benami156_Win McNameeGetty Images_trumpyellingbleh Win McNamee/Getty Images

امريكا ترامب الغادرة

تل ابيب- ان قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجىء لدرجة الفظاظة بسحب القوات الامريكية من سوريا مما مهد الطريق للهجوم التركي ضد الاكراد هو عبارة عن خيانة غير اخلاقية لحليف استراتيجي . يمكن للمرء ان يتوقع أن يأتي الغدر من نظام فاشي أو سلطوي ولكن الذي حصل اليوم ان الولايات المتحدة الأمريكية- لاعب عالمي مع أفكار مثالية مفترضة- قد أصبحت امبرطورية العالم الغادرة .

إن تخلي ترامب المتعجرف عن الاكراد – اكثر حلفاء امريكا اخلاصا وفعالية في الحرب ضد داعش والذين حتى الاسبوع الماضي كان لديهم نقاط عسكرية مشتركة مع الجنود الامريكيين – هو آخر مثال ضمن سلسلة طويلة من الخيانات من قبل هذه الادارة. لقد حدد ترامب توجه فترته الرئاسية وذلك عندما قام بسحب الولايات المتحدة الامريكية من اتفاقية باريس للمناخ مما يعني انه اختار وبدون خجل المصالح المالية لإقطاب صناعة الوقود الاحفوري في امريكا على حساب المصالح الوجودية لبقية البشر.

لقد تخلى ترامب كذلك عن الاتفاق النووي مع ايران واعاد فرض العقوبات عليها على الرغم من ان ايران قد تقيدت بالتزاماتها بموجب الاتفاق ( واستمرت بذلك الالتزام لسنة اخرى) وحتى حلفاء امريكا الاوروبيين لم يكونوا بمأمن من قرارات ترامب حيث لم يكتفي ترامب بانتقاد حلفاءه في الناتو مرارا وتكرارا ، بل فرضت ادارته كذلك عقوبات تجارية على بضائع من الاتحاد الاوروبي تصل قيمتها الى مبلغ 7،5 مليار دولار امريكي ولقد تبجح ترامب مؤخرا بإنه على ثقة من انتصار الولايات المتحدة في الحرب التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

ان اوروبا ستخسر كذلك من تخلي ترامب عن الاكراد . لو هرب في خضم الفوضى الحالية الاف من سجناء داعش الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية –والبعض قد هرب فعلا- فإن حلفاء امريكا الاوروبيين الذين ابتعدوا عنها سوف يعانون لكن ترامب غير مهتم حيث ذكر بشكل عابر في مؤتمر صحفي " سوف يهربون لاوروبا وهو المكان الذي يريدون ان يذهبوا اليه حيث يريدون العودة لبيوتهم ".

لم يعد هناك أي شك بإنه لا يمكن التعويل على امريكا كزعيم عالمي وحليف أو شريك والدول قد اصبحت تعدل سياساتها على هذا الأساس فالهند على سبيل المثال تسعى لتوثيق علاقاتها بالصين وروسيا بعد علاقات كانت تعتبر الأعمق مقارنة بأي وقت مضى مع الولايات المتحدة الامريكية خلال العقد الماضي( ان من الجدير ذكره ان الأكراد سارعوا الى عقد صفقة مع روسيا مما يقوي من النفوذ الاقليمي للكرملين ).

وفي الوقت نفسه بدأ حلفاء امريكا في شرق اسيا بتقييم خياراتهم بالنسبة للحد من تهديد كوريا الشمالية حيث يبدو ان ترامب لم يعد مهتما بها حيث تجاهل التجارب الكورية الشمالية المتكررة على صواريخ باليستية قصيرة المدى –والتي تهدد سول وطوكيو وليس نيويورك او العاصمة واشنطن – حيث اعلن انه شخصيا غير قلق من تلك التجارب.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

تحاول كوريا الجنوبية الان عمل مصالحة مع نظيرتها الشمالية بينما ترفع اليابان ميزانيتها الدفاعية لمستويات قياسية وفي الوقت نفسه –وفي اشارة اخرى على انعدام الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية- يبدو ان تايوان تميل بشكل متزايد للمصالحة مع الصين .

ان السعودية كذلك تتأقلم مع غدر الولايات المتحدة الامريكية فمباشرة بعد الهجوم في الشهر الماضي على منشآت النفط السعودية- والذي تبنى المسؤولية عنه الثوار الحوثيين باليمن والمدعومين من ايران ولكن يعتقد على نطاق واسع ان ايران تتحمل مسؤولية ذلك الهجوم- قام ترامب بالتلميح لعمل عسكري ولكن السعودية تعلم جيدا انه لا يمكنها المراهنة على ولاء الولايات المتحدة الامريكية.

في واقع الأمر فإن الانسحاب الامريكي من سوريا جاء بعد وقت قصير من سحب عمليات قيادة ومراقبة سلاح الجو الامريكي الى خارج منطقة الخليج بعد ان كانت المنطقة مقرا لها لاربعين سنة تقريبا مما عزز التوقعات بخروج امريكي اكثر شمولا من الشرق الأوسط ولقد جاء ذلك بعد رفض ترامب الرد باستخدام القوة عندما اسقطت ايران طائرة امريكية بدون طيار بقيمة 150 مليون دولار امريكي واعاقت الملاحة في مضيق هرمز ذو الاهمية الاستراتيجية.

الان وفي ما يمكن ان يكون أم جميع الثورات الدبلوماسية في المنطقة يبدو انه هناك بداية تقارب سعودي –ايراني ومن المرجح ان تنضم دول الخليج الاخرى لمثل ذلك الاتفاق.

إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تسعى بشدة لاحضار ايران لطاولة المفاوضات. إن من المؤكد ان ترامب سيشيد بإي اتفاق نووي جديد على انه انتصار كبير على الرغم ان من الممكن ان مثل هذا الاتفاق الجديد سيكون افضل قليلا من الاتفاق السابق وهذا يشبه ما حصل في اتفاقية الولايات المتحدة الامريكية-المكسيك –كندا حيث لا يمكن اعتبار تلك الاتفاقية على انها تحسين لاتفاقية التجارة الحرة لامريكا الشمالية "نافتا ". ان من الممكن ان يعلن ترامب نفسه كخبير "فن عقد الصفقات "  ولكن مقارنة بالايرانيين فهو مفاوض مبتدأ.

لقد تعززت المكانة الاقليمية لايران بسبب حقيقة مفادها ان اسرائيل- حليفة الولايات المتحدة الامريكية الأقل قدرة على التعامل مع الخيانات- ما تزال بالكامل تحت سيطرة ترامب وفي واقع الامر فإن ترامب قد دعم بشكل كامل رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو وعبّر عن دعمه لإجراء مناقشات تتعلق بمعاهدة دفاع امريكية –اسرائيلية رسمية ولكن لو قررت ايران الرد على الهجمات المتكررة لإسرائيل على منشآتها العسكرية في سوريا والعراق فإنه لا يوجد ضمان ان الولايات المتحدة الأمريكية ستقف مع حليفتها فمثل الاكراد فإن اسرائيل لم "تساعد الولايات المتحدة الأمريكية في نورماندي " والذي يبدو انه اصبح شرط مسبق ضروري للولاء الامريكي .(بالطبع لم يذكر ترامب ان والده نفسه لم يساعد الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب العالمية الثانية كذلك حيث تجنب الخدمة العسكرية كما فعل ابناءه خلال حرب فيتنام ).

أما بالنسبة لتركيا فلقد هدد ترامب "بتدمير وطمس " اقتصادها تماما لو عملت اي شيء في حربها ضد الاكراد يعتبره "تجاوزا للحدود" وبعد ذلك ارسل رسالة عجيبة محذرا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان لا يكون "شخصا صعبا ".

لكن ما الذي يجبر اردوغان على الاستماع ؟ فهو الذي حصل على صواريخ روسيه من طراز س -400 من دون ان يحصل له شيء على الرغم من اعتراضات ترامب المفترضة ؟ الم يمنحه ترامب بالفعل جائزة احلامه : ضوء اخضر لذبح أكراد شمال سوريا ؟ وعليه لم يكن من المفاجىء ما يقال عن القاء اردوغان على الفور الرسالة في سلة المهملات .

لقد نصح الرئيس الامريكي ثيودور روزفيلت صناع السياسة الاجانب " ان يتحدثوا بنعومة وان يحملوا عصا غليظة " ولكن يبدو ان ترامب يعمل العكس تماما ولو اضفنا الى ذلك كله جهله بالتاريخ والامور الجيوسياسية وايمانه الاعمى بما يسمى "حكمته العظيمة والتي لا نظير لها " وتجاهله الواضح لحياة اي شخص خارج دائرته الضيقة فإن الخطر العالمي الذي يشكله الرئيس الخامس والاربعين لامريكا غير مبالغ فيه بالمرة.

https://prosyn.org/NkEtAJtar