل دولة أن تنشئ مجلساً يمثل الهيئات العامة (النقل، والأشغال العامة، والجمارك) وكبار المستخدمين (المصدرين وشركات النقل والسوقيات)، وذلك حتى تتمكن هذه الجهات من العمل معاً من أجل إيجاد السبل اللازمة لتقليص تكاليف النقل والسوقيات. وتشكل الاتصالات بين المستخدمين والخدمات الحكومية المختلفة أهمية حيوية إذا ما أردنا تحقيق أي تحسن حقيقي.
ولكن من الأهمية بمكان أيضاً أن نهتم بتنمية اللجان في المناطق الإقليمية في كل بلد. فليس من الضروري أن تمر البضائع عبر العاصمة، كما يحدث في أغلب بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مع ما يصاحب ذلك من زيادة في التكاليف. وبهذا يمكن تحويل المناطق إلى محركات للنمو.
وفي المقام الأول من الأهمية، لابد من دعم الشركات المحلية حين تتخذ الخطوات الجادة نحو تحقيق المزيد من الكفاءة، والإبداع، واكتساب المزيد من القدرة على المنافسة. ذلك أن الشركات التي تنجح في الوصول إلى العالمية من المرجح أن تسعى إلى توسيع أعمالها في المنطقة، الأمر الذي يضيف إلى الاقتصاد وتوظيف العمالة المحلية.
إن مثل هذه الإصلاحات من شأنها أن تجلب كماً هائلاً من العائدات مقارنة بالاستثمارات اللازمة لتمويلها. إلا أن الإنفاق على البنية الأساسية يكتسب قدراً أعظم من التأييد الشعبي ويؤدي إلى تقليص الاحتجاجات.
يكمن التحدي الحقيقي في التوصل إلى الكيفية التي تستطيع بها أميركا اللاتينية أن تولد الإجماع السياسي اللازم لتبني أفضل السياسات القادرة على إزالة المعوقات التي تمنع إصلاح بنيتها الأساسية.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
At the end of a year of domestic and international upheaval, Project Syndicate commentators share their favorite books from the past 12 months. Covering a wide array of genres and disciplines, this year’s picks provide fresh perspectives on the defining challenges of our time and how to confront them.
ask Project Syndicate contributors to select the books that resonated with them the most over the past year.
إن أفقر الفقراء في التجمعات السكانية الريفية في أميركا اللاتينية يعيشون على بعد خمسة كيلومترات أو أكثر في المتوسط عن أقرب طريق مُـعَـبَّد ـ حوالي ضعفي المسافة التي تفصل بين السكان الريفيين من غير الفقراء وبين أقرب الطرق المعبدة. الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة وارتفاع تكاليف وصول هؤلاء الفقراء إلى الأسواق أو الخدمات التي يحتاجون إليها. فضلاً عن ذلك فإن الشركات في أميركا اللاتينية تنظر إلى البنية الأساسية الفقيرة باعتبارها عقبة كبرى تعوق جهودها في تشغيل وتنمية أعمالها في المنطقة.
ثمة خيار واضح للتعامل مع هذه القضية: ويتلخص في إنفاق المزيد (وبقدر أكبر من الحكمة والترشيد) على البنية الأساسية. ففي المتوسط، تنفق بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي أقل من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على البنية الأساسية، بينما يتطلب الأمر من 3% إلى 6% على الأقل لدعم النمو السريع واللحاق بخطوات دول مثل الصين أو كوريا.
ونظراً لندرة الموارد المالية العامة، فضلاً عن القيود المالية الأخرى، فإن زيادة الإنفاق تحتم على المستفيدين من استخدام البنية الأساسية أن يتحملوا المزيد من التكاليف. وهذا يتطلب تنمية ثقافة المشاركة، علاوة على إنشاء شبكة أمان لهؤلاء المواطنين الذين يعجزون عن تحمل مثل هذه التكاليف.
ولابد من تجنب الإغراء المتمثل في بناء مشاريع عملاقة ولكنها قليلة القيمة؛ وينبغي أن يتم اختيار المشاريع على أساس قدرتها على زيادة الإنتاجية وتعزيز المنافسة. وهذا يقتضي من العديد من بلدان المنطقة أن تبادر إلى إنشاء المؤسسات القادرة على إدارة التخطيط الملائم والإشراف والتقييم.
قامت بوليفيا مؤخراً بإعادة تأهيل شبكتين من الطرق، بين كالاماركا وسان بيدرو، وبين بويوب وجاكيوبا، بتكلفة إجمالية بلغت 25 مليون دولار أميركي. إلا أن هذا المشروع نجح في توليد فوائد تعادل ضعفي هذا المبلغ تقريباً، وذلك بسبب انخفاض تكاليف تشغيل المركبات، وانخفاض عدد حوادث الطرق، واختصار وقت السفر، وإزالة العقبات المادية أمام تدفق السلع وانتقال الناس داخل بوليفيا وبين بوليفيا والدول المجاورة لها، وبالطبع كان كل ذلك بمثابة الضمان لتقديم خدمات نقل أكثر أماناً وجدارة.
وفي المكسيك أسفر مشروع مشابه استهدف صيانة طرق المكسيك الفيدرالية السريعة عن فوائد أعظم. فبعد تنفيذ هذا المشروع ارتفعت نسبة الطرق التي يمكن تصنيفها "جيدة" أو "معقولة" من 57% إلى 75%، بتكلفة إجمالية بلغت 77 مليون دولار أميركي، بينما تم تقدير الفوائد المترتبة على هذا المشروع بما يعادل 612 مليون دولار أميركي.
HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
إن تعبيد الطرق بالقار كيلومتراً بعد كيلومتر يشكل الحل المفضل لدى العديد من الساسة. إلا أن هناك خيارات أكثر كفاءة من حيث التكلفة.
يتلخص أحد التوجهات في تبني خطط من شأنها أن ترفع من مستوى شركات النقل غير الجديرة بالثقة. ذلك أن المصدرين يتحملون تكاليف مرتفعة في نظير الحصول على خدمات نقل متدنية الجودة، كما هي الحال في كولومبيا، أو عندما تكون خدمات النقل بالشاحنات للسلع والمواد القابلة للتلف غير ملائمة، الأمر الذي يؤدي إلى وصول أقل من 65% من المنتجات الزراعية في أميركا اللاتينية إلى الأسواق. وتضطر الشركات إلى تخزين كميات كبيرة من منتجاتها بسبب عدم قدرتها على الاعتماد على شركات النقل، الأمر الذي يؤثر سلباً على قدرة هذه الشركات على المنافسة. إن الطاقة والموارد التي يكرسها أصحاب الأعمال من أجل ضمان وصول بضائعهم وسلعهم من المصنع إلى السوق من الممكن أن يتم تخصيصها لاستخدامات أفضل.
وينبغي أن يتمثل الهدف الحقيقي في دعم استثمارات القطاع الخاص من أجل تقديم خدمات النقل اللائقة. والحقيقة أن إلغاء التنظيمات المتعددة في هذا المجال قد يكون مفيداً إلى حد كبير.
في بيرو تشكل تكاليف النقل والسوقيات 34% من قيمة إجمالي منتجات البلاد. وبفرض انخفاض هذه التكاليف إلى 20% فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة هائلة في الطلب على العمالة في العديد من الصناعات. وحتى إذا ما أدى هذا إلى إضافة نقطة مئوية واحدة إلى النمو فهذا يعني زيادة الناتج المحلي الإجمالي في بيرو حوالي 800 مليون دولار سنوياً.
والحل الثالث الذي نوصي به رخيص للغاية، ويتسم بتحقيق أغلب الفوائد المرتبطة بالتكاليف: ذلك أن دول أميركا اللاتينية تحتاج إلى تخفيض تكاليف وتيسير نقل السلع والبضائع عبر حدودها الوطنية. وهذا يتطلب التغيير سواء عند الحدود أو داخل البلدان. على سبيل المثال، لابد من القضاء على ظاهرة الاختناقات والفوضى الحضرية المعتادة في المناطق المحيطة بالموانئ على وجه التحديد، وذلك بالتخطيط الأفضل. أما الإجراءات الجمركية التي تؤدي حالياً إلى إعاقة تدفق التجارة الدولية فلابد من تحديثها وتبسيطها. ومن بين الحلول الجزئية الممكنة لهذه المعضلة إجراء تغييرات بسيطة مثل تخصيص خطوط سريعة خاصة للعملاء الجديرين بالثقة.
وبإمكان كل دولة أن تنشئ مجلساً يمثل الهيئات العامة (النقل، والأشغال العامة، والجمارك) وكبار المستخدمين (المصدرين وشركات النقل والسوقيات)، وذلك حتى تتمكن هذه الجهات من العمل معاً من أجل إيجاد السبل اللازمة لتقليص تكاليف النقل والسوقيات. وتشكل الاتصالات بين المستخدمين والخدمات الحكومية المختلفة أهمية حيوية إذا ما أردنا تحقيق أي تحسن حقيقي.
ولكن من الأهمية بمكان أيضاً أن نهتم بتنمية اللجان في المناطق الإقليمية في كل بلد. فليس من الضروري أن تمر البضائع عبر العاصمة، كما يحدث في أغلب بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مع ما يصاحب ذلك من زيادة في التكاليف. وبهذا يمكن تحويل المناطق إلى محركات للنمو.
وفي المقام الأول من الأهمية، لابد من دعم الشركات المحلية حين تتخذ الخطوات الجادة نحو تحقيق المزيد من الكفاءة، والإبداع، واكتساب المزيد من القدرة على المنافسة. ذلك أن الشركات التي تنجح في الوصول إلى العالمية من المرجح أن تسعى إلى توسيع أعمالها في المنطقة، الأمر الذي يضيف إلى الاقتصاد وتوظيف العمالة المحلية.
إن مثل هذه الإصلاحات من شأنها أن تجلب كماً هائلاً من العائدات مقارنة بالاستثمارات اللازمة لتمويلها. إلا أن الإنفاق على البنية الأساسية يكتسب قدراً أعظم من التأييد الشعبي ويؤدي إلى تقليص الاحتجاجات.
يكمن التحدي الحقيقي في التوصل إلى الكيفية التي تستطيع بها أميركا اللاتينية أن تولد الإجماع السياسي اللازم لتبني أفضل السياسات القادرة على إزالة المعوقات التي تمنع إصلاح بنيتها الأساسية.