suri1_Recep CanikAnadolu AgencyGetty Images_ubi market

كيف ساعد الدخل الأساسي الشامل كينيا في مكافحة الجائحة

نيروبي ــ عندما تسببت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) والركود الذي أحدثته في الدفع بنحو 120 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم إلى براثن الفقر المدقع في عام 2020، اعتمدت بلدان عديدة على تدابير الحماية الاجتماعية لتخفيف الصدمة. وبحلول عام 2021، جرى تخطيط أو تنفيذ 3333 مخطط من هذه التدابير في 222 دولة أو إقليم.

ولأن العالم سيواجه أزمات أخرى في العقود المقبلة، يتعين علينا أن نتعلم كيف نحمي الناس على نحو أفضل من الأحداث غير المتوقعة ــ خاصة وقد أصبحت التأثيرات المترتبة على تغير المناخ أشد وضوحا وبات كثيرون معرضين للكوارث الطبيعية وصدمات الدخل. ولكن كيف؟

تقدم لنا برامج الحماية الاجتماعية التي تساعد الأسر المنخفضة الدخل، وتؤمن ضد الصدمات، وتكسر شِـراك الفقر، حلا محتملا. لكن التحويلات النقدية الموجهة، وهي أكثر الخطط انتشارا، قد لا تعالج الحواجز على جانب العرض مثل نقص الغذاء وغير ذلك من السلع الأساسية، وخاصة أثناء الأزمات. هل يمكن لأي شكل من أشكال التحويلات النقدية أن يخفف من تأثير الصدمات الضخمة إذن؟ هل تتطلب الأزمات تدابير حماية اجتماعية جديدة، أو هل تستطيع السياسات القائمة تعزيز المرونة والقدرة على الصمود؟

يتمثل أحد أشكال الحماية الاجتماعية والذي يحظى بشعبية كبيرة وتتناوله مناقشات كثيرة في الدخل الأساسي الشامل: تحويل نقدي غير مشروط كبير بالقدر الكافي لتلبية الاحتياجات الفردية الأساسية ويُـسَـلَّـم لكل فرد في المجتمع. برغم أن فكرة الدخل الأساسي الشامل ليست جديدة، فقد اكتسبت مؤخرا زخما عالميا، مع إطلاق برامج تجريبية في بلدان تشمل فنلندا، والهند، والولايات المتحدة.

يستند هذا المفهوم إلى الأدلة المتجمعة عبر عقود من الزمن في ما يتصل بتأثير التحويلات النقدية. على سبيل المثال، على النقيض من الرأي الشائع، تشير الدراسات إلى أن التحويلات النقدية تعمل على تقليل الإنفاق على "السلع المغرية" مثل الكحول والتبغ، ولا تثبط العمل، وتخلف مجموعة واسعة من التأثيرات الإيجابية.

لكن الافتقار إلى البيانات الديناميكية الدقيقة يجعل من الصعب توجيه مثل هذه التحويلات إلى من هم في أشد الحاجة إليها. واستهداف الأفراد بدلا من الأسر أكثر تعقيدا، لأن بعض الأفراد الفقراء يعيشون غالبا في أسر غير فقيرة.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

الدخل الأساسي الشامل من الممكن أن يلتف حول هذه القضايا، لأنه ليس شاملا فحسب، بل يمكن أيضا تقديمه للأفراد وليس الأسر. علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد الدخل الأساسي الشامل في التخفيف من وطأة الصدمات غير المتوقعة التي قد تجعل بعض شرائح السكان عُـرضة للخطر وفي احتياج إلى الدعم الحكومي ــ وإن لم نتمكن بعد من تحديد ما إذا كان بإمكان الدخل الأساسي الشامل أن يحقق هذا بشكل فَـعّـال من حيث التكلفة.

في عام 2017، بدأ فريق من الباحثين ــ أبهيجيت بانيرجي، ومايكل فاي، وألان كروجر، وبول نيهاوس وإحدانا (سوري) ــ بالتعاون مع منظمة "إبداعات من أجل مكافحة الفقر ومنظمة GiveDirectly، تنفيذ تقييم عشوائي في كينيا لاختبار تأثير الدخل الأساسي الشامل المنقول رقميا. ركز الفريق على مقاطعتين منخفضتي الدخل، سيايا وبوميت، وقدم تقييما لثلاثة تصميمات مختلفة للدخل الأساسي الشامل: مبلغ إجمالي كبير يعادل نحو 500 دولار أميركي ("ذراع المبلغ الإجمالي")؛ دفعة قدرها 0.75 من الدولار يوميا لمدة عامين، أو ما يعادل نحو 500 دولار ("ذراع الأمد القريب")؛ دفعة قدرها 0.75 من الدولار لمدة 12 عاما ("ذراع الأمد البعيد"). جرى تقديم الدفعات لكل بالغ فوق سن 18 عاما في قُـرى محددة.

عندما ضربت الجائحة كينيا في عام 2020، سرعان ما أدرك أعضاء الفريق أنهم في احتياج إلى فهم ما إذا كان الدخل الأساسي الشامل يساعد الناس على تحمل الأزمة. وبتمويل من مبادرة تحديد الهوية والتمويل الرقمي في أفريقيا التابعة لمختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، أجروا استبيانات على الهاتف للأسر المشاركة في البرنامج. عند هذه النقطة، كانت خطة ذراع المبلغ الإجمالي وخطة ذراع الأمد القريب اكتملتا؛ وكانت خطة ذراع الأمد البعيد جارية.

وجد الفريق أن الدخل الأساسي الشامل ساعد في تحسين الأمن الغذائي والصحة البدنية والعقلية بين الأسر، نسبة إلى مجموعة المقارنة من الأسر التي لم تتلق التحويلات. كما قلل متلقو الدخل الأساسي الشامل من تفاعلاتهم الاجتماعية، ربما بسبب الجائحة وربما لأنهم لم تكن بهم حاجة إلى الاعتماد على الأصدقاء والأقارب بذات القدر أثناء موسم الجوع (وإن كان هذا تخمينا في أفضل الأحوال). ربما ساعد هذا في تقليل العبء عن أنظمة الصحة العامة المحلية حيث كان متلقو الدخل الأساسي الشامل أقل عُـرضة للإصابة بالمرض.

كان الجوع منتشرا في المقاطعتين اللتين تناولهما الفريق بالدراسة. ولكن في حين أفاد 68% من الأشخاص في مجموعة المقارنة بأنهم عانوا من الجوع في الأيام الثلاثين الأخيرة، كان متلقو الدخل الأساسي الشامل أقل ميلا إلى التصريح بذلك بنحو 5 إلى 11 نقطة مئوية. كان هذا التأثير أكبر كثيرا على الأشخاص الخاضعين لخطة ذراع الأمد البعيد، الذين توقعوا الاستمرار في تلقي التحويلات.

كان المستفيدون من الدخل الأساسي الشامل أيضا أقل ميلا بنحو 4 إلى 5 نقاط مئوية إلى الإبلاغ عن إصابة أحد أفراد الأسرة بالمرض خلال الأيام الثلاثين الأخيرة، مقارنة بنحو 44% في مجموعة المقارنة. وفي حين سعى نحو 29% من الأشخاص في مجموعة المقارنة إلى الحصول على الرعاية الطبية في مستشفى مؤخرا، فإن المستفيدين من الدخل الأساسي الشامل كانوا أقل ميلا بنحو 3 إلى 5 نقاط مئوية للقيام بذلك، لأنهم كانوا أقل عُرضة للإصابة بالمرض.

رأى الباحثون أيضا كيف من الممكن أن تدفع زيادة الدخل الناس إلى خوض مجازفات أكبر. قبل الجائحة، سجلت الشركات الجديدة التي أنشأها بعض متلقي الدخل الأساسي الشامل زيادات كبيرة في الأرباح. لكن خوض المجازفة على هذا النحو لا يؤتي ثماره دائما. فعلى الرغم من بقاء هذه المشروعات مفتوحة إلى حد كبير أثناء أزمة جائحة كوفيد-19، انحدرت الدخول إلى مستويات أشبه بتلك في مجموعة المقارنة.

لم يكن انخفاض دخول المستفيدين من الدخل الأساسي الشامل أثناء الجائحة فشلا لفكرة الدخل الأساسي الشامل. الواقع أن هذه المنحة مصممة للحفاظ على الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ومن خلال توفير شكل من أشكال التأمين، ربما تشجع المتلقين على خوض المزيد من المجازفات. ولكن في أزمة بحجم الجائحة، ينبغي لصناع السياسات أن يفكروا أيضا في حماية الدخول (كما فعلت بعض البلدان المرتفعة الدخل).

تزامن اندلاع الجائحة في كينيا مع موسم توقف الزراعة، عندما يتزايد الجوع والمرض عادة، وينخفض الدخل. ورغم أن الدراسة لم تتمكن من عزل التأثيرات التي خلفتها الجائحة عن الاتجاهات الموسمية، فإن الأدلة تسلط الضوء على أهمية الوصول إلى التحويلات النقدية وغير ذلك من أشكال تكميل الدخل أثناء الأزمات، وبشكل خاص للحد من الجوع والمرض. لذا، ينبغي لهيئات صنع السياسات والشركات في البلدان الأكثر فقرا أن تفكر في بناء أنظمة تحويل نقدي يمكن تفعليها في غضون مهلة قصيرة لتسليم أموال إضافية إلى عدد كبير من الناس، إن لم يكن الجميع، في الاستجابة للصدمات غير المتوقعة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/Q5pJP5yar