castaneda68_Pedro Gonzalez CastilloGetty Images_amlo Pedro Gonzalez Castillo/Getty Images

المكسيك وحتمية تغيير المسار

مكسيكو سيتي ــ يبدو أن الضائقة السياسية والاقتصادية التي تبتلي المكسيك الآن قد تتحول من سيئ إلى أسوأ في الأشهر المقبلة. كان الاقتصاد المكسيكي راكدا منذ أواخر العام المنصرم. وكانت أزمة الهجرة التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مهينة، وهي تجهد موارد البلاد. ويبدو من غير المرجح على نحو متزايد أن يقر الكونجرس الأميركي اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) ــ التي كان المفترض أن تحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (NAFTA) ــ قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020.

في مواجهة هذه المشاكل المتصاعدة، يتعين على الحكومة المكسيكية، بقيادة الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو)، أن تغير مسارها بدرجة كبيرة الآن. وبشكل خاص، يتعين عليها أن تهجر خطابها اليساري وتتنازل عن الاستعراض السياسي وأن تنهي تملقها المهين لترمب في ما يتصل بالهجرة والدوريات الحدودية.

الواقع أن المكسيك تقوم بعمل ترمب القذر في ما يتصل بالهجرة بطريقتين. فأولا، هناك نحو 58 ألف طالب لجوء، معظمهم من أميركا الوسطى، عالقون حاليا عند الجانب الجنوبي من الحدود الأميركية المكسيكية. وكثيرون منهم انتهت بهم الحال إلى هناك نتيجة لاتفاق نوفمبر/تشرين الثاني 2018، الذي حمل مسمى "ابقوا في المكسيك"، والذي أبرم بين إدارة ترمب وحكومة أوبرادور الجديدة، والذي بموجبه يُعاد طالبو اللجوء من أميركا الوسطى الذين يصلون إلى الولايات المتحدة إلى المكسيك لانتظار الاستماع إليهم من قِبَل مسؤول أميركي. ويوضع هؤلاء الأشخاص في ملاجئ في ظل ظروف بغيضة، أو ينامون في الشوارع في بعض أكثر مدن العالم عنفا. وقد انتظروا جلسات الاستماع عدة أشهر أو حتى عاما كاملا، ولكن الآن يبدو أن انتظارهم من المرجح أن يطول إلى أجل غير مسمى.

ثانيا، نشرت المكسيك أكثر من 20 ألف جندي على طول حدودها الجنوبية والشمالية منذ أوائل يونيو/حزيران، عندما وافقت على اتخاذ تدابير إضافية لوقف تدفق طالبي اللجوء. ومنذ ذلك الوقت، انخفض عدد المهاجرين الذين يتمكنون من الوصول إلى الولايات المتحدة وطلب اللجوء بنحو 35%. لكن التكلفة التي ستتحملها المكسيك ضخمة ومتزايدة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان. فمنذ يونيو/حزيران، داهمت السلطات، العسكرية في الأساس، فنادق وحافلات وملاجئ في مختلف أنحاء البلاد. وهم يطلبون بطاقات هوية ليست إلزامية في المكسيك وتنطوي على تنميط عنصري صارخ. فكل من "يبدو" وكأنه هندوراسي يُلقى القبض عليه. وللمرة الأولى، تسعى قوات مكسيكية على الحدود الشمالية إلى منع المهاجرين من العبور دون أوراق إلى الولايات المتحدة.

لم توافق الحكومة المكسيكية على تنفيذ هذه التدابير الإضافية إلا بعد أن هدد ترمب في مايو/أيار بفرض تعريفات جمركية على كل الواردات من المكسيك، بمعدل 5% في البداية، على أن يرتفع المعدل إلى 25% بحلول أكتوبر/تشرين الأول. وكانت المشاكل الاقتصادية الإضافية آخر ما يحتاج إليه أوبرادور: إذ كانت برامجه الاجتماعية ومشاريع البنية الأساسية عُرضة للخطر بالفعل، جزئيا كنتيجة لافتقار المسؤولين إلى الخبرة والكفاءة، ولكن أيضا بسبب تقلص إيرادات الميزانية.

مع ذلك، لا يزال التهديد المتمثل في التعريفات مصلتا على رأسه ــ وهذه هي الحال دوما في وجود ترمب. علاوة على ذلك، كان قيام المكسيك بأعمال ترمب القذرة سببا في إلحاق الضرر بها. وكما كانت الحال في الفترة 2015-2016، ربما يؤدي استخدام الجيش لمنع الهجرة من أميركا الوسطى، وكوبا، وهايتي، وفي بعض المناسبات من أفريقيا، إلى تقليص التدفق إلى الشمال لبرهة من الزمن، لكنه يساهم في تصعيد العنف محليا. وتوضح أحدث أرقام جرائم القتل العمد أن العنف مستمر في التصاعد في مختلف أنحاء المكسيك. ومن غير الممكن نشر الجيش على نطاق أوسع من ذلك. كما يعني الاقتصاد الراكد أن الحكومة ليس لديها من الأموال القدر الكافي للإنفاق على الأمن والسيطرة على الهجرة.

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes
PS_Quarterly_Q2-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: Age of Extremes, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

يتعين على أوبرادور أن يتصدى لهاتين القضيتين، وهو يفتقر إلى خيارات جذابة. من المؤكد أن التوقف عن تنفيذ رغبات ترمب في ما يتصل بالهجرة من شأنه أن يثير غضب الرئيس الأميركي وربما يدفعه إلى متابعة تهديده بفرض التعريفات الجمركية. لكن هذا يكسبه ميزة كبرى لدى الديمقراطيين في الولايات المتحدة، الذين يعارضون السياسات الحدودية التي ينتهجها ترمب. ورغم أن السياسة المناهضة للهجرة التي تنتهجها الحكومة المكسيكية تحظى بشعبية لدى الجماهير، فإنها تلطخ صورة المكسيك في الخارج على نحو متزايد.

على نحو مماثل، سيواجه الإنفاق التحفيزي لمنع الركود عقبات خطيرة. فإذا دخلت الولايات المتحدة في حالة من الركود في وقت لاحق من هذا العام أو أوائل 2020، فلا شيء يقوم به صناع السياسات المكسيكيون قد يحدث أي فارق يُذكَر. علاوة على ذلك، سجل الاستثمار الخاص المحلي انخفاضا كبيرا حتى الآن هذا العام، مما يعكس افتقار مجتمع الأعمال المكسيكي إلى الثقة في أوبرادور. وإذا استمرت الحكومة في خفض كل الإنفاق العام على الصناعات غير النفطية، فلن ينمو الاقتصاد ببساطة.

من ناحية أخرى، يتوقف مصير اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا في الأساس على أهواء نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي. فإذا سمحت للمجلس بالتصويت على الاتفاقية، فإن هذا يعني على نحو شبه مؤكد أن عددا كافيا من الديمقراطيين سيؤيدون إقرار الاتفاقية. لكن بيلوسي وزملاءها من الديمقراطيين سوف يتركون القضية في الأرجح تنزلق إلى عالم النسيان إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في 2020: فهم في الأرجح لا يرغبون في إعطاء ترمب أي فوز، حتى وإن كان ذلك في ما يتصل بقضية تافهة بالنسبة للولايات المتحدة، والمجازفة بتقسيم الحزب الديمقراطي ومرشحيه الرئاسيين في هذه العملية.

لكن تأجيل اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا قد يكون مدمرا للمكسيك، حتى لو اختار ترمب عدم سحب الولايات المتحدة من اتفاقية النافتا. في الوضع الحالي، انخفض الاستثمار المباشر الأجنبي الأميركي إلى 37% من الاستثمار الأجنبي المتجه إلى الداخل خلال النصف الأول من هذا العام، وهذا أقل كثيرا من متوسط 50% الذي تحقق على مدار العقود الأربعة الأخيرة.

الآن أصبح لدى أوبرادور سياسة هجرة غير مستدامة تعهد بمتابعتها إلى أجل غير مسمى؛ فضلا عن تباطؤ اقتصادي يضاف إليه خطر الركود الأميركي؛ بالإضافة إلى اتفاقية تجارية بالغة الأهمية ذهبت إلى عالم النسيان. وأفضل الحلول ــ أو أقلها سوءا على الأقل ــ هو تغيير الاتجاه جذريا.

مثل هذا التحول من شأنه أن يسمح لأوبرادور بالبدء في الوفاء بوعده بالحد من العنف في المكسيك، بدلا من السماح للسلطات بضرب أهالي هندوراس وجواتيمالا. وبوسعه أن يبدأ باستعادة النمو الاقتصادي على الأقل إلى المستويات التي سادت طوال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة. ومن الممكن أن يعمل على التنفيذ الجزئي لبرامجه الاجتماعية حسنة النية، وإن كانت مضللة. وربما يطلق العنان لمشاريعه الطموحة، برغم رعونتها بعض الشيء، في مجال البنية الأساسية.

لن يكون أي من هذا حدثا جللا أو بالغ الأهمية. ولكن نظرا لكل المعطيات والظروف في المكسيك الآن، فربما تكون التدابير المذكورة أعلاه هي أقصى أمل ممكن.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/DRfR7xHar