55629c032d12fa58116a6b00_dr3883c.jpg

كيف نعيد الصحة إلى محيطاتنا الجريحة

نيروبي ـ يدرك العديد من الناس أن المحيطات تغطي أكثر من 70% من سطح الكرة الأرضية، وأن المواطن البحرية للأسماك توفر الغذاء لمليارات من البشر. ولكن ما لا يعرفه الناس بنفس القدر هو أن أعالي البحار ـ المساحات من محيطات العالم التي تقع خارج حدود الولايات الوطنية (المياه الإقليمية)، والتي تمتد إلى مسافة مائتي ميل من الشواطئ ـ تشكل ما يقرب من ثلثي محيطاتنا ونحو 45% من سطح كوكبنا.

والواقع أن العديد من البلدان تستغل هذه المساحة، التي ربما تحتوي على أضخم خزان متبق للتنوع البيولوجي على كوكبنا، ولكن لا أحد يتصدى إدارتها. فضلاً عن ذلك فإن هذه المساحة تخضع الآن لضغوط شديدة. ولقد خلص تقرير التوقعات البيئية العالمية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن ثلاثة أرباع مواطن صيد الأسماك البحرية تستغل بأقصى طاقة ممكنة، بل وربما تستغل بما يتجاوز طاقتها القصوى. ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة تحت عنوان "حالة مواطن الصيد البحري والأحياء المائية العالمية"، فإن 85% من المخزون السمكي يتم استغلاله بالكامل، بل وربما ما هو أسوأ من ذلك ـ وهي أعلى مستويات تم تسجيلها على الإطلاق.

والمشكلة بكل تأكيد لا تكمن في الافتقار إلى التعهدات والمواثيق، بما في ذلك التعهدات التي بذلت في إطار قمة الأرض في ريو عام 1992. بل إن الجانب المفقود في هذه المعادلة يتلخص في الالتزام بهذه التعهدات.

واليوم تستعد الحكومات مرة أخرى لسلوك "الطريق إلى ريو" لحضور قمة يونيو/حزيران 2012 هناك ـ والتي يشار إليها بوصف "ريو+20". وفي وقت لاحق من هذا الشهر تلتقي الحكومات في الأمم المتحدة في نيويورك كجزء من الأعمال التحضيرية للقيمة، مع التركيز بشكل خاص على المحيطات. وإنه لوقت مناسب لكي نذكر أنفسنا بالتعهدات التي بذلناها في ريو قبل عشرين عاما، وأن نمضي قدماً في عملية تنفيذها. ويصدق هذا على الأنظمة الإيكولوجية عموما، وعلى المحيطات بشكل خاص.

إن القسم الأعظم من المحنة الحالية التي تواجهها مواطن الصيد البحرية كان نتيجة للصيد الجائر الذي يتمتع بإعانات الدعم على نطاق صناعي. وهذا يفرض عبئاً متزايداً على الفقراء والضعفاء، وخاصة في البلدان الساحلية النامية ودول الجزر الصغيرة.

إن إعلان ريو، الصادر في قمة الأرض في عام 1992، يعترف بالمسؤولية عن ضمان عدم تسبب أنشطة صيد الأسماك في الإضرار ببيئة بلدان أخرى أو تلك المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية. ولا شك أن نضوب مصائد الأسماك، في كل من المناطق الاقتصادية الخالصة وأعالي البحار، يكشف عن مدى فشل المجتمع الدولي في الوفاء بواحد من أكثر التعهدات التي خرجت عن اجتماع 1992 أهمية.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

والواقع أن محاولات أخرى ظهرت لإدارة البيئة البحرية على نحو يحقق الاستدامة، بعد عشرة أعوام من اجتماع ريو، وكان ذلك في القمة العالمية بشأن التنمية المستدامة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا. ومنذ عام 2004، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبنت سلسلة من القرارات والتي وضعت أيضاً أنظمة لحماية التنوع البيولوجي في البحار العميقة. ورغم ذلك فإن الانصياع لهذه القرارات كان غير مكتمل على أفضل تقدير.

ومن بين التوجهات الأخرى التي حظيت باهتمام كبير في اجتماع جوهانسبرج ما تعلق بتأسيس شبكة تمثيلية للمناطق البحرية المحمية، بما في ذلك الاحتياطيات المحظورة. وفي العام الماضي في ناجويا باليابان، اتفقت الحكومات على إنشاء مثل هذه المناطق في 10% من محيطات العالم بحلول عام 2020. وفي الوقت الحالي، لا تنطبق مثل هذه المستويات من الحماية إلى على 1% تقريبا، أي أن الطريق لا يزال طويلا.

كان الرأي العلمي فيما يتصل بمصائد الأسماك واضحاً جلياً لعقود من الزمان. ورغم ذلك تقاعست الحكومات على نحو مستمر عن الاستجابة لتحذيرات الخبراء. ولا تزال إدارة البحار عبارة عن خليط مجزأ يتألف من هيئات وطنية ودولية، ولا يخلو الأمر من صلاحيات منفصلة ومتضاربة في الكثير من الأحيان، وفي ظل غياب كال للمساءلة العالمية. فضلاً عن ذلك، ففي العديد من أجزاء محيطات العالم لا توجد أي جهة مسؤولة. ولابد من معالجة هذا القصور الشديد.

إن إدارة أعالي البحار، أو بمعنى أصح غياب إدارة البحار، تشكل واحدة من العقبات الكؤود بشكل خاص. ففي غياب آليات متفق عليها دولياً لتصميم وإدارة المناطق البحرية المحمية في المياه الدولية، تتحول التعهدات التي بذلت في ناجويا إلى وعود جوفاء.

وتشكل إعانات الدعم مشكلة رئيسية أخرى. فوفقاً للتقديرات، تنفق الحكومات على مستوى العالم ما يقرب من 27 مليار دولار سنوياً على إعانات دعم صناعة صيد الأسماك، ولقد تسببت إعانات الدعم هذه في توليد طاقات صيد فائضة تتجاوز بمعامل اثنين قدرة الأسماك على التكاثر. أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن عدد سفن صيد الأسماك الصناعية التي تجوب البحار يتجاوز ضعف ما تستطيع المحيطات أن توفره من أسماك بشكل مستدام.

ووفقاً لحسابات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن استثمار 110 مليار دولار على مدى الأعوام المقبلة في تعزيز إدارة مصائد الأسماك ـ بما في ذلك إنشاء مناطق بحرية محمية، وتفكيك أساطيل الصيد والحد من قدراتها، وإعادة تدريب العاملين في هذه الصناعة ـ من شأنه أن يسمح لمواطن الحياة البحرية على كوكب الأرض بالتعافي. والواقع أن مثل هذا الاستثمار، بدعم من التدابير السياسية، من شأنه أن يسفر عن زيادة في مستويات الصيد من 80 مليون طن الآن إلى 90 مليون طن بحلول عام 2050، بعد انخفاض أولي أثناء الفترة من الوقت الحاضر وحتى عام 2020.

خلاصة القول أن القيمة الحالية للفوائد المترتبة على "تخضير" قطاع صيد الأسماك تقدر بنحو ثلاثة على خمسة أمثال الاستثمار ـ وهو عائد ممتاز بالنسبة للبشر وبيئة المحيطات. وفي الوقت نفسه، يمكن تقليص الخسائر في الوظائف في الأمد القريب إلى الأمد المتوسط من خلال تركيز خفض الطاقة على أعداد ضئيلة نسبياً من السفن الصناعية الضخمة، على عكس الأساطيل الحرفية الصغيرة.

من المتوقع أن يعود تشغيل العمالة في مصائد الأسماك في العديد من بلدان العالم إلى النمو مرة أخرى على مدى العقود المقبلة مع تعافي المخزون المستنفد. ويمثل مؤتمر ريو+20 في العام المقبل فرصة كبرى لإثبات أن التعاون الدولي ممكن من خلال جهود الأمم المتحدة، وأن التغير التحولي أمر وارد.

إن العالم لم يعد بوسعه أن يتحمل تأخير جهود إعادة الصحة والثروة إلى محيطاته. ولا يستطيع نصف مليار من البشر الذين يعتمدون على صناعة الصيد كمصدر للرزق، ونصف مليار آخر من البشر الذين يعتمدون على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين، أن ينتظروا عشرين عاماً أخرى قبل أن يتحرك المجتمع الدولي.

https://prosyn.org/1nIBFx1ar