Central banks Cameron Spencer/Getty Images

الوعد الزائف لأموال المروحية

لندن - من بين القضايا الاقتصادية العالمية الرئيسية اليوم إشكالية مدى تأثير السياسة النقدية. في منطقتي اليورو واليابان، على الرغم من تنفيذ سياسة التخفيف الكمي (QE)  ومعدلات الفائدة السلبية على نطاق واسع، ارتفع كل من اليورو والين أمام الدولار الأمريكي منذ بداية هذا العام.

وتتجلى مشكلة هذا الجدل في تركيزه على فعالية السياسات فقط، دون النظر إلى ضرورة توخي الحذر. كما أن مصداقية واستقلال السلطات النقدية ضرورية لفعالية سياساتها. ودعت بعض المقترحات البنوك المركزية للابتعاد عن المناطق غير المألوفة، وتوسيع وتمديد زيغها عن اٍدارة الميزانيات العمومية. لكن هذا قد يضر بالسمعة التي سيكون من الصعب تداركها، كما سيكون له عواقب مالية واقتصادية وخيمة.

اٍن التأثير المباشر للسياسة النقدية غير التقليدية  واضح ومتوقع إلى حد كبير (باستثناء الارتفاع الأخير لليورو والين). فالسيولة في النظام المصرفي كافية وتكاليف الاقتراض منخفضة، لكنها انعكست سلبا على بعض الحكومات.

غير أن الآثار الثانوية المتوقعة وزيادة النشاط الاقتصادي والتضخم لم تتأكد. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من أن التضخم الرئيسي قد تأثر من انخفاض أسعار السلع، فقد تم التأكيد بالإجماع على الحاجة إلى تخفيف إضافي.

وليست السياسة النقدية الخيار الوحيد لمزيد من التخفيف، لكنها الأكثر ترجيحا. فعادة ما تستغرق الإصلاحات الهيكلية لدعم النمو وقتا طويلا، كما أن الاضطرابات الاقتصادية التي ترافقها تقلل من جاذبيتها السياسية. فالتخفيف المالي مقيد جزئيا بمستويات قياسية من الديون الحكومية، والتي سيستغرق انخفاضها سنوات عديدة.

وتكون الخيارات محدودة عندما يتعلق الأمر بالسياسة النقدية. حتى صناع السياسة النقدية أقروا بأن التخفيف الكمي يخضع لتناقص الفائدة، في حين نجد أن الآثار السلبية على النظام المصرفي التي تحد من نطاق تحديد أسعار الفائدة سلبية للغاية.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

ونتيجة لذلك، سنشهد عودة سياسة قديمة، ابتكرها الخبير الاقتصادي ميلتون فريدمان في عام 1969: ''أموال المروحية ''. وتوقع المؤيدون لهذه الفكرة أن صنع البنوك المركزية للمال وتوزيعه مباشرة على الأفراد سيؤدي إلى زيادة فورية في الطلب و التضخم.

ولأن الأسر قد تختار ادخار بعض المال، تركز الاقتراحات المعاصرة على أموال المروحية التي سيتم نقلها إلى الحكومات، للاستثمار في مشاريع البنية التحتية وغيرها من المبادرات التي تعزز الطلب. وتدعو هذه التغيرات البنوك المركزية لشراء السندات الحكومية الدائمة التي لا أهمية لها أو لتحويل حيازات السندات القائمة على شيء مماثل.

هذه المقترحات مثيرة للجدل لأسباب عديدة. إن التمويل المباشر للعجز المالي من قبل البنوك المركزية لشراء ديون الحكومة يؤدي إلى تسييل السياسة المالية. فالتسييل يضعف الميزانيات العمومية للبنوك المركزية عن طريق إضافة الأصول التي لا قيمة لها (مطالب للحكومة غير قابلة للتسديد)، مقابل فوائد (توزيع نقود مطبوعة حديثا) تم إنشاؤها من قبل الأصول لتعويض ضعف الميزانيات العمومية للبنك المركزي.

ويعتمد مؤيدو سياسة أموال المروحية على ادعاءين اثنين: يعتقد البعض أن السياسة يمكن معايرتها لوقف إلحاق الضرر، عادة بسبب التقدم الحاصل في الظروف الاقتصادية الذي سيستغني عن الحاجة إلى مواصلة التحفيز. وبالنسبة للآخرين، لا تشكل الميزانيات العمومية للبنوك المركزية عائقا، لأن القدرة الحصرية لاتخاذ إجراءات جديدة غير محدودة وخالية من التكلفة الإضافية وتضمن الربح على المدى الطويل.

ويطرح كلا الإدعاءين مشاكل كبيرة. فالاعتماد على نهج معياري قائم على التحفيز تم سحبه قبل ظهور أي دليل على الاهتمام بالشؤون المالية للبنك المركزي. لكن ليس هناك يقين بأن الإنفاق المالي النقدي سوف يحفز الانتعاش الاقتصادي.

كما لا يمكن أن نعلم مسبقا ما اٍذا كانت السياسة المالية التوسعية ستتقلص إذا لم تتحسن الآفاق الاقتصادية. في الواقع، مع غياب أي تعليق عام سلبي على الموارد المالية للبنك المركزي، قد تميل السلطات المالية لتوسيع استخدامها لتمويل خال من التكلفة والذي يبدو من وجهة نظرها مثل "وجبة غذاء مجانية ''.

وهناك أيضا أسباب جدية للشك في الاٍدعاء بأن رسوم سك العملات يمكن أن تضمن الربح على المدى البعيد- ربح البنوك المركزية نتيجة وجود أسعار الفائدة في مستوى الصفر (على الأقل بعض الأصول المدرة للدخل). ولم يكن منذ عصر ما بعد معيار الذهب تركيز أكبر على حدود السياسة النقدية. ويمكن أن يتحول هذا التركيز بسهولة إلى ميزانيات عمومية جيدة للبنوك المركزية إذا استمرت في التوسع. إن مفهوم رسوم سك العملات غير واضح خارج مجتمع صغير نسبيا. ولا ينبغي استخدامه كخط الدفاع الأول.

وليس هذا بجديد بالنسبة للبنوك المركزية والتي تولي أهمية قصوى لسمعتها من أجل الحصول على موارد مالية ضخمة، ولإدارة المخاطر بعناية، ولضمان سلامة المال. والواقع أن الحكمة المالية التي تدعم مصداقية السياسة والثقة في البنوك المركزية هي ما يجعل رسوم سك العملات ممكنا في نهاية المطاف. ويمكن للمؤسسات ذات المصداقية من الناحية المالية وحدها الوفاء بالتزاماتها نحو الآخرين باعتبارها أصول؛ فالبنوك المركزية ليست استثناءا.

قيمة المال هي التي على المحك. وقد تنقل السيولة النقدية المخاطر من ميزانيات الحكومات إلى البنوك المركزية، مع عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين السياسات والمؤسسات، واستقلاليتها النسبية. وتكمن جاذبيتها في قدرتها على استغلال الهياكل المالية الفريدة من البنوك المركزية. لكن للثقة حدود في ما يخص السلامة المالية للبنوك المركزية -  وبالتالي سلامة المال.

فمن المستحيل تمييز هذه الحدود مسبقا. ولكن في وقت توجد فيه حساسية مبالغ فيها اتجاه تنفيذ وفعالية السياسة النقدية، سيكون من الخطأ الشروع في الطريق الذي يهدد بقاء البنوك المركزية.

https://prosyn.org/XdYLKIPar