واشنطن، العاصمة ــ من بين المبادئ الأساسية في أي نظام قضائي قائم بوظيفته ما يلي: لا تكذب على قاض أو تزور وثيقة مقدمة إلى محكمة، وإلا فإن مصيرك إلى السجن. والحنث باليمين على قول الصدق يُعَد شهادة زور، والكذب في وثيقة رسمية يُعَد شهادة زور واحتيال. وهي جريمة خطيرة، ولكن من الواضح أن هذا لن ينطبق عليك إذا كنت قلب النظام المالي الأميركي. فعلى العكس من ذلك، يبدو أن الأفراد من ذوي الأهمية الأساسية في هذا النظام يحصلون على تعويضات سخية عن الجرائم التي يرتكبونها.
وكما زعم دينيس كيليهر من مؤسسة أسواق أفضل فإن التسوية الأخيرة التي أطلق عليها وصف "التوقيع الآلي" ــ حيث وافقت خمسة بنوك كبرى على "تسوية" مسؤوليتها القانونية عن تنفيذ عمليات حبس رهن احتيالية ــ تُعَد بيعاً كاملاً للصناعة المالية.
فأولا، لم يشتمل الأمر على أي ملاحقة قضائية جادة ــ وهذا يعني أن لا أحد سوف يوجه إليه الاتهام بارتكاب أي جنية، ولا أحد سوف يذهب إلى السجن. ومن ناحية التأثير على حوافز المديرين التنفيذيين، فإن هذا هو الشيء الوحيد المهم في الأمر.
وحتى المصطلحات التي استخدمت لتأطير المناقشة كانت خاطئة. وعلى حد تعبير كيليهر، المحامي الذي يتمتع بخبرة واسعة في الممارسة الخاصة والقطاع العام: "إن التوقيع الآلي سلوك احتيالي إجرامي منظم". وبوسعنا بدلاً من ذلك، كما يشير كيليهر، أن نعتبر الأمر "كذباً وغشاً وسرقة".
وثانيا، كانت العقوبات المدنية في هذه التسوية ــ شكل من أشكال الغرامة ــ ضئيلة نسبة إلى حجم الشركات المتورطة في الأمر. وكما قال بجفاف شاهين ناسيريبور أحد أفضل الصحافيين الذين غطوا هذه القضية: "لا أحد من المقرضين الخمسة ذكر أنه كان يتوقع تحمل رسوم مادية نتيجة للتسوية". أو بعبارة أخرى، تشكل العقوبة من منظور الشركات شأناً تافها.
وثالثا، تُدفَع مثل هذه الغرامات في كل الأحوال من قِبَل حاملي أسهم الشركة، وليس بواسطة مديريها التنفيذيين أو أعضاء مجلس الإدارة (وجميعهم مؤمن عليهم). وفي حالات نادرة حيث فُرِضَت الغرامات على أفراد، فإما أن وثائق التأمين عليهم تحملت أغلب الغرامة، أو أن العقوبات كانت تافهة نسبة إلى التعويضات النقدية التي يحصلون عليها في حين يرتكبون جرائمهم ــ أو كلا الأمرين.
وكأن كل هذا لم يكن سيئاً بالقدر الكافي، فقد أوردت التقارير أن البنوك سوف تتمكن من استخدام أموال الحكومات لشطب قيمة قروض الرهن العقاري، وهذا يعادل دعم هذه البنوك لكي تسدد الغرامات التي بلا معنى المفروضة عليها.
لقد بذلت إدارة أوباما وحلفاؤها قصارى جهدهم للترويج لتسويتهم مع البنوك والتي بلغت 20 مليار دولار تقريباً باعتبارها التسوية التي ستخلف تأثيراً ملموساً على سوق الإسكان. ولكن لا شيء قد يكون أبعد من هذا عن الحقيقة. فكما يشير كيليهر، فإن الولايات المتحدة بها "أكثر من 10 ملايين مسكن أصبحت قيمته الحقيقية أقل من أقساط الرهن العقاري المستحقة عليه. ومن المؤكد أن عشرين مليار دولار لا تكفي لإحداث أقل أثر: فهذا المبلغ لا يكفي إلا لتغطية الإعفاء من القروض بقيمة 20 ألف دولار لمليون وحدة سكنية".
والواقع أن التسوية التي أقرتها إدارة أوباما مع مقرضي الرهن العقاري تتوافق مع سجلها فيما يتصل بكل سياساتها المتصلة بالقطاع المالي، والذي كان رديئاً للغاية. ولكنها تسوية محيرة أيضا، فما الذي قد يحمل الإدارة على الاستمرار في تساهلها العجيب في التعامل مع البنوك الكبرى في ظل هذه الظروف؟
وأنا بصراحة لا أعتقد أن موقف الإدارة يعكس أي شكل من أشكال الفساد ــ مبالغ مدفوعة لأفراد أو حتى حملات سياسية. وفي حالتنا هذه فإن هذا الموقف لا يبدو حتى وكأنه يعكس قوى الضغط التي يفرضها كبار اللاعبين الماليين. ومن المؤكد أن هذه الضغوط تفسر لماذا لم تكن إصلاحات دود-فرانك المالية التي أقرت في عام 2010 أكثر قوة، ولماذا لا يوجد قدر كبير من المعارضة للتنفيذ الفعلي لهذا التشريع (على سبيل المثال، في الوقت الحالي تدور معركة ضخمة حول "قاعدة فولكر"، التي يعني تنفيذها الحد من المتاجرة في الأملاك من قِبَل البنوك العملاقة). ولكن الأنشطة الإجرامية التي تقوم بها شركات إقراض الرهن العقاري مسألة أخرى.
وعلى المحك فيما يتصل بتسوية الرهن العقاري هناك انتهاكات جوهرية ومنهجية لسيادة القانون ــ شهادة الزور والاحتيال على مستوى الاقتصاد بالكامل. ولا شك أن وزارة العدل تملك كل السلطة اللازمة لملاحقة هذه الجرائم المزعومة قضائياً حتى النهاية. ورغم هذا فإن كبار المسؤولين عن فرض القانون في أميركا كانوا يتراجعون عادة ــ والآن بشكل كامل.
ومن الواضح أن الدافع الرئيسي وراء تساهل الإدارة الأميركية مع هذا النوع الخطير من الإجرام يتلخص في الخوف من العواقب التي قد تترتب على اتخاذ تدابير صارمة ضد البنوك الفردية. وربما كان المسؤولون محقين في خوفهم هذا، نظراً لحجم البنوك المعنية الهائل نسبة إلى الاقتصاد. بل إن هذه البنوك أصبحت الآن أضخم مما كانت عليه قبل الأزمة. وكما أثبتنا بالوثائق أنا وجيمس كواك في كتابنا "ثلاثة عشر مصرفيا"، فإن هذه البنوك الآن أضخم مما كانت عليه قبل عشرين عاما.
إن كبار المصرفيين يريدون تكديس المال. وهم يريدون أيضاً أن يظلوا خارج السجن. وبوسع الساسة أن إثارة أعظم قدر من الضجيج، ولكن في غياب أي تهديد حقيقي بالفقر أو السجن، فإن المصرفيين ليس لديهم من الأسباب ما قد يدعوهم إلى الالتزام بالقانون. ففي نظرهم يدور الأمر برمته حول التجارة ــ وقد يقع المرء فريسة لبلاهته في السياسة العامة بنفس القدر من السهولة التي قد يقع بها فريسة لبلاهته في اتفاقية قرض فردي.
إن الرسالة الموجهة إلى المسؤولين التنفيذيين عن البنوك اليوم بسيطة: أسسوا بنوككم بحيث تكون كبيرة قدر الإمكان ــ ثم استمروا في تضخيمها. وإذا تمكنتم من بلوغ القدر الكافي من الضخامة، فإنكم أنتم والعاملون لديكم لن تصبحوا أضخم من أن يسمح لكم بالإفلاس فحسب، بل وأضخم من أن تساقوا إلى السجن.
ويبدو أن إدارة أوباما جعلت من الآخرين كلهم مجموعة من البلهاء.
واشنطن، العاصمة ــ من بين المبادئ الأساسية في أي نظام قضائي قائم بوظيفته ما يلي: لا تكذب على قاض أو تزور وثيقة مقدمة إلى محكمة، وإلا فإن مصيرك إلى السجن. والحنث باليمين على قول الصدق يُعَد شهادة زور، والكذب في وثيقة رسمية يُعَد شهادة زور واحتيال. وهي جريمة خطيرة، ولكن من الواضح أن هذا لن ينطبق عليك إذا كنت قلب النظام المالي الأميركي. فعلى العكس من ذلك، يبدو أن الأفراد من ذوي الأهمية الأساسية في هذا النظام يحصلون على تعويضات سخية عن الجرائم التي يرتكبونها.
وكما زعم دينيس كيليهر من مؤسسة أسواق أفضل فإن التسوية الأخيرة التي أطلق عليها وصف "التوقيع الآلي" ــ حيث وافقت خمسة بنوك كبرى على "تسوية" مسؤوليتها القانونية عن تنفيذ عمليات حبس رهن احتيالية ــ تُعَد بيعاً كاملاً للصناعة المالية.
فأولا، لم يشتمل الأمر على أي ملاحقة قضائية جادة ــ وهذا يعني أن لا أحد سوف يوجه إليه الاتهام بارتكاب أي جنية، ولا أحد سوف يذهب إلى السجن. ومن ناحية التأثير على حوافز المديرين التنفيذيين، فإن هذا هو الشيء الوحيد المهم في الأمر.
وحتى المصطلحات التي استخدمت لتأطير المناقشة كانت خاطئة. وعلى حد تعبير كيليهر، المحامي الذي يتمتع بخبرة واسعة في الممارسة الخاصة والقطاع العام: "إن التوقيع الآلي سلوك احتيالي إجرامي منظم". وبوسعنا بدلاً من ذلك، كما يشير كيليهر، أن نعتبر الأمر "كذباً وغشاً وسرقة".
وثانيا، كانت العقوبات المدنية في هذه التسوية ــ شكل من أشكال الغرامة ــ ضئيلة نسبة إلى حجم الشركات المتورطة في الأمر. وكما قال بجفاف شاهين ناسيريبور أحد أفضل الصحافيين الذين غطوا هذه القضية: "لا أحد من المقرضين الخمسة ذكر أنه كان يتوقع تحمل رسوم مادية نتيجة للتسوية". أو بعبارة أخرى، تشكل العقوبة من منظور الشركات شأناً تافها.
وثالثا، تُدفَع مثل هذه الغرامات في كل الأحوال من قِبَل حاملي أسهم الشركة، وليس بواسطة مديريها التنفيذيين أو أعضاء مجلس الإدارة (وجميعهم مؤمن عليهم). وفي حالات نادرة حيث فُرِضَت الغرامات على أفراد، فإما أن وثائق التأمين عليهم تحملت أغلب الغرامة، أو أن العقوبات كانت تافهة نسبة إلى التعويضات النقدية التي يحصلون عليها في حين يرتكبون جرائمهم ــ أو كلا الأمرين.
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
وكأن كل هذا لم يكن سيئاً بالقدر الكافي، فقد أوردت التقارير أن البنوك سوف تتمكن من استخدام أموال الحكومات لشطب قيمة قروض الرهن العقاري، وهذا يعادل دعم هذه البنوك لكي تسدد الغرامات التي بلا معنى المفروضة عليها.
لقد بذلت إدارة أوباما وحلفاؤها قصارى جهدهم للترويج لتسويتهم مع البنوك والتي بلغت 20 مليار دولار تقريباً باعتبارها التسوية التي ستخلف تأثيراً ملموساً على سوق الإسكان. ولكن لا شيء قد يكون أبعد من هذا عن الحقيقة. فكما يشير كيليهر، فإن الولايات المتحدة بها "أكثر من 10 ملايين مسكن أصبحت قيمته الحقيقية أقل من أقساط الرهن العقاري المستحقة عليه. ومن المؤكد أن عشرين مليار دولار لا تكفي لإحداث أقل أثر: فهذا المبلغ لا يكفي إلا لتغطية الإعفاء من القروض بقيمة 20 ألف دولار لمليون وحدة سكنية".
والواقع أن التسوية التي أقرتها إدارة أوباما مع مقرضي الرهن العقاري تتوافق مع سجلها فيما يتصل بكل سياساتها المتصلة بالقطاع المالي، والذي كان رديئاً للغاية. ولكنها تسوية محيرة أيضا، فما الذي قد يحمل الإدارة على الاستمرار في تساهلها العجيب في التعامل مع البنوك الكبرى في ظل هذه الظروف؟
وأنا بصراحة لا أعتقد أن موقف الإدارة يعكس أي شكل من أشكال الفساد ــ مبالغ مدفوعة لأفراد أو حتى حملات سياسية. وفي حالتنا هذه فإن هذا الموقف لا يبدو حتى وكأنه يعكس قوى الضغط التي يفرضها كبار اللاعبين الماليين. ومن المؤكد أن هذه الضغوط تفسر لماذا لم تكن إصلاحات دود-فرانك المالية التي أقرت في عام 2010 أكثر قوة، ولماذا لا يوجد قدر كبير من المعارضة للتنفيذ الفعلي لهذا التشريع (على سبيل المثال، في الوقت الحالي تدور معركة ضخمة حول "قاعدة فولكر"، التي يعني تنفيذها الحد من المتاجرة في الأملاك من قِبَل البنوك العملاقة). ولكن الأنشطة الإجرامية التي تقوم بها شركات إقراض الرهن العقاري مسألة أخرى.
وعلى المحك فيما يتصل بتسوية الرهن العقاري هناك انتهاكات جوهرية ومنهجية لسيادة القانون ــ شهادة الزور والاحتيال على مستوى الاقتصاد بالكامل. ولا شك أن وزارة العدل تملك كل السلطة اللازمة لملاحقة هذه الجرائم المزعومة قضائياً حتى النهاية. ورغم هذا فإن كبار المسؤولين عن فرض القانون في أميركا كانوا يتراجعون عادة ــ والآن بشكل كامل.
ومن الواضح أن الدافع الرئيسي وراء تساهل الإدارة الأميركية مع هذا النوع الخطير من الإجرام يتلخص في الخوف من العواقب التي قد تترتب على اتخاذ تدابير صارمة ضد البنوك الفردية. وربما كان المسؤولون محقين في خوفهم هذا، نظراً لحجم البنوك المعنية الهائل نسبة إلى الاقتصاد. بل إن هذه البنوك أصبحت الآن أضخم مما كانت عليه قبل الأزمة. وكما أثبتنا بالوثائق أنا وجيمس كواك في كتابنا "ثلاثة عشر مصرفيا"، فإن هذه البنوك الآن أضخم مما كانت عليه قبل عشرين عاما.
إن كبار المصرفيين يريدون تكديس المال. وهم يريدون أيضاً أن يظلوا خارج السجن. وبوسع الساسة أن إثارة أعظم قدر من الضجيج، ولكن في غياب أي تهديد حقيقي بالفقر أو السجن، فإن المصرفيين ليس لديهم من الأسباب ما قد يدعوهم إلى الالتزام بالقانون. ففي نظرهم يدور الأمر برمته حول التجارة ــ وقد يقع المرء فريسة لبلاهته في السياسة العامة بنفس القدر من السهولة التي قد يقع بها فريسة لبلاهته في اتفاقية قرض فردي.
إن الرسالة الموجهة إلى المسؤولين التنفيذيين عن البنوك اليوم بسيطة: أسسوا بنوككم بحيث تكون كبيرة قدر الإمكان ــ ثم استمروا في تضخيمها. وإذا تمكنتم من بلوغ القدر الكافي من الضخامة، فإنكم أنتم والعاملون لديكم لن تصبحوا أضخم من أن يسمح لكم بالإفلاس فحسب، بل وأضخم من أن تساقوا إلى السجن.
ويبدو أن إدارة أوباما جعلت من الآخرين كلهم مجموعة من البلهاء.