واشنطن العاصمة- أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تكاليف باهظة، وقع معظمها على عاتق الأوكرانيين الشجعان، والجنود الروس البؤساء الذين أمروا بالقتال. ولكن العالم بأسره تعرض بالفعل لأضرار جانبية كبيرة تمثلت في زيادات إضافية في تكاليف الطاقة وأسعار الغذاء، وركود عالمي محتمل.
إن أكثر من تعرض لهذه الأضرار غير المباشرة هي الفئات التي تعيش بالفعل على حافة الفقر، ولا سيما في أفريقيا. إذ سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوى له في مارس/أذار، كما ارتفعت أسعار الأسمدة. وأدت الجهود التي يبذلها صانعو السياسة الوطنية من أجل تحسين الأمن الغذائي المحلي، مثل الحظر الذي فرضته الهند مؤخرًا على صادرات القمح، إلى تفاقم الأمور. وتهدد الآثار المتتالية للحرب بإلحاق الضرر ليس فقط بالإنتاج على المدى القريب، ولكن أيضًا بالمحاصيل المستقبلية بعد توقف القتال في أوكرانيا. وهكذا، يمكن أن يواجه ملايين الأفارقة قريباً الفقر أو الجوع أو كليهما.
بيد أنه يمكن، بل يجب احتواء إحدى النتائج السلبية المحتملة للصراع وذلك من خلال إقناع صانعي السياسات في البلدان الغنية بإعادة توجيه المساعدة الإنمائية من أفريقيا إلى أوكرانيا. وهذا ما حدث في عام 2014، عندما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى تحويلالموارد عن إفريقيا، رغم أن المنطقة كانت على وشك الركود الذي كانت تحركه أسعار السلع الأساسية.
وخلال ذلك العام، زادت قيمة المساعدات المقدَّمة لأوكرانيا من أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بنسبة 145٪، في حين تراجعت المساعدات الموجَّهة لأفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من 5٪ (أكبر انخفاض خلال عقد من الزمان)، على الرغم من الركود الاقتصادي الذي شهدته معظم أنحاء المنطقة. وبين عامي 2013 و2015، خفَّضت 21 دولة من 29 في لجنة المساعدة الإنمائية من قيمة المساعدة الإنمائية الرسمية المخصصة لأفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم أن المساعدة الإنمائية الإجمالية الرسمية المقدمة من بلدان لجنة المساعدة الإنمائية زادت بنسبة 8٪ بالقيمة الحقيقية خلال هذه الفترة.
وضاعفت الدنمارك، على سبيل المثال، من مساعداتها لأوكرانيا أربع مرات تقريبا، في الفترة ما بين 2013و2015، لكنها قلصت من تلك الموجهة لأفريقيا جنوب الصحراء بنحو 40٪. وخوفًا من أن يؤدي ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى تشجيع الصين على تأكيد مطالبها الإقليمية في بحر الصين الشرقي على نحو أقوى، تعهدت بتقديم أكثر من 1.8 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا في عامي 2014 و2015، مع خفض المساعدات الموجهة لأفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 16٪ تقريبًا. وتأتي أموال المساعدات المحولة من إفريقيا بالدرجة الأولى من المبادرات التي تدعم البيئة، والتحضر، وإدارة مخاطر الكوارث، والميزانيات الحكومية، بدلاً من مشاريع البنية التحتية الاقتصادية، مثل السكك الحديدية، وخطوط الهاتف المحمول، التي سيلحق إلغاؤها ضررا مباشرا باقتصادات المانحين.
إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا اليوم أكثر تدميرا بكثير من الصراع الذي اندلع عام 2014. لذا، شهدت أوكرانيا تدفقاً في المساعدات المالية. فقد خصصت الولايات المتحدة حتى الآن أكثر من 54 مليار دولار لدعم أوكرانيا أثناء الحرب. وقدمت بولندا المجاورة دعما عسكريا تجاوزت قيمته 1.6 مليار دولار.
وأتت الأموال من مصادر غير حكومية أيضاً. إذ جمع حساب خاص فتحه مصرف أوكرانيا الوطني أمام المواطنين لجمع الأموال التي ستُخصص لدعم القوات المسلحة في البلاد، 525 مليون دولار في غضون شهرين. وأرسل أشخاص من جميع أنحاء العالم ملايين الدولارات إلى مُلاك العقارات الأوكرانيين من خلال استئجار أماكن إقامة عبر موقع Airbnb )إير بي إن بي(، دون نية استخدامها.
ومن المؤكد أن هذا الكرم يستحق الترحيب. ولكن سيكون من المؤسف أن تأتي المساعدة الدولية المتزايدة لأوكرانيا على حساب وقف تمويل المبادرات المهمة في أفريقيا جنوب الصحراء. إذ تعيش المنطقة ظروفا غير مستقرة- ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وتباطؤ النمو في أسواق التصدير الرئيسية. فالبلدان الأفريقية تواجه هذه التوقعات الوخيمة بتزامن مع ارتفاع مستويات الديون، ومع ذخيرة مالية شبه غائبة، بسبب الركود الناجم عن الوباء في الفترة 2020-2021، الذي استلزم على نحو عاجل، وضع برامج تدعم الأسر الفقيرة والشركات الصغرى.
ومن المؤكد أن أفريقيا لها مصلحة في نجاح الجهود الأوكرانية والغربية. فبقدر ما يترسخ الاستبداد على الصعيد العالمي، قد يُثني التصدي لما يبذله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من جهود عنيفة ومناهضة للديمقراطية من أجل إعادة رسم الحدود في أوروبا، المستبدين المحتملين عن فعل الشيء نفسه في إفريقيا.
وقبيل غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير/شباط، احتفل سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، بضبط إفريقيا للنفس في قبول الحدود الوطنية المصطنعة التي رسمتها القوى الاستعمارية. وقال كيماني: " لو اخترنا، غداة الاستقلال، متابعة الدول على أساس التجانس العرقي أو العنصري أو الديني، لبقينا اليوم نخوض حروبًا دموية بعد عدة عقود". واليوم، قد تؤدي هزيمة روسيا أيضًا إلى توجيه ضربة لأعداء القيم الديمقراطية في إفريقيا، وأولئك الذين سينضمون إلى صفوف بوتين المستبد.
ومع ذلك، فإن اهتمام المجتمع الدولي باحتواء الأضرار الجانبية لحرب أوكرانيا في إفريقيا لا يقل إلحاحاً. لذلك، بينما تقوم الحكومات والجهات المانحة الأخرى بتسريع المساعدة التي تشتد الحاجة إليها لدعم أوكرانيا، يجب أن لا تعرقل مبادرات مثل التحالف العالمي للأمن الغذائي، والإطار المشترك لمجموعة العشرين لمعالجة الديون، ومرفق "كوفاكس" للوصول العالمي للقاح كوفيد-19. إن تقليص برامج المساعدة الإنمائية لأفريقيا لن يؤدي إلا إلى زيادة الفقر، وتفاقم نقص الغذاء الذي يهدد بدفع بعض المجتمعات نحو المجاعة، وتقويض الديمقراطية.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
واشنطن العاصمة- أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تكاليف باهظة، وقع معظمها على عاتق الأوكرانيين الشجعان، والجنود الروس البؤساء الذين أمروا بالقتال. ولكن العالم بأسره تعرض بالفعل لأضرار جانبية كبيرة تمثلت في زيادات إضافية في تكاليف الطاقة وأسعار الغذاء، وركود عالمي محتمل.
إن أكثر من تعرض لهذه الأضرار غير المباشرة هي الفئات التي تعيش بالفعل على حافة الفقر، ولا سيما في أفريقيا. إذ سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوى له في مارس/أذار، كما ارتفعت أسعار الأسمدة. وأدت الجهود التي يبذلها صانعو السياسة الوطنية من أجل تحسين الأمن الغذائي المحلي، مثل الحظر الذي فرضته الهند مؤخرًا على صادرات القمح، إلى تفاقم الأمور. وتهدد الآثار المتتالية للحرب بإلحاق الضرر ليس فقط بالإنتاج على المدى القريب، ولكن أيضًا بالمحاصيل المستقبلية بعد توقف القتال في أوكرانيا. وهكذا، يمكن أن يواجه ملايين الأفارقة قريباً الفقر أو الجوع أو كليهما.
بيد أنه يمكن، بل يجب احتواء إحدى النتائج السلبية المحتملة للصراع وذلك من خلال إقناع صانعي السياسات في البلدان الغنية بإعادة توجيه المساعدة الإنمائية من أفريقيا إلى أوكرانيا. وهذا ما حدث في عام 2014، عندما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى تحويلالموارد عن إفريقيا، رغم أن المنطقة كانت على وشك الركود الذي كانت تحركه أسعار السلع الأساسية.
وخلال ذلك العام، زادت قيمة المساعدات المقدَّمة لأوكرانيا من أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بنسبة 145٪، في حين تراجعت المساعدات الموجَّهة لأفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من 5٪ (أكبر انخفاض خلال عقد من الزمان)، على الرغم من الركود الاقتصادي الذي شهدته معظم أنحاء المنطقة. وبين عامي 2013 و2015، خفَّضت 21 دولة من 29 في لجنة المساعدة الإنمائية من قيمة المساعدة الإنمائية الرسمية المخصصة لأفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم أن المساعدة الإنمائية الإجمالية الرسمية المقدمة من بلدان لجنة المساعدة الإنمائية زادت بنسبة 8٪ بالقيمة الحقيقية خلال هذه الفترة.
وضاعفت الدنمارك، على سبيل المثال، من مساعداتها لأوكرانيا أربع مرات تقريبا، في الفترة ما بين 2013و2015، لكنها قلصت من تلك الموجهة لأفريقيا جنوب الصحراء بنحو 40٪. وخوفًا من أن يؤدي ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى تشجيع الصين على تأكيد مطالبها الإقليمية في بحر الصين الشرقي على نحو أقوى، تعهدت بتقديم أكثر من 1.8 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا في عامي 2014 و2015، مع خفض المساعدات الموجهة لأفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 16٪ تقريبًا. وتأتي أموال المساعدات المحولة من إفريقيا بالدرجة الأولى من المبادرات التي تدعم البيئة، والتحضر، وإدارة مخاطر الكوارث، والميزانيات الحكومية، بدلاً من مشاريع البنية التحتية الاقتصادية، مثل السكك الحديدية، وخطوط الهاتف المحمول، التي سيلحق إلغاؤها ضررا مباشرا باقتصادات المانحين.
إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا اليوم أكثر تدميرا بكثير من الصراع الذي اندلع عام 2014. لذا، شهدت أوكرانيا تدفقاً في المساعدات المالية. فقد خصصت الولايات المتحدة حتى الآن أكثر من 54 مليار دولار لدعم أوكرانيا أثناء الحرب. وقدمت بولندا المجاورة دعما عسكريا تجاوزت قيمته 1.6 مليار دولار.
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
وأتت الأموال من مصادر غير حكومية أيضاً. إذ جمع حساب خاص فتحه مصرف أوكرانيا الوطني أمام المواطنين لجمع الأموال التي ستُخصص لدعم القوات المسلحة في البلاد، 525 مليون دولار في غضون شهرين. وأرسل أشخاص من جميع أنحاء العالم ملايين الدولارات إلى مُلاك العقارات الأوكرانيين من خلال استئجار أماكن إقامة عبر موقع Airbnb )إير بي إن بي(، دون نية استخدامها.
ومن المؤكد أن هذا الكرم يستحق الترحيب. ولكن سيكون من المؤسف أن تأتي المساعدة الدولية المتزايدة لأوكرانيا على حساب وقف تمويل المبادرات المهمة في أفريقيا جنوب الصحراء. إذ تعيش المنطقة ظروفا غير مستقرة- ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وتباطؤ النمو في أسواق التصدير الرئيسية. فالبلدان الأفريقية تواجه هذه التوقعات الوخيمة بتزامن مع ارتفاع مستويات الديون، ومع ذخيرة مالية شبه غائبة، بسبب الركود الناجم عن الوباء في الفترة 2020-2021، الذي استلزم على نحو عاجل، وضع برامج تدعم الأسر الفقيرة والشركات الصغرى.
ومن المؤكد أن أفريقيا لها مصلحة في نجاح الجهود الأوكرانية والغربية. فبقدر ما يترسخ الاستبداد على الصعيد العالمي، قد يُثني التصدي لما يبذله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من جهود عنيفة ومناهضة للديمقراطية من أجل إعادة رسم الحدود في أوروبا، المستبدين المحتملين عن فعل الشيء نفسه في إفريقيا.
وقبيل غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير/شباط، احتفل سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، بضبط إفريقيا للنفس في قبول الحدود الوطنية المصطنعة التي رسمتها القوى الاستعمارية. وقال كيماني: " لو اخترنا، غداة الاستقلال، متابعة الدول على أساس التجانس العرقي أو العنصري أو الديني، لبقينا اليوم نخوض حروبًا دموية بعد عدة عقود". واليوم، قد تؤدي هزيمة روسيا أيضًا إلى توجيه ضربة لأعداء القيم الديمقراطية في إفريقيا، وأولئك الذين سينضمون إلى صفوف بوتين المستبد.
ومع ذلك، فإن اهتمام المجتمع الدولي باحتواء الأضرار الجانبية لحرب أوكرانيا في إفريقيا لا يقل إلحاحاً. لذلك، بينما تقوم الحكومات والجهات المانحة الأخرى بتسريع المساعدة التي تشتد الحاجة إليها لدعم أوكرانيا، يجب أن لا تعرقل مبادرات مثل التحالف العالمي للأمن الغذائي، والإطار المشترك لمجموعة العشرين لمعالجة الديون، ومرفق "كوفاكس" للوصول العالمي للقاح كوفيد-19. إن تقليص برامج المساعدة الإنمائية لأفريقيا لن يؤدي إلا إلى زيادة الفقر، وتفاقم نقص الغذاء الذي يهدد بدفع بعض المجتمعات نحو المجاعة، وتقويض الديمقراطية.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch