oneill116_Christopher FurlongGetty Images_real estate manchester Christopher Furlong/Getty Images

هل يمكن لهذين الاتجاهين إنقاذ بريطانيا؟

لندن- تعيش المملكة المتحدة وضعا قاتما، وما زاد الطين بلة هو خفض صندوق النقد الدولي مؤخرا لتوقعاته بشأن نمو البلاد، مع أنه قدم نظرة أكثر تفاؤلا بالنسبة لبقية العالم. وكانت هذه خطوة غريبة وجريئة إلى حد ما. ولا شك أنه ثمة تحديات تواجهها المملكة المتحدة، غير أنه لا يتضح ما إذا زادت هذه التحديات حدةً منذ أن أصدر صندوق النقد الدولي آخر توقعاته في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. بل على العكس من ذلك، من المحتمل أن تستفيد المملكة المتحدة أيضًا من اقتصاد عالمي قوي.

وغالبا ما تتجاهل المناقشات بشأن الوضع القاتم الذي لا ينتهي في المملكة المتحدة اتجاهين قد يبشران بالخير، على الرغم من سوء حظ القيادة السياسية الحالية. (أقول "قد" لأن ذلك يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان بإمكان بريطانيا التصدي للفوضى السياسية التي سادت منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).

ويشمل الاتجاه الأول أسعار المساكن في المملكة المتحدة- وهو الموضوع الذي يفضل مالكو المنازل مناقشته أثناء حفلات العشاء، والذي دائما ما يشكل مصدر إحباط لجميع الأشخاص الذين لم يحالفهم الحظ ليصعدوا سلم امتلاك المنازل. وإلى جانب الافتقار إلى الحراك الاجتماعي، يعد هذا أحد التحديات الاقتصادية المركزية في المملكة المتحدة. ولكن المسألة لا تتمثل فقط في ارتفاع الأسعار قياسا إلى مستوى الدخل. بل من الأمور التي تتسم بنفس القدر من الأهمية التفاوتات الإقليمية في أسعار المساكن.

ولعقود عديدة، كانت أسعار المنازل في عقارات لندن تتجه نحو الارتفاع بمعدلات أكبر من نظيراتها في مناطق أخرى من البلاد، والاستثناءات الوحيدة كانت خلال الأزمات المالية الكبرى، عندما انخفضت أسعار العقار في لندن أيضًا (عادة ما تكون الأزمة سببا مباشرا وراء ذلك). ولكن هذا النمط بدأ ينهار منذ 2015-2016. وإذا كان التغير الواضح في أسعار المنازل يمثل اتجاهًا جديدًا، فينبغي أن يكون مسألة إيجابية في غاية الأهمية. ولكن يبدو أن المعلقين الاقتصاديين البريطانيين بالكاد لاحظوا هذا الأمر.

[ضع الرسم البياني الأول هنا.]

ومن المؤكد أن أعلى أسعار المنازل في لندن بلغت ذروتها بالفعل قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، لأن حكومة رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" اعتمدت سياسات ضريبية مصممة لتثبيط عمليات شراء المنازل الموجهة للإيجار (التي كانت في معظم الأحيان رهانات مضاربة من قبل مالكي المنازل على عقار في لندن). ولكن رغم أن أسعار المنازل الحضرية في أجزاء أخرى من إنجلترا قد بدأت بالفعل تتفوق على مثيلاتها في لندن قبل الاستفتاء، إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عزز هذا الاتجاه. وتضرر سوق العقار ذي الجودة العالية في لندن بشدة من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، في حين لم يكن له تأثير يذكر على معظم الأسواق الأخرى.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

[أدخل الرسم البياني الثاني هنا.]

ثم جاء كوفيد-19، الذي استهل عصرا جديدا من العمل عن بعد، وزاد بصورة جذرية من جاذبية المواقع ذات الأسعار المعقولة خارج لندن. وتبع ذلك إخفاقات سياسية لرئيسة الوزراء "ليز تراس"، مما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في معدلات الرهن العقاري في المملكة المتحدة، وهذا ما جعل سوق لندن أقل ميسورية بالنسبة للعديد من مالكي المنازل الطموحين.

وفي ظل هذه الظروف، لفت انتباهي إصدار حديث من صحيفة "صنداي تايمز" العقارية بمقال تحدث عن عدد المنازل في المملكة المتحدة التي تزيد قيمتها عن مليون جنيه إسترليني (1.2 مليون دولار). وخلصت إلى أنه في عام 2022، نما عدد هذه المنازل في منطقة لندن الحضرية بنسبة أقل من أي منطقة أخرى (على الرغم من أن لندن لا تزال تمثل حوالي 10 في المائة من إجمالي رصيد المساكن). ولا يقتصر هذا المقال على السوق باهضة الثمن. فإذا تعمقت في البيانات ستجد أن هذه الاتجاهات تشمل العديد من نطاقات الأسعار.

وعلى الرغم من الآثار الواضحة لهذا الاتجاه على أصحاب الدخل المنخفض، يمكن أن يشير إلى تطور إيجابي في اقتصاد المملكة المتحدة. وسيكون من الجيد جدًا للإنتاجية الإقليمية، والحراك الاجتماعي، وتوزيع الثروة إذا بدأ البريطانيون في إدراك أن هناك فرص أكبر للنجاح في أماكن أخرى غير لندن.

ويقودنا هذا إلى الاتجاه الثاني المهمل: النجاح البطيء والمطرد لتفويض السلطات. ففي العام الماضي، ولأول مرة على الإطلاق، أبلغ مكتب المملكة المتحدة للإحصاءات الوطنية عن بيانات الإنتاجية على مستوى المناطق الإدارية الفردية. وكما هو متوقع، كان نمو الإنتاجية ضعيفًا في كل مكان تقريبًا. لكن بين عامي 2004 و2020، ارتفعت الإنتاجية بنحو 18 في المائة تقريبا في مانشستر، و21 في المائة في مانشستر الكبرى، مقارنة بـ15 في المائة فقط في لندن. وفضلا عن ذلك، إذا استثنيت عام 2020- العام الذي ظهر فيه الوباء لأول مرة- بينما يتراجع الأداء المتفوق النسبي لمانشستر الكبرى مقارنة بمانشستر، فإنه لا يزال مستمرا مقارنة مع لندن.

إن هذه البيانات مشجعة لعدة أسباب. إذ لم تتبع أسعار المنازل في مانشستر الكبرى فقط النمط الأوسع نطاقا للأداء الإقليمي المتفوق على لندن في السنوات الأخيرة، بل كانت مانشستر نفسها رائدة في "ثورة تفويض السلطة" (شعار وزير الخزانة السابق "جورج أوزبورن" لتفويض سلطة أكبر للحكومات المحلية في ما يتعلق بصنع السياسات).

وبحلول صيف عام 2024، ستكون سبع مناطق (معظمها حضرية) في شمال إنجلترا قد اعتمدت نفس الهيكل الأساسي لرئاسة البلدية الذي اعتمدته مانشستر الكبرى. وإذا تمكنت من مضاهاة الحماس الإصلاحي لمانشستر الكبرى، فيمكنها أيضًا البدء في المشاركة في هذه الاتجاهات المتواضعة التي تبعث على الأمل نحو تقارب إقليمي أكبر.

والآن، على الرغم من أن هذه الاتجاهات واعدة، يبقى أن نرى ما إذا كانت ستستمر. فالمملكة المتحدة بعيدة كل البعد عن حل مشاكلها الإقليمية. وعلى الرغم من التوقعات الأفضل إلى حد ما فيما يتعلق بمانشستر الكبرى، إلا أنها لا تزال موطنًا لبعض المجالات المتدنية الأداء في البلاد، وتظل إنتاجيتها الإجمالية أدنى من نظيرتها في لندن بنسبة كبيرة بلغت 40 نقطة مئوية. وفضلا عن ذلك، إذا ارتفعت أسعار المنازل خارج لندن ارتفاعا كبيرا، فسيؤدي ذلك ببساطة إلى مشاكل جديدة في القدرة على تحمل التكاليف، خاصة إذا لم يقترن ارتفاع التكاليف بنمو في الإنتاجية، والأرباح الحقيقية، ومستويات المعيشة.

ورغم كل هذا، يستحق كلا الاتجاهين المزيد من الاهتمام والدراسة في الوقت الحالي.

ترجمة: نعيمة أبروش     Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/wwx0Rpkar