mottley8_CHEWY LINAFP via Getty Images_islandclimatechange Chewy Lin/AFP via Getty Images

العمل المناخي يتطلب أُخوَّة عالمية

بريدجتاون ــ يُـلقي الخطر المرتبط بأزمة المناخ التي تهدد وجودنا بظلاله الكئيبة على كوكبنا. والتأثيرات التي تخلفها هذه الأزمة ليست موزعة بالتساوي: فالبلدان الـمُـعَـرَّضة للخطر، وبخاصة الدول الجزرية الصغيرة النامية مثل بلدي، تقع على الخطوط الأمامية. إذ يتعين علينا أن نتعامل مع مستويات سطح البحر المتزايدة الارتفاع، وأحداث الطقس القاسية المتزايدة التواتر والشِـدّة، وتدمير سبل معايشنا. للتصدي لهذه التحديات وتعزيز قدرة شعوبنا وأنظمتنا على الصمود، كان لِـزاما على عدد كبير من القادة، وأنا منهم، إعادة تشكيل السياسات وإعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والمحكومين.

في حين قد يؤثر ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل مباشر على 250 مليون شخص بحلول نهاية هذا القرن، فإنه بالفعل واقع يعيشه عشرات الملايين في البلدان الساحلية المنخفضة والدول الجزرية الصغيرة النامية. وفي أماكن أخرى، يعاني الناس من موجات الجفاف المطولة والحرائق. هذه القوى تُـعَـرِّض أراضينا، واقتصاداتنا، ووجودنا ذاته للخطر، والتصدي لها لا يتطلب تدابير عاجلة فحسب، بل يستلزم أيضا تحولا جوهريا في وعينا العالمي ــ الاعتراف بإنسانيتنا المشتركة ومصيرنا المتشابك. ببساطة، تتطلب هذه الأزمة التضامن العالمي.

بصفتي واحدة من الـمُـكَـرَّمين بجائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2025، أعتقد أن الاعتراف بمسؤوليتنا عن رعاية بعضنا بعضا يشكل عنصرا أساسيا في الاستجابة المناخية ولا يقل أهمية عن التدابير العلمية، والتكنولوجية، والمالية، والدبلوماسية. فكما تدعم الأسرة أكثر أفرادها ضعفا، كذلك يتعين على المجتمع العالمي أن يلتف حول تلك البلدان التي تتحمل وطأة أزمة لم يكن لها يد في خلقها.

الواقع أن الهيكل المالي العالمي بصورته الحالية غير مؤهل لمعالجة أزمة المناخ. فقد كان مصمما لعصر مختلف لم يفكر في الترابط المتبادل بين اقتصاداتنا أو أنظمتنا البيئية أو مخاطر الانحباس الحراري الكوكبي. على سبيل المثال، جرى إنشاء مؤسسات بريتون وودز قبل أكثر من 80 عاما لمساعدة الاقتصادات الأوروبية على التعافي من الحرب العالمية الثانية.

لكن حجم أزمة المناخ غير المسبوق ومدى إلحاحها يتطلب نهجا جديدا لتحرير التمويل الذي تحتاج إليه البلدان النامية لتغطية تكاليف جهود التخفيف والتكيف. ويجب إصلاح النظام لجعل التنمية المستدامة، والقدرة على التكيف مع المناخ، والوصول العادل إلى التمويل على رأس أولوياته. هذه ليست صَدَقَة؛ بل استثمار في مستقبلنا الجماعي. فعندما يُترك بعض الناس ليموتوا، ستعاني البشرية جمعاء ــ في الحاضر والمستقبل ــ في نهاية المطاف.

تدعو مبادرة بريدجتاون، التي أيدتها بلدان عديدة معرضة للخطر، بنوك التنمية المتعددة الأطراف إلى توسيع قدرتها على الإقراض وضمان أن تعكس الأطر التي تستعين بها في تقييم المخاطر حقائق الضعف في مواجهة المناخ. تدعو المبادرة أيضا إلى زيادة التمويل الميسر، مع الاعتراف بأن المنح والقروض المنخفضة الفائدة تشكل ضرورة أساسية للبلدان التي تواجه صعوبة شديدة في التعامل مع الطوارئ المناخية. كما تقترح المبادرة آليات مبتكرة مثل مقايضة الديون مقابل الطبيعة والعمل المناخي، على النحو الذي يوفر مسارا لتخفيف عبء الديون مع توليد الموارد المالية التي تحتاج إليها البلدان المعرضة للخطر ليتسنى لها تولي زمام الأمور في تحوّلها المناخي وبناء اقتصادات ومجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

لكن التمويل وحده لا يكفي. فنحن في احتياج إلى نقلة نوعية في كيفية فهمنا للتنمية، والانتقال من السعي الضيق الأفق وراء تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نهج أكثر شمولية يقدّر العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، ورفاهة البشر. وهذا يتطلب إعادة التفكير بشكل جوهري في نماذجنا الاقتصادية. إن النمو بلا نهاية على كوكب محدود الموارد أمر غير ممكن ببساطة. يتعين علينا أن نتبنى اقتصادا دائريا يساعد في تحسين كفاءة الموارد، ويقلل من النفايات، ويعزز الاستهلاك المستدام.

يتوقف مثل هذا التحول في نهاية المطاف على الأُخـوَّة العالمية. يجب أن ندرك أن أفعالنا، في عالم مترابط، تخلف عواقب على آخرين، وأن حماية كوكبنا مسؤولية مشتركة. وهذا يعني التوزيع العادل للعبء الذي يفرضه تغير المناخ، بحيث لا يعاني أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في المشكلة من أسوأ آثارها.

لقد علّمتني قيادة دولة جزرية صغيرة مثل بربادوس دروسا قيّمة حول قوة المجتمع والمرونة، فضلا عن أهمية الرؤية البعيدة الأمد. لقد تعلمنا بالطريقة الصعبة كيف نتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة والإبداع في مواجهة الشدائد. وتوصلنا إلى إدراك قيمة تمكين المجتمعات المحلية من تولي زمام جهود التكيف والحلول القائمة على الطبيعة في بناء القدرة على الصمود. هذه الدروس الـمُـستقاة من الضرورة ليست حكرا على بربادوس، بل من الممكن أن ترشد جميع البلدان، بصرف النظر عن حجمها أو ثروتها، نحو مستقبل أكثر استدامة.

لقد قلت مرارا وتكرارا إن العالم ينظر إلى الدول الجزرية الصغيرة النامية باعتبارها قائدة في إدارة أزمة المناخ ليس لأننا أغنياء أو أقوياء، بل لأننا لا نملك تَـرَف اختيار أي شيء غير القيادة. والحقيقة التي لا يمكن التهرب منها هي أننا لم يعد بإمكاننا أن نقف وحدنا: بل يجب على الجميع الانضمام إلى الكفاح من أجل حماية الكوكب لأجيال قادمة.

إن أزمة المناخ ليست مجرد مشكلة بيئية، بل هي تحدٍ عالمي يتطلب استجابة جماعية. لا يمكننا أن نتحمل عواقب الانقسام بسبب حدود وطنية، أو أيديولوجيات سياسية، أو مصالح اقتصادية. هذا اختبار عميق لإنسانيتنا المشتركة، وسوف نحتاج إلى التضامن العالمي ــ أي إلى أشخاص عاديين يتخذون إجراءات كل يوم ــ لاجتيازه.

 ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/hK4UuOkar