واشنطن، العاصمة ــ تعمل الاتجاهات العالمية على إعادة تشكيل الكيفية التي تتناول بها الشركات قضية الاستدامة. فمن ناحية، يدفع المستهلكون والمستثمرون الشركات إلى رفع معاييرها، ومن ناحية أخرى تعمل التحولات التكنولوجية على توليد المزيد من المعلومات المحسنة بشكل أسرع، مما يتيح مستويات غير مسبوقة من الشفافية والمساءلة.
ولن نجد لهذه الحقائق مثالاً أوضح من إدارة غابات العالم.
تُعَد الغابات مورداً بالغ الأهمية والحيوية. ولكنها اليوم ترزح تحت ضغوط هائلة، نظراً للطلب المتزايد على الغذاء والوقود والألياف. فعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، خسر العالم مساحات من الغابات تعادل خمسين ملعب كرة قدم في المتوسط كل دقيقة. وكثيراً ما تفرض المعلومات الهزيلة ذات النوعية الرديئة وغير المحدثة التحديات حتى على الشركات التي تتحلى بأفضل النوايا.
لكن الزمن يتغير. فالعديد من الشركات تحول اهتمامها نحو الغابات، فتبذل تعهدات قوية وترسي الأساس لتوقعات واضحة لدى مورديها. على سبيل المثال، تعهد منتدى السلع الاستهلاكية، وهو يتألف من مجموعة من أكثر من 400 تجار التجزئة والمصنعين وغير ذلك من المنظمات، بحشد الموارد للمساعدة في تحقيق هدف الصفر الصافي من إزالة الغابات بحلول عام 2020. ومن أجل تحقيق هذه الغاية وتلبية تعهداتها بمكافحة إزالة الغابات، تتحرك عِدة شركات، بما في ذلك شركة نستله، نحو سلاسل العرض التي يمكن تتبعها بشكل كامل.
وسوف تحدد إمكانية تتبع بعض السلع الأساسية ــ بما في ذلك زيت النخيل وفول الصويا وعجينة الورق ــ مدى نجاح أجندة مكافحة إزالة الغابات في المجمل. وسوف يتطلب تحقيق هدف التتبع توظيف أفضل الممارسات على طول سلسلة العرض. وقد اتخذت العديد من الشركات بالفعل خطوات لزيادة مستوى الوضوح داخل سلاسل العرض الخاصة بها. ومن الأهمية بمكان الآن تجاوز ممارسات الشركات وتبني معايير التتبع على مستوى الصناعة بالكامل عبر هذه السلع الأساسية.
ولا تقتصر الحوافز التي تحرك كبار رجال الأعمال على العملاء والمستثمرين الذين يطالبون بقدر أكبر من المساءلة فحسب، فهناك أيضاً المخاطر المادية المرتفعة التي تنطوي عليها عملياتهم. وتعمل آليات إعداد التقارير مثل برامج CDP لسلاسل العرض وبرامج الغابات على تشجيع الشركات على كشف المزيد من المعلومات للرأي العام. وتتنافس الشركات على ابتكار استراتيجيات أفضل لإدارة المخاطر وتحديد التدابير التي من شأنها أن تساعد الكوكب ونتائجها النهائية.
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
ومن ناحية أخرى، دخل العالم عصراً من التقدم التكنولوجي المذهل. وقد خفضت "الحوسبة السحابية" الوقت اللازم لتحليل كميات هائلة من مجموعات البيانات المعقدة بشكل كبير. وتطوف الأقمار الصناعية بكوكب الأرض لترسل إليه الصور عدة مرات في اليوم الواحد. ويعني التواصل العالمي من خلال أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية تمكين الناس في كل مكان من الحصول على المعلومات أولاً بأول في غرف معيشتهم أو نومهم، وحتى كفوف أيديهم.
وتلتقي كل هذه الاتجاهات حول المراقبة العالمية للغابات، وهي ديناميكية جديدة تتولى الرصد والتحذير بقيادة معهد الموارد العالمية وأكثر من أربعين شريكا. واعتماداً على محركات جوجل إيرث، التي عملت على تحويل أكبر مجموعة من البيانات عن الغابات في العالم إلى صور حية، تزود المراقبة العالمية للغابات الشركات بأحدث المعلومات، وتمكنها من الاطلاع على الكيفية التي تؤثر بها عملياتها على الغابات وتوضح لها أين تكمن أوجه القصور التي تعيب أعمالها. وقد أصبح كل هذا أسرع وأرخص من أي وقت مضى.
ولنتأمل هنا زيت النخيل، وهو أحد أكثر المحاصيل الغذائية انتشاراً في العالم ــ ما يقرب من نصف المنتجات التي تباع في محال البقالة يحتوي على زيت النخيل ــ وتبلغ قيمة الصناعات المرتبطة به 44 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم. وفي حين يمكن إنتاج زيت النخيل بشكل مستدام، فإن إنتاجه يشكل حالياً الدافع الرئيسي وراء إزالة الغابات في إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان الاستوائية.
والآن، مع المراقبة العالمية للغابات، سوف تتمكن الشركات التي تنتج وتستخدم زيت النخيل البرهنة على أن منتجاتها لا تساهم في إزالة الغابات. وبوسع المشترين والتجار أن يستكشفوا بسرعة عمليات إزالة الغابات وأن يحددوا ما إذا كانت قانونية ومناسبة. وبوسعهم حينئذ أن يتخذوا الإجراءات اللازمة، بما في ذلك تعليق الموردين إذا لزم الأمر.
وهذه ليست سوى البداية. ففي الوقت الحالي يجري اختبار أقمار صناعية جديدة قادرة على جمع الصور بدقة أعلى. كما يجري تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة التي من شأنها أن تمكن الناس من جمع وتوزيع معلومات أفضل جودة وتعبئة العمل المطلوب.
والشركات ليست المستفيد الوحيد. فالحكومات أيضاً تكتشف سبل جديدة لتتبع السياسات وتعزيز آليات الإنفاذ، وسوف تتمكن المجتمعات التي تعتمد على الغابات من الاطلاع بسهولة أكبر على ما يجري في محيطها وتحذير الآخرين. ومن الممكن أن تعمل الشركات والحكومات والمجتمعات بشكل جماعي تعاوني لإنشاء الاستراتيجيات العملية التي من شأنها أن تساعد بلدان الغابات على الحفاظ على أصولها الطبيعية وتلبية أهداف التنمية الاقتصادية في الوقت نفسه.
في عالم حيث الأنباء عن الموارد الطبيعية قاتمة غالبا، تقدم هذه التطورات أملاً جديدا. وقد ولَّت الأيام التي كانت الشركات والحكومات تفتقر فيها ببساطة إلى المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة. وبات من الممكن الآن إخضاع العناصر السيئة للمساءلة وتشجيع العناصر الطيبة على تحسين عملها. وفي هذا العصر الجديد لم يعد العمل كالمعتاد يشكل تجارة مربحة.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
At the end of a year of domestic and international upheaval, Project Syndicate commentators share their favorite books from the past 12 months. Covering a wide array of genres and disciplines, this year’s picks provide fresh perspectives on the defining challenges of our time and how to confront them.
ask Project Syndicate contributors to select the books that resonated with them the most over the past year.
واشنطن، العاصمة ــ تعمل الاتجاهات العالمية على إعادة تشكيل الكيفية التي تتناول بها الشركات قضية الاستدامة. فمن ناحية، يدفع المستهلكون والمستثمرون الشركات إلى رفع معاييرها، ومن ناحية أخرى تعمل التحولات التكنولوجية على توليد المزيد من المعلومات المحسنة بشكل أسرع، مما يتيح مستويات غير مسبوقة من الشفافية والمساءلة.
ولن نجد لهذه الحقائق مثالاً أوضح من إدارة غابات العالم.
تُعَد الغابات مورداً بالغ الأهمية والحيوية. ولكنها اليوم ترزح تحت ضغوط هائلة، نظراً للطلب المتزايد على الغذاء والوقود والألياف. فعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، خسر العالم مساحات من الغابات تعادل خمسين ملعب كرة قدم في المتوسط كل دقيقة. وكثيراً ما تفرض المعلومات الهزيلة ذات النوعية الرديئة وغير المحدثة التحديات حتى على الشركات التي تتحلى بأفضل النوايا.
لكن الزمن يتغير. فالعديد من الشركات تحول اهتمامها نحو الغابات، فتبذل تعهدات قوية وترسي الأساس لتوقعات واضحة لدى مورديها. على سبيل المثال، تعهد منتدى السلع الاستهلاكية، وهو يتألف من مجموعة من أكثر من 400 تجار التجزئة والمصنعين وغير ذلك من المنظمات، بحشد الموارد للمساعدة في تحقيق هدف الصفر الصافي من إزالة الغابات بحلول عام 2020. ومن أجل تحقيق هذه الغاية وتلبية تعهداتها بمكافحة إزالة الغابات، تتحرك عِدة شركات، بما في ذلك شركة نستله، نحو سلاسل العرض التي يمكن تتبعها بشكل كامل.
وسوف تحدد إمكانية تتبع بعض السلع الأساسية ــ بما في ذلك زيت النخيل وفول الصويا وعجينة الورق ــ مدى نجاح أجندة مكافحة إزالة الغابات في المجمل. وسوف يتطلب تحقيق هدف التتبع توظيف أفضل الممارسات على طول سلسلة العرض. وقد اتخذت العديد من الشركات بالفعل خطوات لزيادة مستوى الوضوح داخل سلاسل العرض الخاصة بها. ومن الأهمية بمكان الآن تجاوز ممارسات الشركات وتبني معايير التتبع على مستوى الصناعة بالكامل عبر هذه السلع الأساسية.
ولا تقتصر الحوافز التي تحرك كبار رجال الأعمال على العملاء والمستثمرين الذين يطالبون بقدر أكبر من المساءلة فحسب، فهناك أيضاً المخاطر المادية المرتفعة التي تنطوي عليها عملياتهم. وتعمل آليات إعداد التقارير مثل برامج CDP لسلاسل العرض وبرامج الغابات على تشجيع الشركات على كشف المزيد من المعلومات للرأي العام. وتتنافس الشركات على ابتكار استراتيجيات أفضل لإدارة المخاطر وتحديد التدابير التي من شأنها أن تساعد الكوكب ونتائجها النهائية.
HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
ومن ناحية أخرى، دخل العالم عصراً من التقدم التكنولوجي المذهل. وقد خفضت "الحوسبة السحابية" الوقت اللازم لتحليل كميات هائلة من مجموعات البيانات المعقدة بشكل كبير. وتطوف الأقمار الصناعية بكوكب الأرض لترسل إليه الصور عدة مرات في اليوم الواحد. ويعني التواصل العالمي من خلال أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية تمكين الناس في كل مكان من الحصول على المعلومات أولاً بأول في غرف معيشتهم أو نومهم، وحتى كفوف أيديهم.
وتلتقي كل هذه الاتجاهات حول المراقبة العالمية للغابات، وهي ديناميكية جديدة تتولى الرصد والتحذير بقيادة معهد الموارد العالمية وأكثر من أربعين شريكا. واعتماداً على محركات جوجل إيرث، التي عملت على تحويل أكبر مجموعة من البيانات عن الغابات في العالم إلى صور حية، تزود المراقبة العالمية للغابات الشركات بأحدث المعلومات، وتمكنها من الاطلاع على الكيفية التي تؤثر بها عملياتها على الغابات وتوضح لها أين تكمن أوجه القصور التي تعيب أعمالها. وقد أصبح كل هذا أسرع وأرخص من أي وقت مضى.
ولنتأمل هنا زيت النخيل، وهو أحد أكثر المحاصيل الغذائية انتشاراً في العالم ــ ما يقرب من نصف المنتجات التي تباع في محال البقالة يحتوي على زيت النخيل ــ وتبلغ قيمة الصناعات المرتبطة به 44 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم. وفي حين يمكن إنتاج زيت النخيل بشكل مستدام، فإن إنتاجه يشكل حالياً الدافع الرئيسي وراء إزالة الغابات في إندونيسيا وماليزيا وغيرهما من البلدان الاستوائية.
والآن، مع المراقبة العالمية للغابات، سوف تتمكن الشركات التي تنتج وتستخدم زيت النخيل البرهنة على أن منتجاتها لا تساهم في إزالة الغابات. وبوسع المشترين والتجار أن يستكشفوا بسرعة عمليات إزالة الغابات وأن يحددوا ما إذا كانت قانونية ومناسبة. وبوسعهم حينئذ أن يتخذوا الإجراءات اللازمة، بما في ذلك تعليق الموردين إذا لزم الأمر.
وهذه ليست سوى البداية. ففي الوقت الحالي يجري اختبار أقمار صناعية جديدة قادرة على جمع الصور بدقة أعلى. كما يجري تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة التي من شأنها أن تمكن الناس من جمع وتوزيع معلومات أفضل جودة وتعبئة العمل المطلوب.
والشركات ليست المستفيد الوحيد. فالحكومات أيضاً تكتشف سبل جديدة لتتبع السياسات وتعزيز آليات الإنفاذ، وسوف تتمكن المجتمعات التي تعتمد على الغابات من الاطلاع بسهولة أكبر على ما يجري في محيطها وتحذير الآخرين. ومن الممكن أن تعمل الشركات والحكومات والمجتمعات بشكل جماعي تعاوني لإنشاء الاستراتيجيات العملية التي من شأنها أن تساعد بلدان الغابات على الحفاظ على أصولها الطبيعية وتلبية أهداف التنمية الاقتصادية في الوقت نفسه.
في عالم حيث الأنباء عن الموارد الطبيعية قاتمة غالبا، تقدم هذه التطورات أملاً جديدا. وقد ولَّت الأيام التي كانت الشركات والحكومات تفتقر فيها ببساطة إلى المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة. وبات من الممكن الآن إخضاع العناصر السيئة للمساءلة وتشجيع العناصر الطيبة على تحسين عملها. وفي هذا العصر الجديد لم يعد العمل كالمعتاد يشكل تجارة مربحة.
ترجمة: أمين علي Translated by: Amin Ali