johnson184_Picture AllianceGettyImages_greenland_flag Picture Alliance/Getty Images

مستقبل جرينلاند لن يقرره أحد غير شعبها

واشنطن العاصمة ــ بينما تتوجه جرينلاند إلى صناديق الاقتراع في الحادي عشر من مارس/آذار، يفضل موتي إيجيدي، رئيس الوزراء منذ عام 2021، وحزبه Inuit Ataqatigiit (مجتمع الشعب) الاستقلال عن الدنمارك. لكن الدعم المحلي المتزايد لهذا الهدف تخففه المخاوف بشأن مستويات المعيشة. تتلقى جرينلاند تحويلا ماليا سنويا من الدنمارك قدره نحو 623 مليون دولار (حوالي 11 ألف دولار للفرد، بالنظر إلى عدد السكان المقدر بنحو 56 ألف نسمة). وبالإضافة إلى الخدمات الحكومية الأخرى التي تقدمها الدنمارك، من المرجح أن يكون مستوى الدعم الإجمالي أقرب إلى مليار دولار سنويا.

يقول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يريد "شراء" جرينلاند، لكن استطلاعا آخر للرأي أجري مؤخرا يشير إلى أن 85% من سكان جرينلاند يرفضون هذا الخيار. وعلى حد تعبير رئيس سابق لمجلس الإنويت القطبي (Inuit Circumpolar Council) مؤخرا: "إن المعاملة التي تلقاها الشعوب الأصلية في أميركا غالبا، حيث تُـهَـمَّـشَ لغاتهم وثقافاتهم، لا تشكل على الإطلاق عرض بيع جيدا لفكرة تحويل جرينلاند إلى جزء من الولايات المتحدة".

كان ترمب أعرب عن اهتمامه بالاستحواذ على جرينلاند منذ عام 2019، ومؤخرا رفض استبعاد تدبير هجمة مباغتة للاستيلاء على الجزيرة. ورغم أنه من الصعب على نحو متزايد التنبؤ بما قد تفعله الولايات المتحدة، يتعين على القادة المحليين ضمان حِـفاظ جرينلاند على مؤسسات شاملة تضمن الحقوق الاقتصادية والسياسية الكاملة لجميع السكان، والتي بدونها من غير الممكن أن تشهد جرينلاند أي ازدهار مشترك. إن حقوق التعدين مملوكة جماعيا، وإذا ارتفعت الإيرادات من هذا القطاع، فمن المؤكد أن سكان جرينلاند سيرغبون في المشاركة الكاملة في المنافع. كما أن القرارات المهمة الأخرى، بما في ذلك السياسات البيئية، ترجع حاليا إلى السكان المحليين كما ينبغي لها أن تكون.

كيف إذن ينبغي لحكومة جرينلاند القادمة أن تلعب أوراقها؟

ينبغي لها أن تبدأ بالنظر إلى الصورة الكاملة. تبدو الولايات المتحدة وكأنها في عام 1897 مرة أخرى. ويبدو أن التوسع الإمبريالي ــ في بنما، وجرينلاند، وكندا، وغزة ــ يلهم ترمب وأجزاء ذات نفوذ من قطاع التكنولوجيا. نحن الآن نشهد صعود نجم نسخة رعناء من حالة كان يسميها الأميركيون قبل 150 عاما "المصير الواضح"، مدعومة بأقوى جيش عرفه العالم على الإطلاق. من هذا المنظور، ستصبح أميركا عظيمة مرة أخرى من خلال توسيع الأراضي الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة المباشرة وفرض رسوم جمركية صارمة على الآخرين جميعا. والمفترض أن الاكتفاء الذاتي ــ الحدود والعقول والأسواق المغلقة ــ سيؤدي إلى تحجيم التهديد الصيني.

يزعم بعض المدافعين عن السيطرة الأميركية على جرينلاند أن الأمن القومي الأميركي يعتمد على ذلك. لكن الولايات المتحدة لديها بالفعل قاعدة في جرينلاند، ويُـقال إنها تضع هناك عدة مئات من الأفراد. وقد أشارت سلطات جرينلاند إلى ترحيبها بمزيد من القواعد بشروط معقولة. وقد شهدنا بعض المغازلة مع الصين خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك بعض الاستثمارات المقترحة في البنية الأساسية، لكن محاولات الصين لاقت الرفض بتشجيع أميركي ودعم مالي دنماركي.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

ينطوي البحر بين المملكة المتحدة وأيسلندا وجرينلاند على قيمة استراتيجية. ولكن لهذا السبب أرسلت الولايات المتحدة غواصاتها، وأقامت قاعدة جوية مهمة في أيسلندا، فضلا عن أصول عسكرية أخرى في المنطقة. علاوة على ذلك، أصبحت كل الدول الإسكندنافية الآن راسخة في عضوية حلف شمال الأطلسي وفي حالة تأهب قصوى فيما يتعلق بأنشطة بحرية روسية. إذ يخلق انحسار الصفائح الجليدية الشمالية طريقا بحريا ناشئا لتدفق النفط الروسي إلى الصين، لكن سيطرة الولايات المتحدة على جرينلاند لا علاقة لها بما إذا كانت تلك التجارة لتكتسب قيمة استراتيجية. لـخنق عائدات النفط الروسي، ينبغي لصناع السياسات التركيز على العقوبات وغير ذلك من القيود التي تستهدف حركة الناقلات.

تحتوي جرينلاند على معادن أرضية نادرة عالية القيمة، بما في ذلك الإيتريوم، والسكانديوم، والنيوديميوم، والديسبروسيوم. ولكن في حين أنه ليس من الحكمة السماح للصين بتعزيز قبضتها على هذه الأسواق العالمية، فإن السيطرة على جرينلاند ليست الحل. تمتلك جرينلاند حوالي 1% فقط من المعادن الأرضية النادرة في العالم، ولا يعارض القادة المحليون التعدين المسؤول الذي يحترم الظروف المحلية، وخاصة اعتماد مجتمعات محلية عديدة على صيد الأسماك. علاوة على ذلك، ووفقا لتحليل عالمي أجرته مجموعة التكنولوجيات ذات الأولوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي أشارك في رئاستها، لا يخلو الأمر من طرق عديدة أخرى تستطيع الولايات المتحدة من خلالها (بل ينبغي لها) أن تعمل على تأمين الوصول إلى الفئة الأوسع من المعادن الحرجة اللازمة في قطاع التكنولوجيا، بما في ذلك زيادة الاستثمار بدرجة كبيرة في إعادة تدوير الإلكترونيات بمختلف أنواعها.

جرينلاند ليست للبيع، ولكن أياً كان من سيتولى القيادة بعد الحادي عشر من مارس/آذار من المفترض أن يكون في موقف قوي للمساومة على مزيد من الموارد المالية من الدنمارك، بما في ذلك تسوية المطالبات الناشئة عن سوء معاملة شعب جرينلاند في الماضي، وخاصة إساءة معاملة أجيال من أطفال الإنويت (الإسكيمو). وبالنظر إلى ما هو أبعد من الاعتماد على الدنمارك، قد تركز استراتيجية التنمية السليمة والمعقولة بيئيا في الأمد البعيد على اجتذاب المستثمرين الأوروبيين والأميركيين في قطاع السياحة.

أما عن الولايات المتحدة، فإن أفضل نهج يناسبها يتمثل في أن تكون ودودة باستمرار وراغبة في التعاون في القضايا الأمنية (بما في ذلك اتفاق محتمل للارتباط الحر)، مع مقاومة جميع محاولات استخراج الموارد، مثل اليورانيوم، بشروط مالية وبيئية غير مواتية. ينبغي للقيادات المحلية أيضا أن توضح أنه في حال الاستيلاء على جرينلاند بالقوة، فلن يكون من المقبول سوى إقامة دولة كاملة، مع وجود ممثل أميركي واحد وعضوين في مجلس الشيوخ الأميركي.

ينبغي للسلطات أيضا أن تتواصل مع الكونجرس الأميركي حول كيفية تصويت سكان جرينلاند إذا أصبحوا فجأة مواطنين أميركيين. فهم يتمتعون حاليا بالرعاية الصحية والتعليم المجاني على جميع المستويات. ينبغي لقادة الجزيرة أن يصروا على استمرار هذه الحال إذا وصل الأميركيون، كما ينبغي لهم أن يؤكدوا على تكاليف إدارة اقتصاد يتسم بوجود عدد كبير من قرى الصيد المتناثرة، وعدم وجود طرق واصلة، ونوافذ محدودة لصيانة البنية الأساسية بسبب الطقس.

يدور اقتراح آخر في قطاع التكنولوجيا بعرض 100 ألف دولار على كل مواطن في جرينلاند للانضمام إلى الولايات المتحدة. ربما يبدو ذلك بسيطا، ولكن هل يستطيع ترمب حقا إقناع الكونجرس بإنفاق 5.6 مليار دولار بينما تتبنى جرينلاند موقفا متعاونا بالفعل؟

وإذا عرض البيت الأبيض صفقة تبدو جيدة، فيما يرتبط بالتحويلات المالية الجارية، فيجب على الجميع في جرينلاند أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال: هل من الممكن الوثوق بأميركا؟ كم من الوقت قد يمضي قبل أن يقطع إيلون ماسك (أو أي شخص آخر) الأموال في سكون الليل، دون موافقة الكونجرس ودون خضوع لمراجعة قضائية؟

أياً كانت النتيجة، سيقرر سكان جرينلاند مستقبلهم بأنفسهم. ففي نهاية المطاف، لا يعمر مخيلة ترمب سوى ذكريات عام 1897.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/QUUgGiNar