a882810346f86f680b0cd517_pa3536c.jpg

الأرض تتحرك تحت أقدام البريطانيين

لندن ـ إن البراكين تخلف عواقب وخيمة عادة ـ وأنا لا أقصد هنا الفوضى التي لحقت بالسفر الجوي بسبب اندلاع بركان أيسلندا، الذي يتعذر النطق باسمه، (والمعروف بين أوساط وزارة الدفاع الأميركية بالرمز E-15).

في عام 1783 قذف بركان في أيسلندا كميات هائلة من الرماد إلى الغلاف الجوي، حتى أن درجات الحرارة في نصف الكرة الأرضية الشمالي بالكامل سجلت هبوطاً حاداً لمدة تقرب من الثلاثة أعوام. ولقد أسفر هذا عن تلف المحاصيل وانتشار المجاعات، حتى أن بعض المؤرخين زعموا أن ذلك الحدث ساعد في التعجيل بقيام الثورة الفرنسية.

ولكن هل يعني هذا أن ثورة بركان أيسلندا في عام 2010 كانت مسؤولة عن اندلاع "الثورة البريطانية"؟ لا شك أن زعماً كهذا سوف يكون من قبيل المبالغة. ولكن الاتفاق الذي تم بين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين على تشكيل حكومة ائتلاف يُعَد في نظر العديد من الناخبين البريطانيين ثورة كبرى. ففي لندن تبدو بعض ترتيبات الحكم التي تعتبرها بلدان أخرى من الأمور المسلم بها أنماطاً جديدة تماماً من السياسة.

لقد انتهت الانتخابات إلى نتيجة غير حاسمة، حتى مع أن حزب المحافظين حصل على 7% من الأصوات الشعبية زيادة على ما حصل عليه صاحب المرتبة الثانية حزب العمال. والواقع أن الفشل في تحقيق المساواة في أعداد الناخبين بين الدوائر الانتخابية المختلفة لم يكن في مصلحة الحزب الفائز على الإطلاق، حيث يتطلب الأمر عدداً أكبر من الأصوات لإرسال نائب محافظ إلى البرلمان مقارنة بالعدد المطلوب لإرسال نائب من حزب العمال إلى البرلمان.

ولكن التحالف الذي انتهت إليه المفاوضات بين المحافظين تحت زعامة ديفيد كاميرون وصاحب المرتبة الثالثة حزب الديمقراطيين الليبراليين (والذي من المفترض أن يعطي الحكومة أغلبية مريحة في البرلمان) ليس جديداً إلى الحد الذي يصوره بعض الناس.

ففي الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، كانت الحكومات الائتلافية شائعة في بريطانيا. ولم تصبح القاعدة وصول حكومة حزب واحد إلى الحكم إلا في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من التحالف غير الرسمي بين العمال والليبراليين في سبعينيات القرن العشرين.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

هناك مقولة شهيرة لرئيس الوزراء بنجامين دزرائيلي من القرن التاسع عشر: "إن بريطانيا لا تحب التحالفات". ورغم أنه من السابق لأوانه أن نصدر الأحكام الآن، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن البريطانيين يحبون على الأقل مظهر التحالف الحالي والغرض منه.

ولكن هل من الممكن أن يدوم هذا الافتتان؟

على الصعيد المحلي، يميل المحافظون والليبراليون إلى الخلاف الشديد فيما يبنهما. ويرجع هذا جزئياً إلى أن الليبراليين كانوا يعتمدون في ازدهارهم عادة على انتزاع المقاعد من المحافظين كلما تدنت شعبية الإدارات المحافظة. والمحافظون من جانبهم يرون أن الليبراليين يجمعون بين النفاق السياسي والتكتيكات الانتخابية المتعصبة.

وهناك فضلاً عن ذلك اختلافات سياسية جوهرية بين الحزبين، حيث يضع الليبراليون الإصلاح السياسي على رأس أجندتهم، من أجل ترسيخ نظام انتخابي يناسبهم على نحو أفضل.

وعلى الرغم من كل هذا فقد تم التزاوج بين الحزبين، حيث أقدم زعيما الحزبين اللذان يتمتعان بالذكاء والجاذبية ويتسمان بالتقارب الاجتماعي ـ ديفيد كاميرون ونِك كليج ـ على خوض مجازفة جريئة يتوقف النجاح فيها على قدرتهما على الترويج لهذا الاستعراض الجديد وإبقائه على المسار السليم.

ولقد وافق كاميرون وكليج، في إبداع دستوري جديد، على دوام التحالف لخمسة أعوام كاملة حتى يحين موعد الانتخابات المقبلة. ولقد توصلا إلى أرضية مشتركة تشتمل على تبادل الأخذ والعطاء بين الجانبين. فقد أخذ الليبراليون خمسة مقاعد في مجلس الوزراء، وأكثر من ذلك في المراتب الوزارية الأدنى. كما وافق المحافظون على عقد استفتاء حول ما إذا كان يتعين على بريطانيا أن تغير نظامها الانتخابي الحالي الذي يقوم على فوز أول من يحصل على عدد كاف من الأصوات إلى نظام التصويت الاختياري.

وبالنسبة لكل من الحزبين فإن المبرر الأكبر وراء هذه الشجاعة السياسية غير التقليدية يكمن في حجم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها بريطانيا. والواقع أن الائتلاف الليبرالي المحافظ يرث أسوأ تركة اقتصادية منذ الحرب، في ظل الثغرة الهائلة في التمويل العام والتي أصبحت تبدو وكأنها تتعمق وتتسع على نحو متواصل مع حصول الوزراء الجدد على الفرصة لتفقد الأمور بأنفسهم.

كان ليام بيرن، وزير ميزانية حكومة العمال المنتهية ولايته، قد ترك رسالة لخلفه يقول فيها: "أخشى أنك لن تجد أي نقود. تحياتي وتمنياتي بالتوفيق". كان من المفترض أن تكون هذه الرسالة من قبيل المزاح، ولكن لا أظن أننا قد نسمع الضحكات حين يتم خفض البرامج العامة شبه المقدسة، وتقليص استحقاقات الضمان الاجتماعي، وزيادة الضرائب.

وسوف تحتاج أسواق السندات إلى إجراء سريع وفعّال. لذا فإن الحكومة الجديدة لن تجد بديلاً غير الشروع في تنفيذ المهمة الثقيلة الطويلة الأمد المتمثلة في تدبير الموارد المالية للدولة وتحقيق الفائض. والدرس الذي يتعين على حكومات أخرى أن تستقيه من هذا واضح: إن كنت تريد أن تتصرف باستقلال فلا تقيد يديك بنفسك.

ومن وجهة نظر المحافظين فهناك الكثير الذي ينبغي أن يقال فيما يتصل بتقاسم المسؤولية حول ما ينبغي أن يفعل. وفي الوقت نفسه هناك فرصة سانحة أمام الليبراليين لإثبات قدرتهم على تولي زمام الحكم.

ولكن بمرور الشهور فربما يدرك كل من الحزبين أن الصعوبة السياسية الأعظم التي يواجهها تتمثل في التعامل مع المجموعات المهمشة في معسكره ـ اليساريين في حزب المحافظين، الذين لا يحبون الاعتدال الوسطي الذي تتسم به السياسات التي يتبناها الائتلاف، واليساريين في الحزب الديمقراطي الليبرالي الذين لا يريدون دعم حكومة يهيمن عليها المحافظون.

ولكن إذا نجح التحالف واستمر، فهذا يعني أننا لن نشهد انفجاراً بركانياً سياسياً في بريطانيا، بل سنشهد تحركاً حقيقياً للصفائح التكتونية التي تقوم عليها السياسة البريطانية. وإذا حدث ذلك فلن يظل أي شيء كما كان عليه في سابق عهده أبدا.

https://prosyn.org/b25uAQbar