arezki10_RAJESH JANTILALAFP via Getty Images_southafricaprotest Rajesh Jantilal/AFP via Getty Images

مخاطر التضخم الخفية في العالم النامي

أبيدجان/باريس- نظرا لأن الاقتصاد العالمي بدأ يتجاوز أزمة كوفيد-19، ستكون إدارة مخاطر التضخم أصعب في البلدان النامية منها في الاقتصادات المتقدمة. وهذا يعكس طبيعة الصدمات التي تؤدي إلى التضخم وعدم استعداد البلدان ذات الدخل المنخفض للاستجابة لها بصورة حاسمة. ومن ثم، فإن مجموعة من الصدمات ونقاط الضعف المحددة يمكن أن تهدد على نحو خطير الاستقرار الاقتصادي والازدهار في هذه البلدان.

فبادئ ذي بدء، تعد البلدان النامية أكثرعرضة للصدمات البيئية، التي ستصبح أكثر تواتراً وشدة بسبب تغير المناخ. وتحدث الأحداث المناخية المتطرفة في الواقع أثر صدمات إمدادات سلبية، مما يتسبب في انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار- وهي أصعب الظروف بالنسبة لواضعي السياسات النقدية. وتواجه العديد من البلدان، بما في ذلك نيجيريا، وسريلانكا، ارتفاعًا هائلاً في أسعار المواد الغذائية، في حين أن الجفاف في مدغشقر والمجاعة التي أعقبته تذكير صارخ آخر بضعف البلدان النامية الأفريقية.

والاقتصادات النامية هي أيضا أكثر عرضة للصدمات المالية. وعاجلاً أم آجلاً، ستعود السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة إلى طبيعتها. وبناء على التجربة السابقة، يُتوقع أن تشهد العديد من الأسواق الناشئة والبلدان الفقيرة تدفقات رأسمالية هائلة نحو الخارج. وقد يكون شبح هروب رأس المال بارزاً بصورة خاصة في أكثر الاقتصادات فقراً، خاصة إذا كان مصحوباً بانخفاض في المعونات الإنمائية. وتجلب مثل هذه الوقفات المفاجئة معضلات متصلة بالسياسة الخاصة، خاصة الضغط الهبوطي على أسعار الصرف. ويمكن لواضعي السياسات إما السماح لعملاتهم بالانخفاض، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم، أو رفع أسعار الفائدة، مما قد يؤثر سلبًا على النمو والقدرة على تحمل الديون.

وسيكون كلا النوعين من الصدمات التضخمية اختبارًا قاسيا لصانعي السياسة النقدية في البلدان الفقيرة. إذ يفتقر العديد منهم إلى ما يلزم من خبرة وسجل إنجاز لكي يضمنوا مصداقيتهم وتثبيت توقعات التضخم. ومن ثم، يمكن أن تتطور عدة حلقات ردود فعل سلبية. وبالنسبة للبلدان التي لها الكثير من الديون المقومة بالعملات الأجنبية، يمكن أن يؤدي انخفاض سعر الصرف إلى عدم تطابق فادح للعملة، مما يؤدي إلى أزمة ديون وزيادة التضخم. وقد يكون لإلغاء تثبيت توقعات التضخم تداعيات أخرى على الأنظمة المالية التي تعاني من الضعف أصلا في الاقتصادات النامية.

وفضلا عن ذلك، غالبا ما يستمر التضخم لفترة طويلة بعد تخفيضات أسعار الصرف. وغالبا ما تؤدي سياسات تحويل الإنفاق التي تهدف إلى استبدال الواردات المتزايدة التكلفة بسلع محلية أرخص ثمناً إلى نمو متواضع وتضخم يرتفع باستمرار. وقد أدى ذلك إلى تراجع القوة الشرائية للأسر، مما أدى إلى تفاقم الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.

وتملك البلدان النامية نفسها جزءا من الاستجابة السياسية لمخاطر التضخم هذه. إذ من شأن إطار السياسة المالية الموثوق به أن يقطع شوطا طويلا نحو تثبيت التوقعات والقضاء على مخاطر الهيمنة المالية. ورغم أن ضبط أوضاع المالية العامة في خضم الوباء غير مناسب، إلا أن الرقابة على الفساد بصرامة أكثر وتقليل التسربات من شأنهما أن يساعدا على ضمان وصول الإنفاق العام إلى المستفيدين المقصودين منه، وزيادة تأثيره إلى أقصى حد.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ويكلف الفساد الاقتصادات النامية ما يقدر بنحو 1.3 تريليون دولار في السنة، أو ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا جنوب الصحراء. وينبغي أن تدفع أزمة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 حكومات البلدان النامية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد إساءة استخدام الأموال العامة. وسيخلق ذلك حيزًا ماليًا لتخفيف أثر التضخم على أفقر الأسر مع تمهيد الطريق نحو التعافي والنمو الاقتصادي المستدام.

ولكن يمكن للمجتمع الدولي أيضًا أن يساعد البلدان ذات الدخل المنخفض في التغلب على المزالق التضخمية. وفي مثل هذه الحالات ، يعتمد استقرار الاقتصاد الكلي في أفقر البلدان إلى حد كبير على التمويل الخارجي. ومن ثم، فإن المجتمع الدولي بحاجة ماسة إلى دعم الاحتياطيات الدولية للاقتصادات النامية من أجل دعم عملاتها وترويض مخاطر التضخم. ورغم أن الضغوط التضخمية لازالت عموما تحت السيطرة في الوقت الحالي، قد يتجسد خطر التضخم في هذه الاقتصادات بطرق غير خطية. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي استنفاد الاحتياطيات الدولية المستمر إلى انخفاض قيمة عملة البلد بصورة مفاجئة. وقد يؤدي هذا إلى حدوث تضخم متصاعد، خاصة إذا كانت السلطات تفتقر إلى المصداقية لترسيخ التوقعات.

إن تسارع التضخم، إلى جانب تدهور آفاق النمو والتوظيف، سيعرض الاقتصادات النامية لنوع من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي شوهد مؤخرًا في تونس، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا، والسنغال. والاقتصاد العالمي في غنى عن الآثار غير المباشرة لمثل هذه الاضطرابات في مرحلة تعافيه من الوباء.

ولحسن الحظ، يمثل التخصيص الجديد لحقوق السحب الخاص الذي أصدره صندوق النقد الدولي مؤخرًا بقيمة 650 مليار دولار فرصة مثالية لمساعدة الاقتصادات النامية. ورغم أن حقوق السحب الخاصة يُنظر إليها بصورة متزايدة (وعن حق) على أنها أداة إنمائية، إلا أنها في الأساس أصل احتياطي يمكن أن يكون له فوائد مهمة لمكافحة التضخم. إن ضمان تحويل المزيد من حقوق السحب الخاصة الجديدة من الاقتصادات المتقدمة إلى البلدان النامية سيعزز الاحتياطيات الدولية للبلدان الفقيرة، ومن ثم، يساعد على حماية مليارات الأشخاص من مخاطر التضخم. وهذا بدوره سيوفر مساحة للسلطات الوطنية والقطاع الخاص للعمل بصورة حاسمة من أجل إعادة إشعال جذوة النمو والحد من الفقر.

لا يزال جزء كبير من العالم النامي يعاني من الوباء. ولكن قبل التصدي لفيروس كورونا، قد يتعين على صانعي السياسة النقدية معالجة تهديدات التضخم الخطيرة المحتملة. ويجب أن يبدأوا في الاستعداد لذلك الآن.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/dFXIzFcar