الشيخوخة، آخر الحدود

سان فرانسيسكو ـ حتى لو تصور الشباب أنهم خالدون، فلا يسعهم إلا أن يلاحظوا مدى السرعة التي تشيخ بها حيواناتهم الأليفة. فالجرو الذي نحصل عليه في طفولتنا يصبح متقدماً في السن عندما نصل إلى سن البلوغ. ولكن ما الذي يجعل أعمارنا أطول من أعمار الكلاب؟ لابد وأن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في جيناتنا، لأن الجينات هي في نهاية المطاف ما يجعلنا مختلفين عن الحيوانات الأخرى.

يفترض أن أعمارنا أطول من أعمار الكلاب لأننا أثناء تطور سلفنا المشترك، حدثت تغيرات جينية في نسبنا عملت على إبطاء سرعة تقدمنا في السن. وفي بحثهم عن الجينات المسؤولة عن التأثير على عملية الشيخوخة، بدأ الباحثون في تغيير جينات مفردة في أنواع محددة من الحيوانات، على أمل نسخ بعض ما قام به التطور من عمل بهذه البراعة.

وقد يتصور المرء أن العديد من الجينات لابد وأن تتغير حتى يمتد العمر لسنوات أطول ـ الجينات التي تؤثر على قوة العضلات، والتجاعيد، والخرف، وما إلى ذلك. ولكن الباحثين توصلوا إلى أمر مدهش حقا: فهناك جينات قد يؤدي تغييرها إلى إبطاء عملية الشيخوخة في الحيوان ككل فجأة.

على سبيل المثال، من الممكن بتغيير جين واحد مضاعفة عمر الدودة الطفيلية المدورة الصغيرة "سي. إليجانس"، الحيوان الذي تم تحديد هذا الجين لديه أول مرة، كما نجح علماء بنفس الطريقة في تمديد عمر الفئران، وهي من الثدييات مثلنا، بنسبة بلغت 50%. ولا يقل عن ذلك إذهالاً أن هذه الحيوانات المتغيرة الطافرة، التي تحتفظ بشبابها لفترة أطول، تميل إلى اكتساب المزيد من القدرة على الأمراض المرتبطة بالعمر، بما في ذلك السرطان، ومرض تكدس البروتين، وأمراض القلب.

ولكن كيف يتسنى لنا بتغيير جين واحد أن نفعل كل هذا؟ إن أغلب جينات طول العمر هي في واقع الأمر "جينات تحكم رئيسية"، والتي تمد العمر عن طريق تغيير أنشطة العديد من الجينات والعمليات التابعة. على سبيل المثال، عندما يتم إضعاف الجين داف2 (daf-2) في الدودة سي. إليجانس، يتضاعف عمر الدودة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تنشيط بروتين يسمى فوكس أو (FoxO). وهذا البروتين يعمل بدوره على تمديد العمر من خلال تنشيط مجموعة متنوعة من الجينات الواقية للخلايا، بما في ذلك الجينات المسؤولة عن تقوية الجهاز المناعي، وتحسين عملية إصلاح الحامض النووي، والتعجيل بإزالة البروتينات التالفة، وإبطال أو مقاومة التلف الناتج عن الأكسدة، ومساعدة البروتينات في الاحتفاظ بشكلها الصحيح. وبوسعك أن تفكر في البروتين (FoxO) باعتباره المشرف على البناء الذي يحرص على إطالة عمر البناية من خلال استئجار عمال متخصصين في تحصين وتعزيز وإصلاح السقف والأرضيات والنوافذ والأساس.

ويعمل الجين (daf-2)، الذي يسيطر على البروتين (FoxO)، على تشفير مستقبل للهرمون شبيه بمستقبلات الأنسولين و(IGF-1) في البشر. وكان من المعروف عن هذه الهرمونات لفترة طويلة أنها تستجيب للمغذيات والمنبهات الفسيولوجية، وهي ضرورية للحياة. وما توصل إليه الباحثون في الشيخوخة هو أن إضعافها بدرجة طفيفة يتسبب في إطلاق "إشارة خطر" (مثل الأخبار عن قرب قدوم إعصار)، وهو ما يعمل على تنشيط البروتين (FoxO) لتحصين الحيوان. والواقع أن هذا الاكتشاف بأن الحيوانات لديها قدرة كامنة تسمح لها بالحياة لفترة أطول من فترة حياتها عادة، لأنها لديها نظام متعدد الأوجه لحماية الخلية يمكن استحثاثه، يشكل اختراقاً علمياً جوهرياً من الممكن أن يغير حياتنا.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

إن آليات التحكم في العمر قد تكون هي ذاتها في كل الحيوانات. ومن الواضح أن منع الأنسولين أو الجينات (daf-2) المستقبلة لـ(IGF-1)، أو غيرها من الجينات المطلوبة لإفراز الأنسولين أو التأثير (IGF-1)، من الممكن أن يعمل على تمديد عمر الفأر، وبشكل كبير في بعض الأحيان. ومن المثير للاهتمام أن الاستيلاد الانتقائي للكلاب الصغيرة أسفر عن إنتاج حيوانات متحولة بفعل الهرمون (IGF-1)، والتي كما يمكننا أن نتوقع من بحث الشيخوخة، تعيش لمدة أطول كثيراً من الكلاب الأضخم حجما. (أحد الأدوار التي يلعبها الهرمون IGF-1 يتلخص في تشجيع النمو. ولكن الدراسات أثبتت أن إضعاف هذا الهرمون بدرجات طفيفة للغاية لتأثير (IGF-1) من الممكن أن يؤدي إلى زيادة عمر الحيوان، وبقدر ضئيل من التأثير على حجم الجسم).

والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو ما توصلت له إحدى الدراسات بأن البشر الذين يحملون أشكالاً أقل نشاطاً من الجين المستقبل للـ(IGF-1) من المرجح أن يعيشوا إلى سن المائة عام. فضلاً عن ذلك فإن متغيرات الحامض النووي في الجين البشري (FoxO) ترتبط بحالات طويلة العمر بشكل استثنائي في العدد من التجمعات السكانية في مختلف أنحاء العالم.

وإذا كانت الجينات المسؤولة عن العمر في الحيوانات تؤثر أيضاً على طول عمرنا، فهل نتمكن من تصنيع عقار يستهدف البروتين الذين تشفره لإبطاء الشيخوخة لدينا وحمايتنا من الأمراض المرتبطة بالسن؟

في الدودة إليجانس سي.، هناك العديد من الطرق الجزيئية المختلفة لتنشيط الجين (FoxO)، وتنشيط أكثر من جين واحد في نفس الوقت من الممكن أن يسفر عن زيادات هائلة في العمر (وربما ستة أضعاف). ولا أحد يدري ما إذا كان أي شيء من هذا القبيل قد يكون ممكناً في البشر، ولكن نحن أيضاً قد تحتوي أجسادنا على العديد من أهداف العقار المنشط للجين (FoxO) المختلفة.

في واقع الأمر، هناك بالفعل عقار قادر على تمديد حياة الفئران: فبتثبيط مستشعر آخر للمغذيات يدعى (Tor) تسنى لنا زيادة عمر كل الأنواع الحيوانية التي تم اختبارها حتى الآن (ولو أن الأمر لم يحسم بالنسبة للبشر بعد). وبحقن الفئران بالعقار رابامايسين، الذي يثبت المستشعر (Tor)، يمكن تمديد أعمارها حتى ولو كان الفأر متقدم في السن بدرجة كبيرة عند بداية العلاج. وليس من الواضح بعد ما إذا كان العقار رابامايسين قد يخلف نفس التأثير على البشر.

والآن يستخدم الرابامايسين لمنع الجهاز المناعي من رفض الأعضاء المزروعة. إن تثبيط الجهاز المناعي قد لا يكون مرغوبا، ولكن من المثير رغم ذلك أن الرابامايسين، كما قد نتوقع من مادة مضادة للشيخوخة، حصل على الموافقة كعلاج للسرطان، والآن تجرى التجارب عليه كعلاج لأمراض أخرى مرتبطة بالسن.

وبالإضافة إلى (Tor) و (FoxO)، فإن العديد من جينات ومسارات طول العمر الأخرى تم تحديدها في الحيوانات، وأي منها قد يؤثر على البشر. كما تم تحديد المزيد من جينات طول العمر من خلال دراسة المعمرين. وفي إحدى الدراسات، تبين أن المعمرين من المرجح أن يحملوا عدد من متغيرات معينة لجين مسؤول عن استقلاب الكولسترول، والذي يسمى (CETP)، أكثر من تلك التي يحملها الأشخاص الذين يتوفون في سن أصغر. والآن تجرى التجارب الإكلينيكية على العقاقير التي تستهدف البروتين الذي يشفره هذا الجين لعلاج أمراض الأوعية الدموية.

وأخيرا، قد تسفر الدراسات التي تجرى على القسيمات الطرفية للكروموزومات عن نهج مختلف تماما: عندما تتم إطالة هذه القسيمات الطرفية اصطناعياً في الفئران، فإنها تموت قبل الأوان بالسرطان. ولكن عندما تتم إطالة هذه القسيمات في الفئران المهندسة أيضاً لمقاومة السرطان فإن الفئران تعيش حياة أطول من حياتها الطبيعية.

من المدهش، على الرغم من خاصية "ينبوع الشباب" الخيالية التي تشتمل عليها هذه النتائج المختبرية، فإن الحقيقة المتمثلة في أن التغيرات الجينية البسيطة قادرة أيضاً على إبطاء الشيخوخة وإطالة عمر الحيوانات، ليست معروفة على نطاق واسع، فضلاً عن ذلك فإن تمويل هذه الأبحاث محدود للغاية. ولكن نظراً للجاذبية الأبدية التي تنطوي عليها فكرة الحياة الأطول والأكثر شباباً وصحة، فأظن أن هذا الوضع سوف يتغير قريبا.

https://prosyn.org/YyOJDEyar