singer229_ Mustafa YalcinAnadolu Agency via Getty Images_echr Mustafa Yalcin/Anadolu Agency via Getty Images

هل الحرية الدينية أهم من رعاية الحيوان؟

ملبورن ــ لقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الشهر الماضي حكمها في قضية اللجنة التنفيذية لمسلمي بلجيكا وآخرين ضد بلجيكا والذي تطلب تحقيق التوازن بين الحرية الدينية ورعاية الحيوان.

لقد أصدرت مقاطعتا فلاندرز ووالونيا البلجيكيتان قوانين تقضي بصعق جميع الحيوانات التي يتم ذبحها للاستهلاك البشري قبل قتلها حيث سعت المجتمعات الإسلامية واليهودية إلى إلغاء هذا التشريع، بدعوى أنه ينتهك حريتهم في ذبح الحيوانات بالطريقة المنصوص عليها في قوانينهم الغذائية.

إن الطلبات السابقة المقدمة إلى المحكمة الدستورية البلجيكية ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي لم تنجح، لذلك لجأ مقدمو الطلبات إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي محكمة تابعة لمجلس أوروبا، والتي تضم جميع الدول الأوروبية، باستثناء بيلاروسيا وروسيا. يجب على جميع أعضاء مجلس أوروبا التصديق على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفقاً للمادة 9 من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، "لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين... وإظهار دينه أو معتقده، سراً أو علناً وذلك من خلال العبادة والتعليم والممارسة وإقامة الشعائر". غير أن هذا الحق مقيد بمادة ثانية وهي: "لا تخضع حرية الفرد في إظهار دينه أو معتقداته إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لما فيه مصلحة السلامة العامة وحماية النظام العام أو الصحة أو الآداب أو لحماية حقوق وحريات الآخرين ".

إذا كانت رعاية الحيوان تندرج تحت أي من هذه العناوين، فإن "الآداب العامة" تبدو هي الأكثر ترجيحًا. ومع ذلك، فلقد جادل مقدمو الطلبات بإن إشارة المعاهدة إلى حماية "الآداب العامة" يجب أن تُفهم على أنها تهدف فقط إلى حماية الكرامة الإنسانية بين الأفراد. لم يسبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن نظرت من قبل في قضية تتطلب منها الموازنة بين الحق في الحرية الدينية ورعاية الحيوان، لذا لم يكن من السهل التنبؤ بكيفية اتخاذ القرار.

لقد وجد حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الصادر في 13 فبراير، أن القوانين التي تتطلب الصعق المسبق تقيد بالفعل الحرية الدينية لمقدمي الطلبات. ومع ذلك، فلقد وجدت أيضًا أن حماية رعاية الحيوان جزء من الهدف الحكومي الشرعي المتمثل في حماية الآداب العامة، وقالت المحكمة إن مفهوم "الأخلاق" يتطور، وما يعتبر مقبولاً في وقت ما قد يتوقف عن كونه مقبولاً في وقت لاحق.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وتتلخص وجهة نظر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أنها لابد أن تمنح الكثير من الثقل للقرارات التي تتخذها الهيئات التشريعية، وخاصة عندما تسن القوانين بأغلبية كبيرة ــ وفي كل من المقاطعتين، كانت الهيئات التشريعية شبه مجمعة على دعمها للتشريع المعني. لقد لاحظت المحكمة أيضًا أن المحكمة الدستورية البلجيكية ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قد أقرتا في أحكامهما السابقة التي تؤيد التشريع، بإن رعاية الحيوان، كقيمة أخلاقية، لها أهمية متزايدة في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة، وأنه ينبغي أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار عند تقييم القيود المفروضة على كيفية انعكاس المعتقدات الدينية في الإجراءات التي تؤثر على رعاية الحيوان.

لم تقتنع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بحجة مقدمي الطلبات بأن المعاهدة تحصر "الآداب العامة" بحماية الكرامة الإنسانية. لقد أشارت المحكمة لقضايا سابقة اهتمت فيها المحكمة بحماية رعاية الحيوان وأيضًا البيئة، وبناءً على ذلك، أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: " بإنه لا يمكن تفسير المعاهدة على أنها تعزز الدعم المطلق للحقوق والحريات التي تكرسها بغض النظر عن معاناة الحيوانات."

وللحكم على أن القوانين لم تكن تقييدًا غير معقول لحرية الدين، كان على المحكمة النظر فيما إذا كان التقييد متناسبًا مع الهدف. لقد أشارت المحكمة إلى أن التشريع يستند إلى "إجماع علمي على أن الصعق المسبق هو الوسيلة المثلى لتخفيف معاناة الحيوان وقت الذبح"، وعلى الرغم من أن الهيئات التشريعية اشترطت استخدام تلك الطريقة المثلى ضمن ولاياتها القضائية، فقد حرصت على صياغة تشريعاتها بطريقة تقلل إلى أدنى حد من تقييد الحرية الدينية ولم تحاول حظر بيع اللحوم المستوردة من خارج المقاطعات وحتى لو تم قتلها بطرق محظورة في تلك المقاطعات.

وهنا ربما كانت الهيئات التشريعية حذرة للغاية. أشك في أن حظر بيع لحوم الحيوانات التي قطعت حناجرها وهي في كامل وعيها سيكون انتهاكًا للحرية الدينية. إن المعتقدات الدينية اليهودية، كما أفهمها، لا تتطلب من اليهود تناول اللحوم. فلماذا يعتبر تقييدًا للحرية الدينية أن نقول: إذا كان هذا هو اعتقادكم، فلا تأكلوا اللحوم. (أقول هذا كشخص لم يأكل اللحوم منذ أكثر من 50 عامًا).

https://prosyn.org/xCFiKSiar