rogoff216_ SAUL LOEBAFP via Getty Images_imf Saul Loeb/AFP via Getty Images

إطلاق إصلاحات صندوق النقد الدولي

آكس أون بروفانســ في يوليو/تموز من عام 1944، قبل ثمانين عاما بالضبط، اجتمع ممثلو 44 دولة في قرية نائية في نيو هامبشاير للتفاوض على اتفاقية بريتون وودز التي أسست صندوق النقد الدولي. من منظور كثيرين، قد يكون بلوغ سن الثمانين سببا للاحتفال. أما في حالة صندوق النقد الدولي، فإن الذكرى السنوية لا تسلط الضوء إلا على مدى إلحاح الإصلاح.

بعض الإصلاحات الضرورية واضحة ومباشرة ومتفق عليها على نطاق واسع، وهذا يثير التساؤل حول الأسباب وراء عدم تبنيها. أولا، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يزود أعضاءه بمخصصات سنوية منتظمة من أداته المالية الداخلية، أو حقوق السحب الخاصة. هذا من شأنه أن يوفر بديلا للدولار الأميركي كمصدر للسيولة العالمية في حين يعالج أيضا مشكلة اختلال التوازن العالمي المزمن.

ثانياً، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعمل بشكل أفضل على تنظيم عمليات إعادة هيكلة ديون البلدان المنخفضة الدخل. فلم تَـبـلُـغ أحدث محاولاته، التي حملت مسمى الإطار المشترك لمعالجة الديون، غايتها. يجب أن يضغط الصندوق بقوة أكبر لحمل حكومة الصين ومؤسساتها المالية الجاهلة بمسؤوليات الدائن السيادي على التعاون. ينبغي له أن يدعم الإصلاحات الرامية إلى تسريع عمليات إعادة الهيكلة وأن يؤيد المبادرات الرامية إلى فرض إجراءات صارمة ضد الدائنين الممانعين.

فيما يتصل بمراقبته لسياسات البلدان، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعالج افتقاره الملحوظ إلى الإنصاف والمساواة في المعاملة؛ ففي حين تخضع البلدان الناشئة والنامية لمعايير قاسية، تُـتـرَك البلدان المرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة دون عقاب. يحتاج الصندوق إلى إعادة تنشيط تحليله للتأثيرات العابرة للحدود الناجمة عن السياسات التي تنتهجها البلدان الكبرى، وهي العملية التي تمكنت الولايات المتحدة من قمعها.

وفيما يتصل بسياسات الإقراض، يجب أن يفصل الصندوق حجم القروض عن نظام الحصص الذي عفا عليه الزمن وأن يخفض أسعار الفائدة العقابية المفروضة على البلدان المتوسطة الدخل.

لضمان أفضل قيادة ممكنة، لابد من اختيار المدير الإداري من خلال عملية تنافسية، حيث يقدم المرشحون بياناتهم ويجرون المقابلات، وبعد ذلك تصوت الحكومات الـمُـساهِـمة. وينبغي أن يكون الفائز هو الفرد الأفضل تأهيلا وليس فقط الأوروبي الأكثر تأهيلا، كما كانت الحال تاريخيا.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

في المقام الأول من الأهمية، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعترف بأنه لا يستطيع أن يكون كل شيء للجميع. في عهد المديرين الإداريين الأخيرين، وسع الصندوق أجندته من تفويضه الأساسي، أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي، ليشمل المساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، وغير ذلك من القضايا غير التقليدية. هذه ليست مواضيع يتمتع خبراء الاقتصاد الكلي في صندوق النقد الدولي بأي خبرة فيها. وقد حَـذَرَت بحق الهيئة الرقابية الداخلية في صندوق النقد الدولي، أو مكتب التقييم المستقل، من أن المغامرة في هذه المجالات قد تؤدي إلى إرهاق موارد الصندوق البشرية والإدارية.

من الـمُـسَـلَّـم به أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع تجاهل تغير المناخ، لأن الأحداث المناخية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والمالي. وينتمي تعليم المرأة، ومشاركة القوى العاملة، وترتيبات رعاية الأطفال إلى أجندته بقدر ما تؤثر هذه الأمور على النمو الاقتصادي وبالتالي على استدامة الديون. لكن السياسات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والتكيف مع تغير المناخ تُـعَـد في جوهرها قضايا متعلقة بالتنمية الاقتصادية. وهي تتطلب استثمارات طويلة الأجل. وعلى هذا فإنها تقع في الأساس ضمن اختصاص البنك الدولي، المؤسسة الشقيقة لصندوق النقد الدولي التي يقع مقرها عبر شارع 19 في واشنطن.

تتمثل إحدى مزايا الأجندة التي تركز على التفويض الأساسي لصندوق النقد الدولي في أن الحكومات الوطنية أكثر ميلا إلى منح إدارة الصندوق وموظفيه حرية العمل اللازمة للتحرك بسرعة في الاستجابة للتطورات التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي. يفتقر صندوق النقد الدولي إلى استقلالية البنوك المركزية الوطنية. وفي الوقت الحالي، تتسم عملية صُـنع القرار بالـبُـطء وفقا لمعايير الأزمات المالية، التي تتحرك بسرعة. إذ يجب أن تحظى القرارات بالموافقة من قِبَل مجلس تنفيذي يتألف من معينين سياسيين وهم بدورهم مسؤولون أمام حكوماتهم.

لكن استقلال البنوك المركزية لا يتسنى إلا لأن محافظي البنوك المركزية مكلفون بتفويض ضيق يركز على استقرار الأسعار، والذي يمكن الحكم على أفعالهم استنادا إليه. على مدار ربع قرن من الزمن، زعم مراقبون أن صندوق النقد الدولي الأكثر استقلالا ورشاقة سيكون أفضل. ولكن كلما خففت المؤسسة من أجندتها، كلما أصبحت مثل هذه الاستقلالية أشبه بحلم بعيد المنال.

العامل الآخر الذي يدعم صلاحية استقلال البنوك المركزية هو أن صناع السياسات النقدية على المستوى الوطني مسؤولون أمام جهات سياسية شرعية، أو البرلمانات والوزراء في عموم الأمر. أما شرعية مساءلة صندوق النقد الدولي فهي أكثر التباسا، وذلك بسبب بنية الحكم في هذه المؤسسة.

لأسباب عفا عليها الزمن، تمتلك الولايات المتحدة ــ والولايات المتحدة وحدها ــ حق النقض على القرارات المهمة التي يتخذها صندوق النقد الدولي. وتحظى أوروبا بتمثيل مفرط في المؤسسة، في حين لا تحظى الصين بتمثيل كاف. وإلى أن تُـصَـحَّـح هذه الاختلالات، ستظل حوكمة الصندوق ملتبسة. وهذا لا يجعل احتمالات الاستقلال التشغيلي أكثر بعدا فحسب؛ بل يحول أيضا دون إي إصلاح حقيقي تقريبا، بما في ذلك التغييرات المباشرة المذكورة أعلاه.

الواقع أن رسم أجندة إصلاح صندوق النقد الدولي أمر سهل. لكن تنفيذها صعب. إن الإصلاح الحقيقي يتطلب تخلي الولايات المتحدة عن حق النقض في المؤسسة. ويتطلب أن تتحمل الصين قدرا أعظم من المسؤولية عن الاستقرار العالمي والمشكلات التي تواجه اقتصادات أخرى. كما يستلزم أن تعمل الولايات المتحدة والصين معا. ولأن هذين البلدين لم يظهرا أي قدر يُـذكَـر من القدرة على التعاون في السنوات الأخيرة، فإن إصلاح صندوق النقد الدولي سوف يكون نقطة انطلاق طيبة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/r5Lm4gKar