كيف نحرك الصين

دنفر ــ ذات يوم، قال ألبرت آينشتاين: "إن الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مراراً وتكراراً وتتوقع في كل مرة نتائج مختلفة". وبالنسبة لأولئك الذين سخروا لفترة طويلة من احتمال أن تكون الصين على استعداد للتعامل بشكل حاسم مع جارتها المؤذية كوريا الشمالية، فإن نتائج الزيارة التي قام بها جون كيري وزير الخارجية الأميركي مؤخراً إلى بكين سوف تكون متوقعة تماما.

ولكن بالنسبة لهؤلاء الذين يراقبون المشهد السياسية الداخلي الدائم التغيير بدقة، فإن ما يجري الآن يبرر رحلة كيري بكل تأكيد. وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد تُنتَقَد عن تعاملها مع أحدث "أزمة" تثيرها كوريا الشمالية، فإن المشكلة الرئيسية لن تكون الإفراط في الاعتماد على الصين، بل في الإقلال من الاعتماد عليها.

وعادة تبدأ النظريات حول موقف الصين تجاه كوريا الشمالية وتنتهي بوجهة نظر مفادها أن أكثر ما تخشاه الصين هو تدفق اللاجئين إلى أراضيها في حالة انهيار كوريا الشمالية ــ وهو ما من شأنه أن يمزق النسيج العرقي الدقيق في أقاليم شمال شرق الصين. والمشكلة هنا هي أنه في حين يتخوف بعض الصينيين حقاً إزاء مسألة اللاجئين، فإن "الصين" ككل لا يمكن النظر إليها باعتبارها كياناً جماعياً واحداً يحمل وجهة نظر منفردة بشأن أي شيء، مثل أي دولة حديثة معقدة، فالصين تحتوي على العديد من وجهات النظر المختلفة حول العديد من القضايا المختلفة.

بطبيعة الحال، هناك أولئك في بكين الذين يشعرون بالقلق ليلاً ونهاراً حول اللاجئين الكوريين الشماليين؛ ولكن هناك أيضاً العديد في بكين وشنغهاي وأماكن أخرى الذين يشعرون بالقلق إزاء الأزمة المزمنة الناجمة عن المشاكل التي تفجرها كوريا الشمالية بشكل دوري في منطقة من العالم كانت لتصبح مستقرة لولا ذلك. وكما عبر الرئيس الصيني شي جين بينج عن الأمر ببلاغة في إطار ملتقى رجال الأعمال السنوي في بواو على جزيرة هاينان في وقت سابق من هذا الشهر: "فلا ينبغي لنا أبداً أن نسمح لأحد بإلقاء المنطقة بل والعالم إلى آتون الفوضى لتحقيق مكاسب أنانية".

إن شي ليس دكتاتوراً يستطيع فرض إرادته على الصين. والواقع أنه بالرغم من كل التوصيفات التي نستمع إليها من اليمين السياسي في الولايات المتحدة والتي تصور الصين بوصفها دولة استبدادية، فإن رئيسها يتمتع بسلطات وصلاحيات أقل من تلك التي يتمتع بها نظيره الأميركي. ففي الصين يتطلب كسب الإجماع عملية مريرة قاسية من غير الممكن أن تتحقق من خطاب واحد.

ومن الواضح أن تعليقات شي تمتد إلى ما هو أبعد من القلق بشأن اللاجئين. إن كوريا الشمالية تشكل على نحو لا يخلو من الغرابة قضية داخلية بالنسبة للصين. فهي بادئ ذي بدء حليفة تاريخية حارب العديد من الصينيين وماتوا من أجلها، وذكراهم ليست محفورة على معالم كثيرة في مختلف أنحاء الصين فحسب (ولو بشكل أقل كثيراً في كوريا الشمالية)، بل إنها محفوظة أيضاً في الأسر والعائلات.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وثانيا، على الرغم من الافتقار المفترض إلى الإيديولوجية في الصين المعاصرة، فهناك في واقع الأمر مناقشة محتدمة تدور الآن ــ بعيداً عن الأضواء غالبا ــ حول مستقبل النظام السياسي في الصين وعلاقته بالاقتصاد. ورغم أن النظام الشيوعي في كوريا الشمالية أصبح مختلفاً بشكل عميق عن النظام الشيوعي في الصين، فإن بعض الصينيين يشعرون بالقلق أن يؤدي انهيار النظام في كوريا الشمالية إلى تحويل خطوط المعركة في تلك المناقشة.

وأخيرا، هناك هؤلاء الذين يرون في انهيار كوريا الشمالية مكافأة للمصالح الأميركية الاستراتيجية ونكسة للمصالح الصينية. ويبدو أن هذا الأسلوب المتشدد في التفكير، والذي يقود دوماً إلى نتيجة محصلتها صفر، ليس حكراً على مؤسسات الفكر والرأي الأميركية.

يتساءل بعض الصينيين كيف قد تكون قواعد اللعبة في حال إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية تحت قيادة كوريا الجنوبية. فهل يسعهم أن يتوقعوا رؤية قوات وقواعد أميركية على طول الحدود الصينية على نهر يالو، أو ربما سلسلة من مراكز التنصت لجمع المعلومات الاستخباراتية؟ رغم أن مثل هذا الانتشار للقوات الأميركية لا يمكن تصوره في أذهان أغلب الأميركيين المفكرين (الواقع أن المهمة الحقيقية سوف تتلخص في الحفاظ على دعم الميزانية في الكونجرس وهيئات أخرى لأي انتشار للقوات في كوريا الموحدة)، فإن خبراء الأمن الصينيين يشعرون بالقلق إزاء هذا الاحتمال.

ورغم أن الولايات المتحدة والصين لا تفتقران إلى قضايا تستحق المناقشة، فإن الحوار الثنائي في المجال الأمني يفتقر إلى العمق والمتابعة. فلم يبد قادة الصين أي قدر من الحرص على الدخول في مناقشة مع نظرائهم في الولايات المتحدة حول ماذا يتعين عليهم أن يفعلوا إذا انهارت كوريا الشمالية. ولكن إذا تم عقد مثل هذه المحادثات بشكل أكثر تواترا، وإذا عولجت القضية بجدية (وبشكل متكرر)، فمن الممكن بكل تأكيد إحراز تقدم كبير في التغلب على الشكوك المحيطة بهذه المسألة.

والواقع أن المهمة الرئيسية لجون كيري تتلخص في السعي إلى الحد من انعدام الثقة الاستراتيجية بين البلدين، وهو ما يشكل عاملاً مهماً وراء إحجام الصين عن القيام بالمزيد الجهد بشأن مسألة كوريا الشمالية. وسوف يتطلب هذا أن يبادر كل من الطرفين إلى التركيز على القضية الراهنة ــ وهذا يشكل تحدياً كبيراً وخاصة بالنسبة للأميركيين، الذين تتحول مناقشاتهم الرسمية مع الصينيين حتماً إلى محاولة للخوض في قائمة من القضايا المطروحة غالباً من قِبَل مجموعات ذات قضية واحدة من أصحاب المصالح. وينبغي لتركيز وتحديد الأولويات أن يكون شعار الجانب الأميركي.

لا شك أن رحلة كيري الأولى إلى الصين كانت بمثابة البداية في هذا الاتجاه، ولكن لابد أن يعقب هذه الخطوة نمط منتظم من المحادثات الهاتفية والزيارات الإضافية، بهدف تخليص شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، ومن عجيب المفارقات هنا أن رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، الزعيم الذي يبدو غير متميز بأي إنجاز أو علامة من علامات الحكمة، قد يكون المحفز إلى بداية جديدة في العلاقات الأميركية الصينية.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/3nblg4Yar