الفحم والفساد

فانكوفر ــ ذات يوم، شبه خوان بابلو بيريز ألفونسو، وهو أحد مؤسسي منظمة أوبك، استخدام العالم للوقود الأحفوري بـ"الغرق في براز الشيطان". وهناك بكل تأكيد الكثير من الأدلة التي تدعم توقعاته بأن صناعة الوقود الأحفوري، بكل تأثيرها المفسد، سوف "تجلب علينا الخراب". والواقع أن قصص الفساد المرتبطة بالفحم منتشرة في مختلف أنحاء العالم، وهي تسلط الضوء على المساحة الغامضة الملتبسة بين "غير القانوني" و"غير اللائق" حيث تعمل الصناعات الاستخراجية.

في العام الماضي، في ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، حققت اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد مع اثنين من وزراء حزب العمل السابقين، عيدي عبيدي وإيان مكدونالد بتهمة التآمر للاحتيال على الدولة لإصدار تراخيص بعدة ملايين من الدولارات للتنقيب عن الفحم واستخراجه. واليوم، تجري اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد تحقيقاً أبعد مدى وأشد تعقيداً في تصرفات عدد من الشخصيات من حزب العمل الأسترالي والائتلاف الليبرالي/الوطني، بما في ذلك محاباة مصالح الشركة الأسترالية القابضة للمياه، وهي من كبريات شركات البنية الأساسية.

وفي الشهر الماضي، وجدت المحكمة العليا في الهند أن 218 رخصة لاستخراج الفحم خصصتها الحكومة في الفترة 1993-2009 قد تم منحها بطريقة "غر قانونية وتعسفية"، مع افتقار اللجنة المسؤولة عن العملية إلى الشفافية وتمكن الفساد منها. وفي أعقاب هذا القرار التاريخي، ألغت الحكومة 214 من مخصصات كتلة الفحم ــ وغرمت العديد من الشركات التي بدأت الإنتاج بالفعل.

ومن جانبها، تبدأ إندونيسيا بهمة في إلغاء عقود 17 شركة منتجة للفحم لم تدفع الرسوم الحكومية المحددة. ومنذ بداية هذا العام، كانت لجنة مكافحة الفساد هناك تركز على الصناعات الاستخراجية، بما في ذلك مسؤولين حكوميين سهلوا أنشطة غير مشروعة لبعض شركات التعدين.

وعلى نحو مماثل، بدأت حملة مكافحة الفساد المستمرة في الصين ــ وهي الأضخم في التاريخ الحديث ــ في التركيز على صناعة الفحم. وفي الشهر الماضي، وجهت إلى اثنين من مسؤولي الحزب الشيوعي من إقليم شانشي الغني بالفحم تهمة الفساد وإساءة استخدام السلطة، وهو ما يشير إلى أن إقليم شانشي قد يصبح في صدارة المساعي التي يبذلها الرئيس الصيني شي جين بينج لاستئصال الفساد المستشري في صفوف الحزب. وكما وصف الإقليم مؤخراً الصحافي السابق جاو كين رونج من إقليم شانشي فإن "الإقليم لديه فحم؛ والفحم يجلب المال؛ والمال يجلب الفساد".

وتبرز هذه القصص حقيقة بسيطة: فحيثما تعمل صناعة الفحم، تتفشى الرشوة والفساد في الأرجح. ولكن استمرار هذه الحال ليس بالضرورة الحتمية. فمن أجل الحد من هذا الفساد ــ إن لم يكن القضاء عليه تماما ــ لابد أولاً من علاج العديد من نقاط الضعف الجوهرية التي تعيب عملية تنظيم الكيفية التي يتم بها تخصيص عقود التنقيب والاستخراج.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

فبادئ ذي بدء، بدلاً من إدارة عمليات المناقصة المفتوحة النزيهة والشفافة، كثيراً ما تمكن الحكومات وزراءها من اتخاذ القرار بشأن الشركات التي يتم تخصيص عقود استكشاف واستخراج الوقود الأحفوري المربحة لصالحها، ولا يتم الإفصاح عن تضارب المصالح. وفي واقع الأمر، هناك باب دوار غير محروس بين السياسات والصناعة الاستخراجية، حيث يُسمَح بالتبرعات السياسية. أخيرا، وبرغم أن الدول هي المسؤولة عن التنظيم، فإنها أيضاً تتلقى الرسوم والضرائب في مقابل بيع مواردها، وهو الوضع الذي يميل إلى إضعاف فعالية الهيئات التنظيمية.

إن المفتاح إلى معالجة كل هذه المشاكل يتلخص بطبيعة الحال في زيادة الشفافية. وإلا فإن الفساد يستشري وينمو ــ مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة حقيقية. ففي مختلف أنحاء العالم، كان الفساد سبباً في إضعاف الأجهزة التنظيمية البيئية، وتقويض قدرة المواطنين على إحداث التغيير، والاستهزاء بالعملية الديمقراطية.

لا شيء من هذا قد يكون مفاجئا. والواقع أن البلدان الغنية بالموارد، مثل غينيا الاستوائية والسودان، تميل إلى الأداء بشكل أسوأ على المستوى الاقتصادي، وتشهد قدراً أكبر من الصراعات العنيفة مقارنة بالبلدان التي تفتقر إلى الموارد ــ وهي الظاهرة التي اشتهرت بوصفها "لعنة الموارد".

ويلعب الفساد دوراً كبيراً في هذه اللعنة. ذلك أن ثروة الموارد الطبيعية تعزل القادة عن المساءلة، في حين تقدم لهم إمكانية تحقيق مكاسب مالية شخصية كبيرة على حساب بقية البلاد. وإذا هيمنت شركات أجنبية متعددة الجنسيات على قطاعات الاستخراج وسُمِح لها بإخراج أرباحها من البلاد بدلاً من استثمارها محليا، فإن المواطنين العاديين لا يحصلون على أي منفعة تقريباً من القطاع الاقتصادي الأكبر والأكثر ربحية في بلادهم غالبا.

وعلاوة على ذلك، فإن الاقتصادات التي تعتمد على صادراتها من الموارد الطبيعية تصبح عُرضة لتقلبات حادة في الأسعار، الأمر الذي يجعل من العائدات الحكومية والإمدادات من النقد الأجنبي مصادر لا يمكن التعويل عليها. وبالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص فإن هذا من شأنه أن يجعل التورط في مثل هذه البلدان محفوفاً بالمخاطر.

وإذا كانت دولة مثل أستراليا، والتي تحظى بمجتمع مدني نشط ونظام ديمقراطي قوي، تناضل ضد الكسب المشروع المنتشر على نطاق واسع بين مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، فلا أحد يستطيع أن يزعم أن أي بلد في مأمن من التأثير المفسد للصناعات الاستخراجية. والأسوأ من ذلك، كما هي الحال غالبا، أن الأشخاص الأكثر معاناة من الأنشطة المبهمة وغير العادلة التي تمارسها الصناعات الاستخراجية ــ ناهيك عن التصرفات الأنانية من قِبَل المسؤولين الفاسدين ــ هم أولئك الأقل تحملاً لها.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/obFL0nXar