واشنطن، العاصمة ــ قبل قرنين من الزمان، استولى البريطانيون على واشنطن العاصمة ــ ثم انبروا يشعلون النيران في المباني الرسمية، بما في ذلك البيت الأبيض، ووزارة الخزانة، والكونجرس. واليوم، كانت إحدى جماعات المصالح المحلية ــ البنوك البالغة الضخامة ــ هي التي استولت على واشنطن. ومن المرجح أن تكون التكاليف أعلى كثيراً من تلك التي تكبدتها أميركا في عام 1814.
إن أكبر الشركات القابضة للبنوك في الولايات المتحدة تتلقى إعانات دعم حكومية مستترة، لأنها تُعَد أكبر من أن يُسمَح لها بالفشل". فالسلطات لن تسمح لأضخم البنوك بالتخلف عن سداد ديونها، سواء من خلال الإفلاس أو أي طريقة أخرى، وذلك نظراً للحاجة إلى منع النظام المالي من الانهيار. وقد أصبح هذا المبدأ واضحاً بشكل صارخ في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، وظل سارياً حتى يومنا هذا.
الواقع أن هذا الإعفاء الفعلي من خطر الإفلاس يعني أن كل من يُقرِض أكبر ستة بنوك يحصل على ضمانات حكومية ــ تأمين مجاني ضد خطر الكارثة. ويسمح هذا للبنوك بالحصول على المزيد من التمويل لديونها بشروط أفضل (من منظورها). وعلى نحو خاص، يتولى المديرون التنفيذيون لهذه البنوك إدارة شركات مبهمة للغاية، حيث تُحجَب المخاطر فعلياً عن الغرباء، وتتضاءل للغاية عندما يتعلق الأمر برأسمال المساهمين لاستيعاب الخسائر. والأمر ببساطة أن هذه الإمبراطوريات الغامضة من غير الممكن أن تستمر في الوجود من دون دعم الحكومة لها.
لفترة طويلة، سعى السيناتور الديمقراطي شيرود براون من ولاية أوهايو والسيناتور الجمهوري ديفيد فيتر من ولاية لويزيانا، جنباً إلى جنب مع بعض زملائهم المهمين، إلى إلغاء هذا الدعم الضمني تدريجيا. كما شرح محللون مستقلون، مثل أنات أدماتي من جامعة ستانفورد، كل التفاصيل المتعلقة بكيف ــ ولماذا ــ لابد أن يتم هذا. والواقع أن هذه التفاصيل ــ على سبيل المثال في شهادة أدلت بها أدماتي مؤخراً أمام اللجنة الفرعية التي يترأسها براون في الكونجرس ــ ليست موضع شك. وبفضل أدماتي وزملائها أصبح لدينا الآن عرض واضح لهذه التفاصيل بلغة مباشرة وغير فنية.
ولكن من المؤسف أن كبار المسؤولين في الحكومة الفيدرالية لا زالوا يعيشون حالة إنكار. وكان المثال الحديث الأكثر إثارة لهذا الإنكار التقرير الصادر هذا الصيف عن مكتب المحاسبة الحكومي. كان المكتب مكلفاً بمهمة بسيطة: فبناءً على طلب براون وفيتر تم تكليفه بتقييم حجم وتأثير الضمانات المستترة التي تقدمها الحكومة للشركات القابضة للبنوك الكبيرة.
وقد رد مكتب المحاسبة الحكومي بإصدار تقرير مشوش للغاية جاء ممتثلاً لاقتراح الصناعة المالية بالتركيز بشكل كامل تقريباً على الفارق في هوامش السندات (أسعار الفائدة في أشكال عديدة من التمويل) بين البنوك الأكبر حجماً وبعض منافسيها. إذ تشكل هذه الفوارق مكوناً صغيراً فقط في ميزة التمويل التي تحصل عليها البنوك الضخمة، وهي أيضاً دورية للغاية ــ بمعنى أن الميزة التي تستأثر بها أكبر البنوك تتجلى في أوضح صورها عندما تكون الأسواق تحت ضغوط كبيرة، كما حدث في خريف عام 2008.
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
وقد خلص مكتب المحاسبة الحكومي إلى أن هذه الفوارق كانت مرتفعة بالفعل في عام 2008، وأنها انخفضت الآن. ولكن كما أشارت أدماتي في شهادتها، فإذا ضم من أعدوا التقرير عام 2006 وأعواماً سابقة إلى تحليلهم فإنهم كانوا ليروا فوارق منخفضة باستخدام نفس منهجيتهم ــ برغم حقيقة واضحة مفادها أن إعانات الدعم المستترة الكبيرة كانت سارية بالفعل. وكل ما أثبته مكتب المحاسبة الحكومي هو أن الاقتصاد الكلي كان في وقت سابق في حالة سيئة وقد أصبح الآن أفضل بعض الشيء ــ وهو ليس بالاستنتاج العميق على أية حال.
يشير تقرير مكتب المحاسبة الحكومي أيضاً إلى إصلاحات دود-فرانك المالية لعام 2010، بما في ذلك إلزام الشركات القابضة للبنوك الكبرى بإنشاء "وصايا حية". ويجادل القائمون على هذه الصناعة بأن وجود هذه الوصايا الحية ــ التي توضح كيف سيتم التعامل مع انهيار البنوك الكبيرة من دون إحداث حالة من الذعر المالي العالمي ــ يعني أن عبارة "أكبر من أن يُسمَح له بالفشل" أصبحت في حكم المنتهية.
ومن المؤسف بالنسبة لمكتب المحاسبة الحكومي أنه بعد ظهور تقريره بفترة وجيزة قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي وشركة التأمين على الودائع الفيدرالية رفض أحدث الوصايا الحية بوصفها غير كافية على الإطلاق ــ بمعنى أنه لا توجد حتى الآن خريطة طريق للتعامل مع فشل أي بنك ضخم للغاية. فإما أن يُسمَح لمثل هذه الشركة أن تفلس، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب جسيمة يتحملها التمويل العالمي، أو أن يكون هناك شكل ما من أشكال الإنقاذ المستتر.
من الواضح أن فشل مكتب المحاسبة الحكومي في تكوين رؤية واضحة لهذه المشكلة كان بمثابة خيبة أمل كبرى. وعلى حد تعبير نائب رئيس شركة التأمين على الودائع الفيدرالية توم هونيج، "على الرغم من آلاف الصفحات من المواد التي قدمتها هذه الشركات، فإن الخطط لم تقدم أي مسار واضح أو ذي مصداقية عبر الإفلاس على النحو الذي لا يتطلب الخروج بافتراضات غير واقعية ودعم شعبي مباشر أو غير مباشر".
وإحقاقاً للحق، لم يكن مكتب المحاسبة الحكومي الجزء الوحيد من واشنطن الرسمية الذي سحرته على ما يبدو البنوك الضخمة. ورغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يدرك الآن أن الوصايا الحية غير كافية، فإنه استغرق وقتاً طويلاً للغاية لكي يتوصل إلى هذا الاستنتاج الواضح ــ ولا يزال مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي يماطل ويتلكأ في إرغام البنوك على تبسيط عملياتها.
كان أداء القوات الأميركية كارثياً في معركة بلادنسبرج في أغسطس/آب 1814، الأمر الذي سمح للبريطانيين بالاستيلاء على العاصمة وإحراقها. وربما بعد قرنين من الزمان نشهد الآن المثيل الفكري والتشريعي لتلك المعركة القديمة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
The past year revealed a world in shambles, one with tragic echoes to Pablo Picasso's famous tableau of mass slaughter carried out with modern efficiency. Like Picasso's generation, we must not avert our eyes from the bleak and tragic global reality that is now being conjured before our eyes.
laments the tragic developments of 2024, and wonders if humanity can come to its senses.
Given that generative AI models capable of rendering life-like “deepfakes” are now accessible to everyone, it is understandable that many would worry about the implications for elections and democratic discourse. But during the “super election year” of 2024, the worst predictions were not borne out.
notes that the technology had little to no bearing on the many elections held around the world in 2024.
Log in/Register
Please log in or register to continue. Registration is free and requires only your email address.
واشنطن، العاصمة ــ قبل قرنين من الزمان، استولى البريطانيون على واشنطن العاصمة ــ ثم انبروا يشعلون النيران في المباني الرسمية، بما في ذلك البيت الأبيض، ووزارة الخزانة، والكونجرس. واليوم، كانت إحدى جماعات المصالح المحلية ــ البنوك البالغة الضخامة ــ هي التي استولت على واشنطن. ومن المرجح أن تكون التكاليف أعلى كثيراً من تلك التي تكبدتها أميركا في عام 1814.
إن أكبر الشركات القابضة للبنوك في الولايات المتحدة تتلقى إعانات دعم حكومية مستترة، لأنها تُعَد أكبر من أن يُسمَح لها بالفشل". فالسلطات لن تسمح لأضخم البنوك بالتخلف عن سداد ديونها، سواء من خلال الإفلاس أو أي طريقة أخرى، وذلك نظراً للحاجة إلى منع النظام المالي من الانهيار. وقد أصبح هذا المبدأ واضحاً بشكل صارخ في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، وظل سارياً حتى يومنا هذا.
الواقع أن هذا الإعفاء الفعلي من خطر الإفلاس يعني أن كل من يُقرِض أكبر ستة بنوك يحصل على ضمانات حكومية ــ تأمين مجاني ضد خطر الكارثة. ويسمح هذا للبنوك بالحصول على المزيد من التمويل لديونها بشروط أفضل (من منظورها). وعلى نحو خاص، يتولى المديرون التنفيذيون لهذه البنوك إدارة شركات مبهمة للغاية، حيث تُحجَب المخاطر فعلياً عن الغرباء، وتتضاءل للغاية عندما يتعلق الأمر برأسمال المساهمين لاستيعاب الخسائر. والأمر ببساطة أن هذه الإمبراطوريات الغامضة من غير الممكن أن تستمر في الوجود من دون دعم الحكومة لها.
لفترة طويلة، سعى السيناتور الديمقراطي شيرود براون من ولاية أوهايو والسيناتور الجمهوري ديفيد فيتر من ولاية لويزيانا، جنباً إلى جنب مع بعض زملائهم المهمين، إلى إلغاء هذا الدعم الضمني تدريجيا. كما شرح محللون مستقلون، مثل أنات أدماتي من جامعة ستانفورد، كل التفاصيل المتعلقة بكيف ــ ولماذا ــ لابد أن يتم هذا. والواقع أن هذه التفاصيل ــ على سبيل المثال في شهادة أدلت بها أدماتي مؤخراً أمام اللجنة الفرعية التي يترأسها براون في الكونجرس ــ ليست موضع شك. وبفضل أدماتي وزملائها أصبح لدينا الآن عرض واضح لهذه التفاصيل بلغة مباشرة وغير فنية.
ولكن من المؤسف أن كبار المسؤولين في الحكومة الفيدرالية لا زالوا يعيشون حالة إنكار. وكان المثال الحديث الأكثر إثارة لهذا الإنكار التقرير الصادر هذا الصيف عن مكتب المحاسبة الحكومي. كان المكتب مكلفاً بمهمة بسيطة: فبناءً على طلب براون وفيتر تم تكليفه بتقييم حجم وتأثير الضمانات المستترة التي تقدمها الحكومة للشركات القابضة للبنوك الكبيرة.
وقد رد مكتب المحاسبة الحكومي بإصدار تقرير مشوش للغاية جاء ممتثلاً لاقتراح الصناعة المالية بالتركيز بشكل كامل تقريباً على الفارق في هوامش السندات (أسعار الفائدة في أشكال عديدة من التمويل) بين البنوك الأكبر حجماً وبعض منافسيها. إذ تشكل هذه الفوارق مكوناً صغيراً فقط في ميزة التمويل التي تحصل عليها البنوك الضخمة، وهي أيضاً دورية للغاية ــ بمعنى أن الميزة التي تستأثر بها أكبر البنوك تتجلى في أوضح صورها عندما تكون الأسواق تحت ضغوط كبيرة، كما حدث في خريف عام 2008.
HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
وقد خلص مكتب المحاسبة الحكومي إلى أن هذه الفوارق كانت مرتفعة بالفعل في عام 2008، وأنها انخفضت الآن. ولكن كما أشارت أدماتي في شهادتها، فإذا ضم من أعدوا التقرير عام 2006 وأعواماً سابقة إلى تحليلهم فإنهم كانوا ليروا فوارق منخفضة باستخدام نفس منهجيتهم ــ برغم حقيقة واضحة مفادها أن إعانات الدعم المستترة الكبيرة كانت سارية بالفعل. وكل ما أثبته مكتب المحاسبة الحكومي هو أن الاقتصاد الكلي كان في وقت سابق في حالة سيئة وقد أصبح الآن أفضل بعض الشيء ــ وهو ليس بالاستنتاج العميق على أية حال.
يشير تقرير مكتب المحاسبة الحكومي أيضاً إلى إصلاحات دود-فرانك المالية لعام 2010، بما في ذلك إلزام الشركات القابضة للبنوك الكبرى بإنشاء "وصايا حية". ويجادل القائمون على هذه الصناعة بأن وجود هذه الوصايا الحية ــ التي توضح كيف سيتم التعامل مع انهيار البنوك الكبيرة من دون إحداث حالة من الذعر المالي العالمي ــ يعني أن عبارة "أكبر من أن يُسمَح له بالفشل" أصبحت في حكم المنتهية.
ومن المؤسف بالنسبة لمكتب المحاسبة الحكومي أنه بعد ظهور تقريره بفترة وجيزة قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي وشركة التأمين على الودائع الفيدرالية رفض أحدث الوصايا الحية بوصفها غير كافية على الإطلاق ــ بمعنى أنه لا توجد حتى الآن خريطة طريق للتعامل مع فشل أي بنك ضخم للغاية. فإما أن يُسمَح لمثل هذه الشركة أن تفلس، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب جسيمة يتحملها التمويل العالمي، أو أن يكون هناك شكل ما من أشكال الإنقاذ المستتر.
من الواضح أن فشل مكتب المحاسبة الحكومي في تكوين رؤية واضحة لهذه المشكلة كان بمثابة خيبة أمل كبرى. وعلى حد تعبير نائب رئيس شركة التأمين على الودائع الفيدرالية توم هونيج، "على الرغم من آلاف الصفحات من المواد التي قدمتها هذه الشركات، فإن الخطط لم تقدم أي مسار واضح أو ذي مصداقية عبر الإفلاس على النحو الذي لا يتطلب الخروج بافتراضات غير واقعية ودعم شعبي مباشر أو غير مباشر".
وإحقاقاً للحق، لم يكن مكتب المحاسبة الحكومي الجزء الوحيد من واشنطن الرسمية الذي سحرته على ما يبدو البنوك الضخمة. ورغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يدرك الآن أن الوصايا الحية غير كافية، فإنه استغرق وقتاً طويلاً للغاية لكي يتوصل إلى هذا الاستنتاج الواضح ــ ولا يزال مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي يماطل ويتلكأ في إرغام البنوك على تبسيط عملياتها.
كان أداء القوات الأميركية كارثياً في معركة بلادنسبرج في أغسطس/آب 1814، الأمر الذي سمح للبريطانيين بالاستيلاء على العاصمة وإحراقها. وربما بعد قرنين من الزمان نشهد الآن المثيل الفكري والتشريعي لتلك المعركة القديمة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali