ibanez1_ Diego CupoloNurPhoto via Getty Images_lac inequality Diego Cupolo/NurPhoto via Getty Images

إعادة التفكير في عدم المساواة بأمريكا اللاتينية

واشنطن العاصمة ــ يتفق الجميع تقريباً على أن التوزيع غير المتكافئ للدخل والثروة والفرص في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي تسبب في إعاقة الجهود الرامية إلى بناء مجتمعات متماسكة وديمقراطيات قوية بالإضافة الى إحباط طموحات الشباب، ولكن الجهود الرامية إلى سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء لم تحقق الهدف المطلوب، وتوقف التقدم. تحتاج الحكومات بشكل عاجل إلى أدلة أفضل حول كيفية علاج هذه المشكلة التي طال أمدها.

ومن أجل تحقيق ذلك، تعاون بنك التنمية للبلدان الأميركية مع كلية لندن للاقتصاد، وجامعة ييل، ومعهد الدراسات المالية، وأكاديميين من أكثر من اثنتي عشرة جامعة رائدة لإطلاق عملية إعادة نظر شاملة لعدم المساواة في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. لقد أظهرت الأبحاث الأولية للمشروع ــ بما في ذلك المراجعات النقدية للأدبيات القائمة، والبيانات الجديدة، والتحليلات الجديدة ــ أن عدم المساواة في المنطقة لا يمكن التنبؤ به وليس ثابتًا كما يعتقد الكثيرون.

بادئ ذي بدء، إن عدم المساواة لا ينطبق على منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بشكل موحد حيث يوجد تفاوت كبير جدًا في الدخل في بلدان مثل البرازيل وكولومبيا وغواتيمالا وهندوراس وبنما في حين يوجد تفاوت في الدخل مثل التفاوت الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية في بلدان أخرى مثل بوليفيا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور وأوروغواي.

علاوة على ذلك، فإن عدم المساواة في مجتمعات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي لا يعتبر سمة ثابتة على الاطلاق حيث عانى من التقلبات على مر الزمن، وفي معظم البلدان، بدأ في الارتفاع بسرعة في السبعينيات من القرن الماضي، وبلغ ذروته في التسعينيات، ثم بدأ في الهبوط. لقد أصبح عدم المساواة في المنطقة اليوم أقل مما كان عليه قبل ثلاثة عقود من الزمن، وذلك بسبب المكاسب التعليمية (التي أدت إلى تضييق فجوة الأجور)، والنمو الاقتصادي القائم على تصدير السلع، ومجموعة من البرامج الاجتماعية الحكومية، لكن عدم المساواة استقر بشكل أساسي عند مستويات غير مقبولة منذ عام 2014 وذلك عندما بدأ الركود الاقتصادي في الانتشار بجميع أنحاء المنطقة.

لقد أظهرت دراسة تتبعت تطور عدم المساواة منذ عام 1980 وحتى اليوم أن هذا النمط الواسع يخفي اختلافات كبيرة، فعلى سبيل المثال، تمكنت بوليفيا والبرازيل وتشيلي وبيرو من خفض عدم المساواة بشكل كبير بين عامي 1980 و2010 وحتى على الرغم من أن مستوياته تظل مرتفعة مقارنة ببلدان أخرى في مرحلة مماثلة من التنمية، وعلى النقيض من ذلك، تزايد عدم المساواة بشكل مطرد في كوستاريكا خلال هذه الفترة. يجب التخلي عن الافتراض القائل بإن لعنة عدم المساواة الهيكلي هي قدر لا مفر منه للمنطقة برمتها ولا تتأثر بالتدخلات السياسية.

 لقد كشف المشروع أيضًا أن عدم المساواة في الثروة ضمن المنطقة يبدو أكثر رسوخًا من عدم المساواة في الدخل، وعلى الرغم من أن البيانات لا تزال محدودة للغاية، فقد وجدت إحدى الدراسات أن حوالي 1% من السكان في تشيلي وكولومبيا وأوروغواي يسيطرون على 37% إلى 40% من إجمالي الثروة، في حين يسيطر النصف الأفقر من السكان على عُشر الثروة فقط. علاوة على ذلك، فإن مجموع ملكية العديد من الأسر ذات الدخل المنخفض تعتبر في السالب وذلك لأن ديونها المستحقة أكبر من القيمة المجتمعة لمساكنها، ومركباتها، وغير ذلك من الأصول.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

هناك أيضًا أدلة جديدة على أن الفرص والدخل المحتمل للأطفال في المنطقة عادة ما يعكس الفرص والدخل المحتمل لإبائهم، مما يعني انخفاض إمكانية حصول تغييرات في الوضع الاجتماعي من جيل لآخر. تُظهِر إحدى الدراسات أن ما بين 44% (الأرجنتين) و63% (غواتيمالا) من التفاوت الحالي في الدخل في تسعة بلدان من منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي يمكن تفسيره من خلال عوامل "موروثة". إن من بين المتغيرات التي تساهم في استمرار عدم المساواة بين الأجيال، ان يولد الانسان في مناطق منخفضة الدخل، والانتماء إلى أقلية عرقية، وأن يكون تعليم أبويه محدودًا أو يعملان في وظائف منخفضة الأجر، ولكن هنا مجددًا يبدو المشهد أكثر تباينًا، ففي البلدان التي يوجد فيها تاريخ من العبودية أو اضطهاد الشعوب الأصلية، تتنبأ العوامل العرقية أو الإثنية بمستويات أقل بكثير من الحراك الاجتماعي بين الأجيال.

وأخيرا، فإن للجغرافيا أهمية كبيرة ــ ولكن ليس دائما بطرق يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال فإن حقيقة أن 80% من سكان أمريكا اللاتينية والكاريبي يعيشون في المدن قد عززت الافتراض بأن الديناميكية الريفية ليس لديها تأثير يذكر على التفاوت في الدخل بالمنطقة، ولكن الأدلة الجديدة تشير إلى أن الفجوات في الدخل الزراعي، والتي ترجع إلى حد كبير إلى انخفاض إنتاجية العمل في المزارع الصغيرة، تفسر ما يتراوح بين 11% (أوروغواي) و58% (بوليفيا) من التفاوت الإجمالي في الدخل بتسعة بلدان.

حتى الآن، أكد المشروع أن عدم المساواة في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مرتفع إلى حد غير مقبول، كما أظهر أيضا عدم استقراره واستجابته للعوامل التي يمكن أن تؤثر على درجة "توريثه". ينبغي لصناع السياسات بعد استيعابهم لهذا الفهم المتباين أن يتخلوا عن بعض المقاربات في التعامل مع المشكلة، ويراجعوا مقاربات أخرى ويختبروا استراتيجيات جديدة تمامًا تعتبر أكثر ملاءمة للاحتياجات المحددة لبلدانهم. على سبيل المثال، ستحتاج بلدان مثل كولومبيا وبيرو، حيث يعمل العديد من العمال بعقود غير رسمية وبالتالي يدفعون ضرائب قليلة أو لا يدفعون أي ضرائب، إلى مجموعة مختلفة من السياسات المتعلقة بأنظمة الضرائب والمعاشات التقاعدية مقارنة ببلدان مثل تشيلي وأوروغواي، حيث توجد أعداد أكبر من القوى العاملة التي تساهم في المعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي.

وفي حين أن الاستراتيجيات التقليدية مثل توسيع وتحسين جودة التعليم وتقديم المساعدات النقدية للأسر ذات الدخل المنخفض يمكن أن تكون فعالة، إلا أنها ليست كافية للحد من عدم المساواة في جميع البيئات، ولتحقيق ذلك، يجب على حكومات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي تعزيز النمو الاقتصادي الذي يمكن أن يوفر وظائف أكثر إنتاجية (ورسمية) وتبني جيل جديد من السياسات المالية التي تمنح الجميع مقعدًا على الطاولة.

https://prosyn.org/s3xOowYar