حصة أفريقيا في الحوار الدائر بشأن المناخ

مابوتو، موزمبيق ـ في مختلف أنحاء أفريقيا، هناك مخاوف متنامية، نشارك فيها نحن الثلاث أيضاً. وتتلخص هذه المخاوف في أن تكون قارة أفريقيا موضع تهميش في المناقشات التحضيرية الرئيسية المؤدية إلى قمة كوبنهاجن لتغير المناخ والتي سوف تنعقد في هذا الشهر. ففي حين انصب التركيز الرئيسي على تأثير محاولات تخفيف تغير المناخ على البلدان الصناعية، تجاهلت المناقشات احتياجات التكيف الملحة لدى أفقر بلدان العالم في مواجهة كارثة محتملة، على الأقل فيما يتصل باتخاذ تدابير راسخة.

ولعل العالم يحتاج إلى من يذكره بأن أفريقيا هي القارة الأقل إسهاماً في تغير المناخ، ولكنها الآن باتت مرغمة على معايشة أشد عواقبه خطورة. والحق أن العلامات تنذر بالسوء بالفعل. فالأنماط المناخية تتغير؛ والأمطار لم تسقط في بعض المناطق؛ وهناك مساحات شاسعة من القارة كانت تعاني من جفاف شديد لم يسبق له مثيل.

إن الموقع الجغرافي لقارة أفريقيا، ومواردها المائية الحساسة، وأساليبها الزراعية غير المستدامة، واستغلال الشركات الأجنبية وغيرها من الشركات الخاصة لها يزيد من ضعفها. وإزالة الغابات من أجل الأخشاب والطاقة تساهم في تآكل التربة وتقليل خصوبتها. والصراعات باتت في ازدياد بسبب تنافس التجمعات السكانية سعياً إلى الفوز بالموارد النادرة. والواقع أن الصراعات في دارفور، والصومال، وكوت ديفوار، كانت راجعة جزئياً إلى نزاعات على الأراضي الزراعية والمراعي.

إن أفريقيا لن تتمكن من تسخير إمكاناتها إلا عن طريق التكيف مع تغير المناخ، بالاستعانة بآليات الحد من مخاطر الكوارث. فضلاً عن ذلك فإن أجزاءً من أفريقيا تمتلك إمكانات كامنة هائلة فيما يتصل بالتنمية الزراعية، التي يصب تشجيعها في مصلحتنا جميعاً. وإذا تمكنت التجمعات السكانية من أعادة زرع الغابات بدلاً من إزالتها، فإن هذا من شأنه أن يساعد في خلق مصائد لثاني أكسيد الكربون، وتحسين توازن المياه، وحماية المناخ الجزئي ـ وكل هذا سوف يصب بدوره في مصلحة الزراعة، والأمن الغذائي، والجهود الرامية إلى تخفيف التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ بأساليب مستدامة.

حين نقرأ التاريخ فسوف ندرك أن أوروبا لابد وأن تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن الوضع الراهن الذي تعيشه أفريقاً فيما يتصل بالتنمية. فقد خلَّفَت تجارة الرقيق، والاستعمار، ثم عملية انسحاب الاستعمار المعيبة، بصمات واضحة على الدول الأفريقية الهشة المستقلة حديثاً. والآن تسعى أوروبا المادية والعالم المتقدم إلى جلب كارثة أخرى على أفريقيا المكافحة من خلال نمط معيشي يتمحور حول إثراء الذات والاستهلاك وإهدار الموارد.

في أغسطس/آب 2008، أطلقت رابطة برلمانيين أوروبيين من أجل أفريقيا في نيروبي الحوار البرلماني الأفريقي الأوروبي بشأن تغير المناخ، وذلك بالتعاون مع برلمان عموم أفريقيا وغيره من البرلمانات الرئيسية الفاعلة. وأثناء اجتماعات المتابعة في أفريقيا وأوروبا، بدأت عملية وضع خطط العمل الراسخة مع التركيز على أفريقيا.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

وتشارك في هذا الجهد شبكات برلمانية أخرى مثل GLOBE (المنظمة العالمية للمشرعين)، و PGA (برلمانيون من أجل العمل العالمي)، و PNOWB (الشبكة البرلمانية المعنية بالبنك الدولي). والهدف من ذلك يتلخص في وضع أفريقيا على رأس جدول أعمال قمة كوبنهاجن.

ومن المقرر أن تُعرَض خلاصة الحوار على قمة كوبنهاجن في ديسمبر/كانون الأول. ولقد أكّدت الندوة البرلمانية الأفريقية الأوروبية التي عقدت في ستوكهولم في أغسطس/آب الماضي (تتولى السويد الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي) على الحاجة إلى استراتيجية تنفيذ تضمن التقيد بالتعهدات التي ستبذل في كوبنهاجن في يتصل بمجالات مثل تنمية السياسات والإصلاحات التشريعية المرتبطة بتغير المناخ.

وعلى نحو مماثل، سوف تعمل رابطة برلمانيين أوروبيين من أجل أفريقيا مع البرلمانيين الأفارقة والأوروبيين من أجل ضمان تسليم المساعدات الدولية في مجال التخفيف إلى أفريقيا ورصدها بعناية. كما ستعمل الرابطة على حشد الدعم للبرلمانيين الأفارقة، لتمكينهم من العمل مع ناخبيهم على رفع الوعي، على المستوى المحلي، فيما يتصل بالسياسات الزراعية الجديدة المستدامة والقادرة على الاستجابة للتغيرات في أنماط الطقس وغير ذلك من العواقب المترتبة على تغير المناخ.

إن البلدان الأفريقية، بوصفها طرفاً في مفاوضات عالمية، قادرة على تقديم إسهامات حاسمة للسياسة المناخية. ولكن عمليات تخفيف تغير المناخ والتكيف معها مكلفة للغاية. ويتعين على البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان ذات الدخول المرتفعة، بما فيها الولايات المتحدة، أن تفي بالتزاماتها، بما يتفق مع مبدأ "من يتسبب في التلوث فعليه تحمل التكاليف"، من أجل تزويد أفريقيا بتمويل جديد وميسر ويمكن الاعتماد عليه لدعم استراتيجيات التخفيف والتكيف في مجالات مثل الحد من مخاطر الكوارث، والطاقة المتجددة، وتنمية المهارات.

إن الموقف الذي اتخذه زعماء الاتحاد الأوروبي على المستوى الوطني في شهر أكتوبر/تشرين الأول، والذي يتلخص في أن البلدان النامية سوف تحتاج إلى مائة مليار يورو من المساعدات سنوياً بحلول عام 2020 حتى تتمكن من التعامل مع تغير المناخ، كان بمثابة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. ولكن هذه الالتزامات ما زالت تتسم بالغموض نظراً لعدم ذِكر زعماء الاتحاد الأوروبي لكم التمويل الذي سوف تتحمله أوروبا. وعلى هذا فما زال علينا أن نرى النتائج الحقيقية لهذا الاتفاق الذي تم بين بلدان الاتحاد الأوروبي فيما يتصل بالتمويل.

لقد حان الوقت كي تعترف بلدان أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم بمسؤولياتها فيما يتصل بتأثير تغير المناخ على أفريقيا. ولكن بينما تعترف هذه البلدان بمسؤولياتها، فيتعين عليها أن تفعل ذلك على النحو الذي يحترم الأولويات الأفريقية. وهذه هي العدالة في أبسط صورها.

https://prosyn.org/jd6I5mkar