binabdulazizalkawari1_Spencer PlattGetty Images_unitednationsbuildinglogo Spencer Platt/Getty Images

حان وقت إصلاح الأمم المتحدة

الدوحة ــ كشفت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) عن العديد من نقاط الضعف المؤسسية، لكنها أظهرت في المقام الأول من الأهمية أن الأمم المتحدة في احتياج ماس إلى الإصلاح. وبشكل خاص، كَـشَفت استجابة منظمة الصحة العالمية ــ هيئة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة ــ للفيروس عن أوجه قصور واضحة، والتي تعكس الافتقار إلى الإجماع والتعاون الدوليين، فضلا عن سياسات الحماية المنتشرة على نطاق واسع من جانب أصحاب المصلحة في هذه المنظمة.

لم يكن انتقاد منظمة الصحة العالمية أعلى صوتا وأشد وضوحا مما كان عليه في الولايات المتحدة، حيث وجه إليها قرار الرئيس دونالد ترمب الأخير بتجميد التمويل الأميركي للمنظمة ضربة مدمرة في وقت حيث كانت في أمس الحاجة إلى الدعم. وما تقرر الأمم المتحدة القيام به الآن، وكيف تتعافى من فشلها في التنسيق الفـعّـال خلال أزمة كوفيد-19، سيحدد الدور الذي ستضطلع به في عالَـم ما بعد الجائحة.

الحق أنني أعتبر نفسي ابنا للأمم المتحدة وداعما قويا مخلصا لقيمها ومبادئها. فعلى مدار فترة تزيد على أربعة عقود من الزمن، اضطلعت بأدوار مختلفة داخل جهازها البيروقراطي العملاق، بدءا من عام 1974 بتعييني مندوبا لدولة قطر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) وانتهاء بعام 2017، عندما فشلت بفارق صوت واحد في تولي منصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.

طوال قسم كبير من هذه الفترة، كانت الأمم المتحدة تقدم على نحو ثابت الأمل في مستقبل أفضل. وقد لعبت وكالاتها ومنظماتها المتخصصة دورا بالغ الأهمية في الحفاظ على السلام العالمي، ومنع الصراعات الدولية، والقضاء على الاستعمار، وحماية حقوق الإنسان.

ولكن في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، تراجع دور الأمم المتحدة على نحو مضطرد، وتضاءل تأثيرها على أحداث العالم وحكوماته. وبعد أن كانت ذات يوم وسيطا ومُـحَـكِّما بارزا في شؤون العالم، أصبحت مقيدة بِـفِعل مفاهيم وعقائد قديمة إلى الحد الذي منعها من أن تكون حقا الهيئة الحاكمة العالمية الفـعّـالة والتعاونية التي تصورها مؤسسوها. فلم تعد قادرة على غرس الاحترام بين الحكومات للشرعية الدولية، والقانون الدولي، والحفاظ على السلام والأمن العالميين، كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على سبيل المثال.

الأمر ببساطة أن العالَـم تغير وفشلت الأمم المتحدة في مواكبة هذا التغير. والآن، تسببت الأجواء السياسية والاقتصادية والثقافية المائعة المشحونة في ترك المنظمة التي كانت قوية ذات يوم مكشوفة ولم يتبق لها سوى قِلة من الأصدقاء يدافعون عنها.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

بيد أن هذا التراجع لا يعني أن الأمم المتحدة محكوم عليها بأن تصبح جزءا من ركام من خردة التاريخ. وإذا كان لنا أن نسترشد بالماضي، فإن الاستجابة لجائحة كوفيد-19 ــ الفشل الكارثي الفاضح من جانب السياسة العالمية ــ من المرجح أن تبشر بفترة من التغيير الكبير في مختلف أنحاء العالم. وأظن أننا نتجه الآن نحو نظام عالمي جديد وأكثر تنوعا، حيث لا يظل الحكم الدولي مدفوعا من قِـبَـل أي دولة بعينها أو مجموعة من القيم السياسية.

أثناء أزمة كوفيد-19، فشل التضامن الدولي، حيث سعت كل دولة إلى حماية مصالحها الخاصة. وعندما يخرج العالم في نهاية المطاف من الجائحة، سنشهد استجوابات، وتبادل أصابع الاتهام، بل وحتى التضحية بكباش فداء. وسوف يكون لزاما على الأمم المتحدة أن تصمد في وجه هذه العاصفة وأن تتجاوزها، ولكن أظن أنها في النهاية ستجد العون والمساعدة في هيئة تقدير جديد للمجتمع الجمعي الذي بنيناه في السابق بشق الأنفس.

مع ذلك، ستكون فترة الحساب هذه صعبة على الأمم المتحدة، لأن الأمر سينطوي على ضرورة اتخاذ قرارات صعبة. وسوف يكون لزاما على المنظمة أن تتخلى عن عقليتها القديمة وأن تتحرك في اتجاهات قد تجدها غير مريحة.

على سبيل المثال، ستحتاج هيئات مثل اليونسكو إلى إظهار مساهماتها في العالم بشكل أكثر وضوحا. ولأن ميادين مثل التعليم والعلوم والثقافة ستكون بالغة الأهمية في تحقيق التعافي بعد الجائحة، فيتعين على قادة منظمة اليونسكو أن يطرحوا على أنفسهم أسئلة فاحصة كاشفة: ماذا نفعل للحفاظ على القيم الثقافية؟ كيف يمكننا حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التعليم؟ كيف نقود المجتمع العلمي ونمنع حدوث جائحة أخرى؟ هل ينبغي لنا أن نستعين بالمزيد من التنوع الإقليمي لضمان أنه يخدم جميع الدول الأعضاء، وهل تعكس القيادة هذا؟ لن يتسنى لمنظمة اليونسكو وغيرها من هيئات الأمم المتحدة أن تحتفظ بأهميتها ككيانات فاعلة في عالَـم ما بعد الجائحة إلا من خلال معالجة هذه التحديات بنجاح.

يجب أن يبدأ إصلاح الأمم المتحدة من القمة بدءا بمجلس الأمن، الذي لا تزال الدول الخمس الدائمة في عضويته ــ الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ــ تمارس سلطة النقض التي تتناسب مع زمن ولى وانتهى. ومن المؤكد أن توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن لتشمل دولا أخرى ــ من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط ــ من شأنه أن يوجِد توازنا أكثر إنصافا في عملية صنع القرار العالمي.

وهذا التغيير له ما يبرره. على سبيل المثال، من المنتظر أن تصبح الهند الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان على مستوى العالم خلال هذا العقد، واليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وجنوب أفريقيا ونيجيريا أكبر اقتصادين في القارة الأسرع نموا سكانيا على الإطلاق.

بذات القدر من الأهمية، يتعين على هيئات الأمم المتحدة أن تضمن أن مواطني الدول التي تتخذها مقرا لها لا يشغلون مناصبها العليا. كثيرا ما يؤدي اختيار قيادة منظمة ما إلى التشكيك في شرعيتها واستقلالها. ولا نحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من منطقتي ــ الشرق الأوسط ــ لكي نرى الآثار الضارة التي من الممكن أن تحدثها مثل هذه القرارات.

على سبيل المثال، كانت جامعة الدول العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها موضع ترحيب ذات يوم باعتبارها منصة للتعاون العربي، لكن استمرار تعيين عضو في الحكومة المصرية أمينا عاما للمنظمة أنذر بزوالها. فمن خلال السعي إلى جعل الجامعة امتدادا للدولة المصرية، تسبب قادة البلاد في تحول المنظمة إلى كيان عفا عليه الزمن سياسيا واختزالها إلى منتدى لمناقشات جوفاء.

ينبغي لجائحة كوفيد-19 أن تخدم كنقطة انطلاق ضرورية لإصلاح الأمم المتحدة. وإذا لم يحدث ذلك، فأنا أخشى أن تصبح المنظمة التي كرست لها الكثير من حياتي المهنية، والتي أحترم قيمها وأقدرها أعلى تقدير، عاجزة عن إيجاد مكان آمن لنفسها في عالَـم اليوم، ناهيك عن استعادة مجدها السابق.

https://prosyn.org/nkMeTD5ar