إعادة تثقيف هونج كونج

هونج كونج ــ بعد أقل من 100 يوم في منصبه، دخل رئيس هونج كونج الجديد سي. واي. ليونج وحدة العناية المركزة السياسية بالفعل. ففي وقت قياسي فَقَد ليونج هيبته ولياقته ومصداقيته وزعامته الفولاذية.

ففي غضون أسبوعين فقط من توليه مهام منصبه الرسمية ألقي القبض على أحد وزرائه المعينين في حكومته بتهمة الفساد. ثم تبين أن وزيراً آخر في حكومته يدير مجمع شقق رخيصة غير قانونية أشبه بالأقفاص، ولكنه أنحى باللائمة كلياً على زوجته وأنكر أي علاقة له بالأمر. ثم ضُبِط ليونج ذاته وقد أقام عِدة مبان غير قانونية في مسكنه، وهي المخالفة التي استغلها بنجاح ضد منافسه هنري تان في الحملة الانتخابية.

كما ميز ليونج نفسه باستفزاز عدد كبير من معلمي المدارس والطلاب ودفعهم إلى تنظيم احتجاجات شوارع حاشدة ضد جهوده المتسرعة الرامية إلى إدراج برنامج "تثقيف وطني" في المناهج الدراسية من أجل "إعادة ارتباط" شباب هونج كونج بالوطن الأم. ففي نظر عشرات الآلاف من الطلاب المحتجين، وعدد كبير من آبائهم، كانت الوفاة المحتملة لمنهج تعليمي صادق ونزيه أعظم من احتمالهم.

والواقع أن الهدف من هذا البرنامج الموروث عن الإدارة السابقة كان طيبا: توسيع المعرفة بين الشباب حول الصين الحديثة. ولكن كما أشار تان عن حق في الرد على سؤال عن الاحتجاجات فإن "الشيطان يكمن في التفاصيل".

ترجع كل هذه الضجة إلى ظهور كتاب مدرسي "نموذجي" ممول من الحكومة ومنشور بواسطة مركز بحثي موال للصين. ويحتوي الكتاب المدرسي في الأغلب على الدعاية، بما في ذلك التأكيد على روعة نظام الحزب الواحد في الصين، في مقابل الديمقراطية التعددية كما تمارس في الولايات المتحدة والتي تسببت في خلق اضطرابات اجتماعية ضارة. ولا يناقش هذا البرنامج السياسات القاتلة التي انتهجت منذ عام 1949 والتي أدت إلى اضطهاد وتجويع عشرات الملايين من الصينيين. ولا يذكر الحركات السياسية المهلكة منذ "القفزة الكبرى" وإلى "الثورة الثقافية". ومن الواضح أن المقصود من البرنامج كان التلقين وليس التثقيف.

وبسبب الاحتجاجات الحاشدة اضطر ليونج إلى سحب الموعد النهائي لإدراج المناهج الجديدة. كما أعطى المدارس قدراً كبيراً من المرونة فيما يتصل بموعد وربما كيفية تطبيق هذه المناهج. ولأن كل المدارس تقريباً تعتمد على الإعانات الحكومية، فإن الحديث عن المرونة في التطبيق اعتُبِر على نطاق واسع مجرد وسيلة تكتيكية للتأخير. وبتعريض أمن مديري المدارس الوظيفي للخطر، فمن المؤكد أن أغلبهم سوف ينفذون البرنامج.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

صحيح أن المتظاهرين، تحت قيادة طالب لا يتجاوز عمره خمسة عشر عاماً والذي تحول إلى بطل شعبي، تراجعوا الآن، ولكن هذا أيضاً كان قراراً تكتيكيا. فقد وعد الطلاب بالاستمرار في مقاومة البرنامج إلى أن يتم إلغاؤه.

ولكن لماذا تسعى حكومة الصين إلى فرض هذا المنهج في المقام الأول؟ إن شعب هونج كونج واحد من أفضل شعوب العالم تعليما: فالمدينة، من حيث نصيب الفرد، ربما كان عدد خريجيها من أفضل عشرين جامعة على مستوى العالم أكثر من نظيره في أي مكان آخر خارج مانهاتن.

ولكن على الرغم من هذا، وبعد أكثر من ستين عاماً في السلطة، لا يزال الحزب الشيوعي الصيني متمسكاً بشعور عميق بانعدام الأمان. فقد تكون شبكة الإنترنت في كل مكان من الصين الحديثة، ولكن لا تزال بعض المواقع التي تعتبر جزءاً من الحياة الطبيعية في مختلف أنحاء العالم، مثل يوتيوب وفيس بوك، محظورة حتى الآن هناك، ولقد أنشأ مكتب الأمن العام نظاماً واسعاً للرقابة على الإنترنت يغربل ويراقب كل ما يعتقد حكام الصين أنه يستحق خشيتهم.

وفي حين تشكل المعارضة شريان الحياة في أي مجتمع مفتوح، فإنها في الصين تُعَد سُماً خطيرا. فضلاً عن ذلك فإن الصين تخشى أن تشكل هونج كونج، التي يقل عدد سكانها عن ثمانية ملايين نسمة، مشكلة جهازية كشكل بديل للحكم، حتى مع أن العديد من الشيوعيين وحلفائهم يشغلون مناصب رئيسية في القطاعين الخاص والعام في هونج كونج.

وبدلاً من قبول حقيقة مفادها أن "الحب" لا يمكن فرضه، بل لابد من الفوز به، فإن "الوطنيين" المفرطين في التعصب في هونج كونج لا يطيقون الانتظار حتى يظهرون ولاءهم من خلال محاولة فرض دعاية بدائية. والواقع أن قِلة من الناس في هونج كونج يصدقون الشعار الذي يرفعه أهل النخبة السياسية بأن فرض برنامج التربية الوطنية هو التصرف "الصائب". فهم يدركون أن كل أبناء النخبة الحاكمة تقريباً يلتحقون بمدارس باهظة التكاليف في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث يصبحون بمنأى عن الهراء الغبي في الديار.

على سبيل المثال، يُقال إن ابن ليونج طالب في كلية وينشستر، وهي واحدة أكثر مدارس المملكة المتحدة الداخلية تميزا. وأغلب أبناء النخبة الحاكمة في بكين، إن لم يكن كلهم، في وضع مماثل. فابنة تشي جين بينج، زعيم المستقبل المفترض الذي عاد إلى الظهور الآن بعد غياب غير مفسر، تدرس في جامعة هارفارد تحت اسم مستعار. ومن المعروف أن بو كواكوا الولد المحب للسهرات والاحتفالات لعضو المكتب السياسي السابق المطهر بو تشي لاي، درس في هارو، المدرسة الأم لونستون تشرشل، ثم أكسفورد وهارفارد. ومن الواضح أن آباء هؤلاء الأبناء يدركون أن "التربية الوطنية" غير مطلوبة للتعليم الجيد.

من المؤسف أن الجيل الأحدث سناً في هونج كونج بدأ يفقد الثقة في الديمقراطية. فالانتخابات الشعبية لا تترجم إلى التمثيل في نظام مصمم بواسطة الصين لضمان فوز حلفائها بالأغلبية في كل مرة. ونتيجة لهذا فإن المزيد والمزيد من الشباب يتجهون إلى مظاهرات الشوارع للتعبير عن آرائهم. ورغم أن لا أحد في هونج كونج يريد الاستقلال عن الصين، فإن سياسات لي الذراع المستمرة لإرغام هونج كونج على "الوقوع في حب" الصين قد تبدأ في إلهام الشباب مثل هذه المشاعر.

إن عدم اكتراث ليونج بالمشاعر الشعبية يعيد إلى الحياة واحدة من القضايا الرئيسية التي نجح في مراوغتها أثناء الحملة الانتخابية. فقد نفى بشدة في ذلك الوقت كونه عضواً سابقاً في الحزب الشيوعي الصيني. ولقد زعم أنه لا يقيم وزناً إلا لمصلحة هونج كونج في إطار صيغة "الدولة الواحدة ونظامين" الذي تبنته الصين. ولكنه حتى الآن يبدو وكأنه ميال إلى جعل أحد هذين النظامين مماثلاً للآخر.

ولكن مصلحة الصين الوطنية تتلخص في ضمان بقاء هونج كونج مدينة حديثة ومفتوحة من الطراز الأول. وسحب هونج كونج إلى الأسفل باسم الوطنية لن يفضي إلا إلى إعاقة التقدم نحو الحداثة التي تحتاج إليها الصين بالكامل حتى يتسنى لها أن تصبح عظيمة حقا.

ترجمة: أمين علي          Translated by: Amin Ali

https://prosyn.org/EkciPc5ar