هل نتعلم من أزمة ليمان

هونج كونج ــ عندما انهار بنك الاستثمار الأميركي ليمان براذرز قبل خمس سنوات، لم تكن اقتصادات الأسواق الناشئة تحتفظ بقدر كبير من الأصول المالية السامة ــ في الأساس ديون الرهن العقاري الثانوي الأميركية ــ التي غذت الأزمة المالية العالمية اللاحقة. ولكنها تأثرت بشدة نتيجة لهبوط التجارة العالمية، التي سجلت انحداراً قياسياً من الذروة إلى الحضيض بنسبة لا تقل عن 15%، مع انكماش التمويل التجاري أيضاً بشكل حاد، نظراً لنقص السيولة الدولارية. ولكن هل كانت استجابة صناع القرار السياسي مناسبة منذ ذلك الحين؟

بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة، تبنت بلدان مجموعة العشرين حزم تحفيز ضخمة، وسياسات نقدية غير تقليدية في الاقتصادات المتقدمة، وجهوداً مؤسسية كبرى، مثل تشريع دود-فرانك للإصلاح المالي في الولايات المتحدة ومبادرة بازل 3 لتعزيز المعايير المصرفية. وساعدت حزمة التحفيز التي كشفت الصين النقاب عنها في عام 2008 بمبلغ 4 تريليون يوان في استعادة الثقة في أسواق السلع الأساسية العالمية. وبقيادة النمو الصيني القوي، استقرت الأسواق الناشئة.

منذ عام 2009، أدى التيسير الكمي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى انخفاض أسعار الفائدة في مختلف أنحاء العالم إلى مستويات متدنية غير مسبوقة. ولكن في حين عملت الزيادة الناتجة في تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة على تحفيز النمو الاقتصادي، فإنها كانت أيضاً السبب في تضخم فقاعات الأصول.

الآن، ومع تفكير بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي علناً في إنهاء مشترياته الهائلة المفتوحة من الأوراق المالية الطويلة الأجل وهروب رأس المال الأجنبي من الأسواق الناشئة، يخشى كثيرون أن تنهار اقتصادات آسيا كما حث في أواخر التسعينيات. وقد بلغت الاستدانة في قطاع الأسر وقطاع الشركات في بعض الأسواق الناشئة مستويات غير مسبوقة. كما تباطأ النمو الاقتصادي السنوي في الصين إلى نحو 7.5%، في حين تشهد إندونيسيا والهند ــ والبرازيل وجنوب أفريقيا خارج آسيا ــ ضغوطاً هبوطية حادة على أسعار صرف عملاتها.

ولم نشهد فضلاً عن ذلك أي إصلاح كبير لبنية النظام المالي العالمي. صحيح أن الرنمينبي الصيني يتجه نحو التحول إلى عملة دولية، ولكن حصته في المدفوعات العالمية تظل صغيرة نسبيا، حيث يحتفظ الدولار بدوره بوصفه العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. ورغم تقدم الإصلاح التنظيمي، فإن فعاليته في معالجة نقاط الضعف التي كشفت عنها الأزمة المالية العالمية لن تعتمد على القواعد الجديدة التي تنشأ فحسب، بل وأيضاً على اتساق وجودة تنفيذ هذه القواعد.

وقد حدث تقدم جدير بالثناء في ما يتصل بمتطلبات رأس المال بموجب اتفاقية بازل 3، حيث أصدر 25 عضواً من أصل 27 في لجنة بازل قواعد نهائية. وعلى نحو مماثل، فإن تأثير التغييرات التنظيمية الناتجة عن التشريعات الرئيسية وتوجيهات السياسة العامة في الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة من المرجح أن تكون كبيرة ومؤثرة على العمل المصرفي، والتأمين، والضرائب على الصفقات المالية، ومكافحة غسل الأموال، والفضاء الإلكتروني.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

وبرغم أن القواعد المتعلقة بالظل المصرفي لم توضع بعد، فقد خفت مشكلة أخرى كشفت عنها الأزمة: فقد تقلص العجز الخارجي الأميركي إلى 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي جعل التعامل معه أسهل كثيرا، وكان ذلك مصحوباً بانخفاض الفوائض لدى اليابان والصين. وهذا يعني أن عملية إعادة التوازن إلى التجارة العالمية قد بدأت.

ومع ذلك فإن الأوضاع المالية في الاقتصادات المتقدمة تظل غير قابلة للاستمرار، حيث تحوم مستويات الدين في العديد من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول مستوى 100% من الناتج المحلي الإجمالي. فاليابان، التي لديها واحدة من أعلى نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم، والتي تتجاوز حالياً 200%، تنخرط في تجربة محفوفة بالمخاطر بتقديم المزيد من الحوافز النقدية في محاولة لاستهداف تضخم سنوي بنسبة 2%. وفي العديد من الاقتصادات المتقدمة بلغت السياسات النقدية والمالية أقصى حدود فعاليتها.

والتساؤلات الرئيسية الآن هي ما إذا كان نمو الاقتصاد العالمي قادراً على دعم نفسه ذاتياً في غياب التيسير الكمي، وما إذا كان الناتج في الأسواق الناشئة سيستمر في الارتفاع بقوة، ولو بوتيرة أبطأ، وما إذا كانت جهود الإصلاح المالي العالمية الحالية كافية لمنع أزمة أخرى في الأسواق الناشئة.

ونظراً للدرجة العالية من التجارة والعولمة المالية التي تميز الاقتصاد العالمي الآن، فلا شك أن التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة، التي تشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي، سوف يقوض النمو في البلدان الناشئة. والواقع أن التهديد بسحب التيسير الكمي بدأ يخلف بالفعل تأثيراً هائلاً على أسواق الأصول في الاقتصادات الناشئة. ومع اتجاه أسعار الفائدة الحقيقية وعلاوات المخاطر إلى الارتفاع فإن مستوى التجارة العالمية والاستثمار سوف ينخفض.

والأرجح أن الأسواق الناشئة سوف تخوض في السنوات المقبلة صراعاً ضد تنفيذ معايير تنظيمية مالية عالمية، والتي تنطبق في الأغلب على الأسواق المالية الأكثر تطورا. وسوف تواجه أيضاً بيئة خارجية سريعة التغير وحاجة متنامية إلى إدارة تدفقت رأس المال بشكل أكثر فعالية، وهو ما يتطلب تنسيقاً أوثق بين البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية.

ولعل الدرس الأكثر أهمية في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز هو أننا لم نعد نملك ترف دراسة المشاكل من منظور المؤسسات الفردية ومن داخل "الصوامع" التنظيمية. والواقع أن الدرجة العالية التي يتسم بها الاقتصاد العالمي من الترابط والاعتماد المتبادل وآليات المردود المعقدة تعني ضمناً أن وجود محور واحد ضعيف كفيل بإسقاط النظام بالكامل.

وبعبارة أخرى، يحتاج العالم إلى نهج نظامي شامل للتعامل مع المخاطر النظامية وفشل النظام. ومن المؤسف أن الأمل قد يكون ضعيفاً في تعزيز قوة الإدارة المالية العالمية طالما ظل تنفيذ وفرض القواعد مقتصراً على المستوى الوطني.

ومثلها كمثل الأسواق الناشئة الأخرى فإن الصين ملتزمة بالاستقرار المالي والاضطلاع بدورها في إصلاح النظام المالي العالمي. وكانت الصين واحدة من أوائل البلدان التي وقعت على معايير بازل 3، وسوف يتم المضي قدماً في تدويل الرنمينبي بطريقة حكيمة وواقعية. وسوف تركز الإصلاحات المالية على تعزيز عملية تنسيق السياسات، والتحرك باتجاه أسعار الفائدة التي تحددها السوق، فضلاً عن مرونة أسعار الصرف.

سوف تساهم كل هذه الخطوات في تعزيز النمو المحلي المستدام ودعم النظام المالي العالمي الأكثر استقرارا. ومن الحكمة أن يتصرف صناع السياسات في الاقتصادات الناشئة الرئيسية الأخرى وقد وضعوا نفس الهدف نصب أعينهم.

ترجمة: أمين علي          Translated by: Amin Ali

https://prosyn.org/dN56uPCar