376c430446f86f380ecd0b27_pa2699c.jpg

أوروبا القادرة على الإنجاز

بروكسل ـ إن التسونامي الذي اجتاح الأسواق المالية يشكل في الحقيقة كارثة عالمية. ومع ذلك فإن هذه الأزمة قادرة على تعظيم مكانة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته إذا ما تعاملنا معها على النحو السليم.

إن مشكلة شرعية الاتحاد الأوروبي تتألف من جانبين مختلفين: اللامبالاة التي تؤدي إلى ضعف الإقبال على الانتخابات البرلمانية الأوروبية من جانب الجماهير الانتخابية، والتشكيك الصريح في أوروبا. إن مشكلة انخفاض نسبة إقبال الجماهير الانتخابية تعكس إحباطهم إزاء الوضع الحالي الذي يعيشه الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الانطباع الذي ترسخ في أذهان الناس بالعجز عن ممارسة أي قدر يذكر من النفوذ من خلال التصويت لصالح طرف أو آخر.

ومن ناحية أخرى، يرتبط التشكيك في أوروبا، والتهديد الوشيك بانتشار النزعة الشعوبية المناهضة لأوروبا، يرتبط ارتباطاً مباشراً بفكرة مفادها أن الاتحاد الأوروبي ليس عاجزاً عن تقديم الحلول للأزمة فحسب، بل إنه في الواقع يشكل جزءاً من المشكلة. لذا، فرغم أن الاتحاد الأوروبي يمثل أفضل آمالنا في ضمان قدرة أوروبا على التنافس على المستوى الدولي في هذه البيئة العالمية المتزايدة الصعوبة اليوم، إلا أنه في الواقع متهم بتحمل المسؤولية عن مشاكل العولمة.

إن العديد من الناس يخلطون بين جانبي مشكلة شرعية الاتحاد الأوروبي، ويعتقدون أن نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات الأوروبية من الممكن أن تزداد على نحو ما من خلال تنبيه الناس إلى مدى أهمية الاتحاد الأوروبي. ولكن هذا ليس بالأمر الممكن في أغلب الأحوال.

للوهلة الأولى قد نتصور أن الحل الأسهل لمشكلة تدني مستويات الإقبال على صناديق الاقتراع يتلخص في منح البرلمان الأوروبي المزيد من السلطات. ولكن لو كان هذا هو الحل، فما كانت معدلات الإقبال على التصويت لتنحدر بصورة مضطردة منذ أعلى نقطة بلغتها في أول انتخابات للبرلمان الأوروبي في عام 1979 (63%). فمنذ ذلك الوقت شهد نفوذ البرلمان الأوروبي وسلطاته فيما يتصل باتخاذ القرارات المشتركة نمواً مستمراً.

المشكلة هنا هي أن انتخابات البرلمان الأوروبي لابد وأن تدور حول شيء ما إن كنا نريد من الناخبين أن يهتموا، وهذا يعني أن الانتخابات لابد وأن تشتمل على اختيار حقيقي. والاختيار الحقيقي يتطلب شن حملات انتخابية على نطاق أوروبا بالكامل من جانب كافة الأحزاب. وهذا يتطلب أيضاً اتخاذ القرار بشأن اختيار رئيس المفوضية الأوروبية اعتماداً على نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

ولكن هذين الشرطين قد تحققا بالفعل؛ ففي عام 2004 تم تعيين رئيس الوزراء البرتغالي خوسيه مانويل دوارو باروسو رئيساً للمفوضية وذلك لأنه كان آتياً من المنظمة السياسية صاحبة النتائج الأقوى في الانتخابات، أو حزب الشعب الأوروبي. ولقد شهدت انتخابات هذا العام من جانب منظمات الحزب المختلفة على المستوى الأوروبي حضوراً أكثر كثافة مقارنة بأي وقت مضى.

وفي اعتقادي أن الوسيلة الأكثر أهمية لإيقاظ اهتمام المواطنين الأوروبيين بالانتخابات الأوروبية تتلخص في فتح انتخابات رئيس المفوضية الأوروبية أمامهم، وخلق حوار سياسي حقيقي على مستوى أوروبا بالكامل أثناء الحملة الانتخابية التالية.

لن يتسنى لنا أن نتعامل مع مشكلة التشكك في أوروبا ما لم يبدأ الاتحاد ذاته في تحسين أداءه، على أن يكون ذلك التحسن ظاهراً للناس. ولهذا السبب عمدت المفوضية الأوروبية في أعقاب الاستفتاء الفاشل على المعاهدة الدستورية في فرنسا وهولندا منذ أربعة أعوام إلى التركيز على فكرة "أوروبا الإنجازات" التي لابد وأن تسعى إلى إقناع المواطنين بجدارتها من خلال الإنجازات الملموسة.

ونظراً لخطورة الأزمة الاقتصادية فقد حان الوقت لكي يبدأ الاتحاد الأوروبي في إظهار قوته كلما كان ذلك ممكناً. ولا يجوز للهدف من ذلك أن يقتصر على كسب قلوب الأوروبيين الذين أصبحوا من المتشككين في أوروبا، بل لابد وأن نهتم أيضاً بإقناعهم بأن الاتحاد الأوروبي لا غنى عنه في مواجهة التحديات التي يواجهها الأوروبيون.

إن مواطني أوروبا يدركون أن الدول القومية الصغيرة نسبياً والتي يتألف منها الاتحاد الأوروبي لم تعد قادرة على مواجهة هذه التحديات الهائلة بمفردها. ففي أيرلندا أدت الأزمة المالية التي اندلعت في الخريف الماضي إلى تحول في الرأي العام بشأن الاتحاد الأوروبي، وحتى في أيسلندا، التي تقع على المحيط الخارجي لقارتنا، تحولت عضوية الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو إلى أولوية. لقد أصبحت البلدان الأوروبية مترابطة إلى الحد الذي يجعل من أية تدابير وطنية منعزلة فيما يتصل بقضايا مثل تنظيم السوق المالية جهداً لا طائل منه.

إن هذا العالم المتغير، حيث تلعب قوى جديدة مثل الصين والهند دوراً متزايد الأهمية، لن ينتظر أوروبا حتى تعقد عزمها. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يظهر جدارته القيادية من خلال جهوده الرامية إلى حل مشاكل العالم الحالية.

أما عن حزب الشعب الأوروبي فإن الاقتصاد بالنسبة لنا لا يشكل غاية في حد ذاته، بل لابد وأن يخدم الناس. لقد اندلعت الأزمة الاقتصادية بسبب قصر النظر والافتقار إلى الرقابة في النظام المالي العالمي. والآن يتعين علينا أن نعيد تحديد الدور الذي يتعين على الأجهزة التنظيمية والرقابية أن تضطلع به في الأسواق المالية وفي الاقتصاد عموماً، وذلك لأننا لا يجوز لنا أن نترك القطاع المالي يرحل حاملاً الأرباح في حين يتحمل دافعو الضرائب كل الخسائر.

هذا لا يعني أننا ندعو إلى الانتقال إلى الاشتراكية؛ فنحن نريد أجهزة تنظيمية أفضل وأكثر ذكاءً وقدرة، وليس مجرد أجهزة تنظيمية شكلية. ونحن نرى خمسة مفاتيح لاستعادة العافية الاقتصادية:

·       لابد وأن تكون الأولوية الرئيسية لخلق فرص العمل الجديدة، ويتعين علينا أن ندرك أن الاستثمار في التعليم وإصلاحه وترسيخ مبدأ التعلم مدى الحياة من الأمور الضرورية لتوفير الفرص للجميع؛

·       لابد من تجنب الركود الاقتصادي العالمي المطول، ويتعين على الحكومات الأوروبية أن تستمر في تحسين عمليات تنسيق السياسات المالية والنقدية؛

·       لابد من إعادة بناء الهيكل المالي الدولي. ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن التنظيمات الأوروبية لا تكفي لإيجاد نظام مالي عالمي موفور الصحة؛

·       إن الركود يشكل فرصة لزيادة الاستثمار في التقنيات الخضراء اللازمة لجعل أوروبا أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري؛

·       لابد من التصدي لنزعة الحماية داخل حدود أوروبا وخارجها. وتشكل السوق الأوروبية الداخلية قصة نجاح مؤكدة فيما يتصل بتعزيز النمو وتوفير فرص العمل.

إن "أوروبا النتائج" هدف قابل للتحقيق. وتحقيق هذا الهدف من شأنه أن يعزز من شرعية الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا لن يتسنى إلا بتوضيح مثل هذه التوصيات السياسية لجماهير الناس وشد انتباههم إلى النجاحات المترتبة على تنفيذها.

https://prosyn.org/oHwNZk2ar