بروكسل ــ في أعقاب تصاعد أزمة اليورو والقرارات التي اتخذت في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، وبخاصة التزام زعماء الاتحاد الأوروبي بالشروع في السير على الطريق "نحو إنشاء اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي"، حان الوقت لطرح السؤال حول وماذا بعد. وأياً كانت النتيجة النهائية، فإن الأزمة الحالية سوف تعمل بشكل جوهري على صياغة مستقبل التكامل الأوروبي.
في أسوأ السيناريوهات، قد تتسبب أزمة الديون السيادية في انهيار منطقة اليورو، وما يترتب على هذا من تأثيرات سلبية مباشرة على الاتحاد الأوروبي ذاته. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن هذا السيناريو لا يزال يبدو غير مرجح ــ حيث تبدو دول الاتحاد الأوروبي داخل وخارج منطقة اليورو حريصة على تجنب التداعيات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية الهائلة التي يعنيها مثل هذا السيناريو. ولكن خطر التفكك يزداد حجماً بمرور الوقت، ولا يمكننا أن نستبعد مثل هذه النتيجة اليوم.
ومن ناحية أخرى، يبدو من غير المرجح أن تكون الدول الأعضاء جاهزة وقادرة على إنجاز قفزة عملاقة نحو "الولايات المتحدة الأوروبية" ــ كيان فيدرالي حقيقي حيث توافق بلدان الاتحاد الأوروبي على التخلي عن السيادة الوطنية على نطاق غير مسبوق.
الواقع أن السجل منذ عام 2010 يشير إلى أن "التخبط" سوف يظل النهج المهيمن على الاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور. ولكن خلافاً للماضي، فإن الضغوط المتزايدة المفروضة على العملة الموحدة والمراقبة المستمرة من قِبَل الأسواق والمواطنين سوف تتطلب استجابات سياسية جريئة تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد القاسم المشترك الأدنى.
وفي نهاية المطاف، سوف يؤدي "التخبط الطموح" في الأرجح إلى درجة أعلى من التكامل الاقتصادي والمالي الفريد من نوعه (وبخاصة بين بلدان منطقة اليورو)، بما في ذلك التنسيق الملزم للموازنات الوطنية، والمزيد من التنسيق الاقتصادي، وفي النهاية أيضاً شكل محدود من أشكال تبادلية الديون. أو بعبارة أخرى، سوف يتطلب حل الأزمة "المزيد من أوروبا"، ولو أن توقع النتيجة النهائية أمر مستحيل، وذلك لأنها سوف تنجم عن عملية معقدة تهدف إلى التوفيق بين المواقف المتباينة والمتضاربة سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو بين بلدان منطقة اليورو.
ولقد طلب زعماء الاتحاد الأوروبي من هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، أن يعمل بالتعاون مع رؤساء المفوضية الأوروبية، والمجموعة الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، على رسم خريطة طريق لتحقيق غاية "الاتحاد الاقتصادي والنقدي الحقيقي". ومن المنتظر أن يحدد التقرير النهائي، الذي يفترض تسليمه في ديسمبر/كانون الأول 2012، الخطوات الإضافية التي يمكن اتخاذها على أساس من معاهدات الاتحاد الأوروبي القائمة، والتدابير التي تحتاج إلى إدخال تعديلات على المعاهدات.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
وفي ضوء الأزمة الملحة، فإن بعض الخطوات الأكثر إلحاحاً من أجل تحقيق مستوى أعلى من التكامل الاقتصادي والمالي، وهو الأمر غير القابل للتنفيذ بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي الحالية، قد تتطلب اتخاذ ترتيبات إضافية بين الحكومات خارج إطار معاهدة الاتحاد الأوروبي. ولا ينبغي لهذا التوجه أن يمثل هدفاً في حد ذاته، ولكنه قد يكون شراً لابد منه لتفادي خطر انهيار اليورو.
ولكن من أجل استعادة التماسك المؤسسي، واليقين القانوني، والمساءلة الديمقراطية، فلابد من دمج العناصر الرئيسية في "الميثاق المالي" وأية اتفاقيات أخرى تُبرَم في المستقبل بين حكومات الاتحاد الأوروبي في القانون الأساسي للاتحاد في أقرب وقت ممكن. وسوف يتطلب التحرك نحو تأسيس اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي أيضاً المزيد من الإصلاحات المؤسسية الجوهرية. ولا ينبغي لهذه العملية أن تقتصر على الحكومات، بل لابد أن تضم أيضاً البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية في إطار اتفاقية أوروبية أخرى.
وسوف يستلزم المستوى الأعلى من التكامل الاقتصادي والمالي والسياسي أيضاً تعديل الدساتير الوطنية. ومن المحتم أن يتطلب التصديق على معاهدة الاتحاد الأوروبي الجديدة وتعديل الدساتير الوطنية إجراء استفتاءات في عدد من الدول. ونظراً لرفض الناخبين الهولنديين والفرنسيين للمعاهدة الدستورية للاتحاد الأوروبي في عام 2005، وشعور المواطنين الأوروبيين بالإحباط المتزايد إزاء الاتحاد وإدارته الرديئة، فإن النتيجة سوف تكون غير مؤكدة إلى حد بعيد. ولكنها مجازفة لابد من خوضها. والواقع أن مخاطر انهيار اليورو أو الخروج المحتمل من العملة الموحدة قد يتبين أنها حجج قوية بالقدر الكافي "لإقناع" غالبية الأوروبيين بالتصويت بالقبول.
وسوف يكون سيناريو "التخبط الطموح" طويلا، ووعرا، بل وخطراً في بعض الأحيان، وقد ينتهي في الأغلب إلى وجهة تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن توقعات اليوم. ولكن قبل أن يبدأ الاتحاد الأوروبي هذه الرحلة الحتمية وغير المؤكدة النتائج، فيتعين على مؤسساته ودوله (بدعم نشط من البنك المركزي الأوروبي!) أن تعمل على تأسيس شبكة أمان قادرة على حماية اليورو والاتحاد ذاته من الانكفاء على وجهه عندما يجد الجد في السنوات المقبلة.
وفي كل الأحوال فإن أزمة الديون من المرجح أن تستمر في توليد الضغوط الاقتصادية والمالية والسوقية المباشرة. ولكن الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء سوف يكون لزاماً عليها أيضاً أن تتغلب على الأضرار الجانبية الناجمة عن الأزمة ــ عواقبها غير المقصودة وغير المتوقعة على المستويين الأوروبي والوطني.
وتشتمل هذه الأضرار على ارتفاع المشاعر القومية والشعبوية المناهضة لليورو والاتحاد الأوروبي، والتحديات الاجتماعية المتصاعدة في العديد من الدول الأعضاء، و"العجز الديمقراطي" المتزايد هناك وفي الاتحاد الأوروبي، والأجواء المسمومة بين بلدان الاتحاد الأوروبي، والافتقار إلى التحالفات القيادية الفعّالة المستقرة القادرة على الدفع في نفس الاتجاه. وكل هذا قد يؤدي إلى طريق مسدود، وهو ما قد يرقى في البيئة الحالية إلى الرجوع إلى الخلف، ويهدد ليس فقط التوقعات بشأن مستقبل التكامل الأوروبي بل وأيضاً منجزاته الماضية.
في ظل هذه الظروف، يصبح "التخبط الطموح" بمثابة السيناريو الأكثر ترجيحاً والأكثر تبشيرا. ولن يكون الأمر سهلاً يسيرا، ولن يسمح بأي وقت للشعور بالرضا عن الذات، نظراً للاحتمالات المرجحة ببقاء الاتحاد الأوروبي في وضع الأزمة لبعض الوقت. ولكن لعل ذلك السبيل الوحيد لإبقاء أوروبا على مسارها نحو الأمام.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
The United States is not a monarchy, but a federal republic. States and cities controlled by Democrats represent half the country, and they can resist Donald Trump’s overreach by using the tools of progressive federalism, many of which were sharpened during his first administration.
see Democrat-controlled states as a potential check on Donald Trump’s far-right agenda.
Though the United States has long led the world in advancing basic science and technology, it is hard to see how this can continue under President Donald Trump and the country’s ascendant oligarchy. America’s rejection of Enlightenment values will have dire consequences.
predicts that Donald Trump’s second administration will be defined by its rejection of Enlightenment values.
بروكسل ــ في أعقاب تصاعد أزمة اليورو والقرارات التي اتخذت في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، وبخاصة التزام زعماء الاتحاد الأوروبي بالشروع في السير على الطريق "نحو إنشاء اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي"، حان الوقت لطرح السؤال حول وماذا بعد. وأياً كانت النتيجة النهائية، فإن الأزمة الحالية سوف تعمل بشكل جوهري على صياغة مستقبل التكامل الأوروبي.
في أسوأ السيناريوهات، قد تتسبب أزمة الديون السيادية في انهيار منطقة اليورو، وما يترتب على هذا من تأثيرات سلبية مباشرة على الاتحاد الأوروبي ذاته. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن هذا السيناريو لا يزال يبدو غير مرجح ــ حيث تبدو دول الاتحاد الأوروبي داخل وخارج منطقة اليورو حريصة على تجنب التداعيات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية الهائلة التي يعنيها مثل هذا السيناريو. ولكن خطر التفكك يزداد حجماً بمرور الوقت، ولا يمكننا أن نستبعد مثل هذه النتيجة اليوم.
ومن ناحية أخرى، يبدو من غير المرجح أن تكون الدول الأعضاء جاهزة وقادرة على إنجاز قفزة عملاقة نحو "الولايات المتحدة الأوروبية" ــ كيان فيدرالي حقيقي حيث توافق بلدان الاتحاد الأوروبي على التخلي عن السيادة الوطنية على نطاق غير مسبوق.
الواقع أن السجل منذ عام 2010 يشير إلى أن "التخبط" سوف يظل النهج المهيمن على الاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور. ولكن خلافاً للماضي، فإن الضغوط المتزايدة المفروضة على العملة الموحدة والمراقبة المستمرة من قِبَل الأسواق والمواطنين سوف تتطلب استجابات سياسية جريئة تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد القاسم المشترك الأدنى.
وفي نهاية المطاف، سوف يؤدي "التخبط الطموح" في الأرجح إلى درجة أعلى من التكامل الاقتصادي والمالي الفريد من نوعه (وبخاصة بين بلدان منطقة اليورو)، بما في ذلك التنسيق الملزم للموازنات الوطنية، والمزيد من التنسيق الاقتصادي، وفي النهاية أيضاً شكل محدود من أشكال تبادلية الديون. أو بعبارة أخرى، سوف يتطلب حل الأزمة "المزيد من أوروبا"، ولو أن توقع النتيجة النهائية أمر مستحيل، وذلك لأنها سوف تنجم عن عملية معقدة تهدف إلى التوفيق بين المواقف المتباينة والمتضاربة سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو بين بلدان منطقة اليورو.
ولقد طلب زعماء الاتحاد الأوروبي من هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، أن يعمل بالتعاون مع رؤساء المفوضية الأوروبية، والمجموعة الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، على رسم خريطة طريق لتحقيق غاية "الاتحاد الاقتصادي والنقدي الحقيقي". ومن المنتظر أن يحدد التقرير النهائي، الذي يفترض تسليمه في ديسمبر/كانون الأول 2012، الخطوات الإضافية التي يمكن اتخاذها على أساس من معاهدات الاتحاد الأوروبي القائمة، والتدابير التي تحتاج إلى إدخال تعديلات على المعاهدات.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
وفي ضوء الأزمة الملحة، فإن بعض الخطوات الأكثر إلحاحاً من أجل تحقيق مستوى أعلى من التكامل الاقتصادي والمالي، وهو الأمر غير القابل للتنفيذ بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي الحالية، قد تتطلب اتخاذ ترتيبات إضافية بين الحكومات خارج إطار معاهدة الاتحاد الأوروبي. ولا ينبغي لهذا التوجه أن يمثل هدفاً في حد ذاته، ولكنه قد يكون شراً لابد منه لتفادي خطر انهيار اليورو.
ولكن من أجل استعادة التماسك المؤسسي، واليقين القانوني، والمساءلة الديمقراطية، فلابد من دمج العناصر الرئيسية في "الميثاق المالي" وأية اتفاقيات أخرى تُبرَم في المستقبل بين حكومات الاتحاد الأوروبي في القانون الأساسي للاتحاد في أقرب وقت ممكن. وسوف يتطلب التحرك نحو تأسيس اتحاد اقتصادي ونقدي حقيقي أيضاً المزيد من الإصلاحات المؤسسية الجوهرية. ولا ينبغي لهذه العملية أن تقتصر على الحكومات، بل لابد أن تضم أيضاً البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية في إطار اتفاقية أوروبية أخرى.
وسوف يستلزم المستوى الأعلى من التكامل الاقتصادي والمالي والسياسي أيضاً تعديل الدساتير الوطنية. ومن المحتم أن يتطلب التصديق على معاهدة الاتحاد الأوروبي الجديدة وتعديل الدساتير الوطنية إجراء استفتاءات في عدد من الدول. ونظراً لرفض الناخبين الهولنديين والفرنسيين للمعاهدة الدستورية للاتحاد الأوروبي في عام 2005، وشعور المواطنين الأوروبيين بالإحباط المتزايد إزاء الاتحاد وإدارته الرديئة، فإن النتيجة سوف تكون غير مؤكدة إلى حد بعيد. ولكنها مجازفة لابد من خوضها. والواقع أن مخاطر انهيار اليورو أو الخروج المحتمل من العملة الموحدة قد يتبين أنها حجج قوية بالقدر الكافي "لإقناع" غالبية الأوروبيين بالتصويت بالقبول.
وسوف يكون سيناريو "التخبط الطموح" طويلا، ووعرا، بل وخطراً في بعض الأحيان، وقد ينتهي في الأغلب إلى وجهة تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن توقعات اليوم. ولكن قبل أن يبدأ الاتحاد الأوروبي هذه الرحلة الحتمية وغير المؤكدة النتائج، فيتعين على مؤسساته ودوله (بدعم نشط من البنك المركزي الأوروبي!) أن تعمل على تأسيس شبكة أمان قادرة على حماية اليورو والاتحاد ذاته من الانكفاء على وجهه عندما يجد الجد في السنوات المقبلة.
وفي كل الأحوال فإن أزمة الديون من المرجح أن تستمر في توليد الضغوط الاقتصادية والمالية والسوقية المباشرة. ولكن الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء سوف يكون لزاماً عليها أيضاً أن تتغلب على الأضرار الجانبية الناجمة عن الأزمة ــ عواقبها غير المقصودة وغير المتوقعة على المستويين الأوروبي والوطني.
وتشتمل هذه الأضرار على ارتفاع المشاعر القومية والشعبوية المناهضة لليورو والاتحاد الأوروبي، والتحديات الاجتماعية المتصاعدة في العديد من الدول الأعضاء، و"العجز الديمقراطي" المتزايد هناك وفي الاتحاد الأوروبي، والأجواء المسمومة بين بلدان الاتحاد الأوروبي، والافتقار إلى التحالفات القيادية الفعّالة المستقرة القادرة على الدفع في نفس الاتجاه. وكل هذا قد يؤدي إلى طريق مسدود، وهو ما قد يرقى في البيئة الحالية إلى الرجوع إلى الخلف، ويهدد ليس فقط التوقعات بشأن مستقبل التكامل الأوروبي بل وأيضاً منجزاته الماضية.
في ظل هذه الظروف، يصبح "التخبط الطموح" بمثابة السيناريو الأكثر ترجيحاً والأكثر تبشيرا. ولن يكون الأمر سهلاً يسيرا، ولن يسمح بأي وقت للشعور بالرضا عن الذات، نظراً للاحتمالات المرجحة ببقاء الاتحاد الأوروبي في وضع الأزمة لبعض الوقت. ولكن لعل ذلك السبيل الوحيد لإبقاء أوروبا على مسارها نحو الأمام.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali