babayev1_ALEXANDER NEMENOVAFP via Getty Images_cop29 Alexander Nemenov/AFP via Getty Images

لا بديل للعمل المناخي المتعدد الأطراف

باكوــ يمر عالمنا اليوم بمنعطف حَـرِج. فقد أصبحت التأثيرات المدمرة المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي واضحة على نحو متزايد، وتتفاقم الأزمة. لتخفيف هذه التأثيرات، يتعين علينا أن نسارع إلى الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. ولن يؤدي التقاعس عن التحرك الآن إلا إلى زيادة الخسائر البشرية والاقتصادية.

يقدم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون) في باكو بأذربيجان فرصة فريدة للعمل الجماعي الفعّال. في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وانعدام اليقين العالمي، سيعمل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون كاختبار للنظام المتعدد الأطراف الذي تعتمد عليه قدرة البشرية على الاستجابة لهذا الخطر الذي يهدد وجودنا.

أُرسي الأساس للعمل المنسق في ريو دي جانيرو في عام 1992 بإنشاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي أسَّـسَت لمؤتمر الأطراف السنوي لتعزيز الحلول القائمة على الإجماع. وكانت الفلسفة بسيطة: لأن تغير المناخ قضية عالمية، فإن معالجتها تتطلب نهجا تعاونيا.

تعزز اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التعاون بين البلدان الأصغر والقوى العظمى، وتعمل على تمكين منظمات المجتمع المدني من التعامل بشكل مباشر مع الحكومات، وتسهيل نقل التكنولوجيا عبر الحدود. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنها توفر إطارا للعمل الجماعي حيث تعمل الجهود التي تبذلها كل دولة على تشجيع دول أخرى على تكثيف جهودها.

في حين حدد بروتوكول كيوتو لعام 1997 أهدافا ملزمة لخفض انبعاثات الاقتصادات المتقدمة، فسرعان ما بات من الواضح أن الأمر يتطلب مزيدا من الجهد. في الاستجابة لهذه الحقيقة، تعهدت البلدان المتقدمة في عام 2009 بحشد 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 لدعم سياسات المناخ في البلدان النامية.

شَـكَّـل اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 نقطة تحول، حيث وضع هدف الحد من زيادة درجات الحرارة العالمية نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وضمان بقاء الزيادة أقل كثيرا من درجتين مئويتين. لمراقبة التقدم، أنشأ الاتفاق نظاما للمساهمات المحددة وطنيا من خلاله تحدد كل دولة خططها للحد من الانبعاثات. وتتولى عمليات التدقيق العالمية الدورية تقييم ما إذا كانت البلدان على المسار الصحيح للوفاء بالتزاماتها المناخية.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

من المؤسف أن أول عملية تدقيق عالمية، صدرت قبيل مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي العام الماضي، أظهرت أننا بعيدون عن تحقيق هذه الأهداف المناخية. كما قدمت خريطة طريق شاملة، تدعو كل البلدان إلى الالتزام بالمساهمات المحددة وطنيا بما يتماشى مع الهدف 1.5 درجة مئوية وتحديد خطوات وجداول زمنية واضحة ــ بما في ذلك التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري ــ والتي من الممكن أن تجعل أهداف اتفاق باريس في متناول اليد.

يمثل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون الخطوة التالية إلى النهج المتعدد الأطراف، حيث من المتوقع أن يتفق القادة على دَفعة كبيرة لهدف تمويل العمل المناخي بقيمة 100 مليار دولار ــ أو ما يسمى "الهدف الكمي الجماعي الجديد". علاوة على ذلك، يتعين على كل دولة تقديم مساهماتها المحددة وطنيا المحدثة بحلول فبراير/شباط 2025.

تشكل الشفافية ضرورة أساسية لهذه العملية. إذا كانت أهداف اتفاق باريس هي الوجهة، والمساهمات المحددة وطنيا هي خريطة الطريق، فإن الهدف الكمي الجماعي الجديد يوفر الوقود اللازم للوصول إلى هناك. وبناء الثقة في التزام البلدان بالعمل المناخي الجريء والاستعداد لتوفير التمويل اللازم هو المفتاح.

بصفتها رئيسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، تحث أذربيجان كل البلدان على تقديم مساهماتها المحددة وطنيا بما يتماشى مع الهدف 1.5 درجة مئوية في أقرب وقت ممكن. كما نبذل قصارى جهدنا لتأمين هدف جديد عادل وطموح لتمويل المناخ يعالج احتياجات البلدان النامية ويتناسب مع حجم وإلحاح الأزمة.

التقصير في هذه المهمة من شأنه أن يجبرنا على مواجهة أسئلة صعبة: فهل نحن على استعداد لقبول فشل اتفاق باريس؟ وما هي البدائل؟ أمر واحد واضح: في غياب خطة احتياطية قابلة للتطبيق، يتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا لتحقيق الهدف 1.5 درجة مئوية. أما أن نسير نياما إلى كارثة مناخية فهو ليس بالخيار الوارد.

لا شك أن النظام المتعدد الأطراف لا يخلو من عيوب. لكنه يظل الإطار الأفضل للتصدي لهذا التحدي الهائل. على مدار ثلاثة عقود من الزمن، عمل هذا الإطار على تعزيز التعاون الدولي الدائم، والفهم المشترك للعلم، والإجماع القوي بشأن أهداف المناخ العالمية.

البديل للتعددية هو استجابة مجزأة، حيث تلاحق الحكومات أجنداتها الخاصة دون تنسيق أو تعاون. هذا النهج يعني تقدما أبطأ، وتكاليف أعلى، ونتائج أقل عدلا. في غياب هدف موحد، سوف يتلاشى تقريبا أي شعور بالغرض المشترك.

لنتأمل على سبيل المثال هدف مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين المتمثل في إتمام المفاوضات بشأن المادة السادسة من اتفاق باريس، والتي تهدف إلى توحيد أسواق الكربون. من خلال توجيه الموارد نحو مشاريع التخفيف الأكثر فعالية، يصبح بوسع هذا الإطار أن يوفر 250 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030 ــ وهي دفعة كبيرة في عصر الموارد المحدودة.

بالنظر إلى البدائل المتاحة، ليس أمامنا خيار سوى إنجاح النظام الحالي. ولن تدخر رئاسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أي جهد لتحقيق إجماع دولي. من خلال أجندة تركز على تعزيز العمل المناخي التحويلي، يصبح بوسع أذربيجان أن تساعد في رأب الصدوع الجيوسياسية. لكن نجاحنا يتوقف على استعداد البلدان للمشاركة بشكل بناء والالتزام بالعملية المتعددة الأطراف.

العِـلم واضح، والأطر اللازمة للعمل المنسق قائمة، والخطة موضوعة. والآن، يتعين علينا أن نجد الإرادة السياسية لوضع هذه الأدوات قيد الاستخدام. ومؤتمر الأطراف التاسع والعشرون هو فرصتنا لإثبات أن التعددية قادرة على إحراز النجاح.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/Mk5gCZkar