بيركلي ـ كان للدولار صولات وجولات وأيضاً كبوات، ولكن من الواضح أن الغلبة كانت للكبوات مؤخرا. فقد خسر الدولار أكثر من ربع قيمته في مقابل العملات الأخرى، بعد التعديل وفقاً للتضخم، على مدى العقد الماضي. كما هبط بنسبة تقرب من 5% منذ بداية عام 2011، فسجل بذلك أدنى مستوى له منذ انهيار نظام بريتون وودز لربط أسعار الصرف في عام 1973.
من بين التفسيرات الواضحة لهذا الضعف أن سياسة أسعار الفائدة القريبة من الصفر التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة تشجع المستثمرين على التحول من الدولار إلى أصول أجنبية أعلى عائدا. وعلى نحو كان متوقعا، فإن منتقدي بنك الاحتياطي الفيدرالي يهاجمونه الآن بكل شراسة. فهم يشكون من أن البنك المركزي يتعمدون الحط من قيمة الدولار، وأنه تسبب في تآكل القوة الشرائية للعملة، الأمر الذي أدى إلى تدني مستويات معيشة الأميركيين.
والأمر الأسوأ من ذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يلعب بالنار. ذلك أن فشله في الدفاع عن الدولار، كما يحذر المنتقدون، قد يؤدي إلى إشعال أزمة ثقة. فعند نقطة ما، قد يُنظَر إلى تسامح بنك الاحتياطي الفيدرالي مع ضعف الدولار باعتباره عدم التزام باستقرار الأسعار. وإذا حدث ذلك فقد يقرر المستثمرون المحبطون التخلص من سندات الخزانة الأميركية بأسعار بخسة. وهذا يعني ارتفاع العائد على السندات إلى عنان السماء، وهبوط الدولار إلى مستويات خطيرة، والوقوع في ضائقة مالية وركود عميق.
إن القصص المرعبة تساعد في رفع مبيعات الصحف، ولكن الحقيقة هي أن كل هذا الهجوم الشرس على بنك الاحتياطي الفيدرالي مبالغ فيه إلى حد المغالاة. فمن الثابت تاريخياً أن هبوط الدولار بنسبة 10% يترجم إلى ارتفاع معدل التضخم بمقدار نقطة مئوية واحدة.
وليس الأمر وكأن التضخم في الولايات المتحدة خرج عن السيطرة. فربما ارتفعت أسعار الغذاء والوقود، ولكن تكاليف الأيدي العاملة تظل ثابتة بقوة ـ وهذا ليس بالأمر المستغرب نظراً لمعدل البطالة الذي بلغ 9% في الولايات المتحدة. وفي بيئة كهذه، يصبح بوسع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يحافظ على موقفه القائم على الإهمال الحميد في التعامل مع الدولار.
ورغم أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي انحنى احتراماً وإجلالاً في مؤتمره الصحافي الأخير لتميمة "الدولار القوي"، فلعل بنك الاحتياطي الفيدرالي يشعر بسعادة كبيرة لرؤية الدولار يسلك مساراً هابطا. ففي ظل الطلب المحلي الذي لا يزال ضعيفاً يصبح التصدير بمثابة الوصفة الأكيدة لعلاج الاقتصاد الهزيل. والواقع أن الدولار الضعيف يشكل وسيلة لتوفير الأسواق الخارجية.
فضلاً عن ذلك فإن هؤلاء الذي يحذرون من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يفشل في رفع أسعار الفائدة إذا ارتفعت معدلات التضخم لا يفهمون أن ثقافة بنك الاحتياطي الفيدرالي فيما يتصل باستهداف التضخم راسخة ومتأصلة. والواقع أن حقيقة خضوع بنك الاحتياطي الفيدرالي لمثل هذا التدقيق السياسي المكثف يعني بكل تأكيد أنه سوف ينتهز أول فرصة تسنح له لإعادة ترسيخ النوايا المخلصة فيما يتصل باستقرار الأسعار.
وإذا كان الدولار عُرضة للتهديد الآن، فإن هذا التهديد لا ينبع من السياسة النقدية، بل من الجانب المالي. إن العنصر الأكثر ترجيحاً في التعجيل بانهيار الدولار يشكل دليلاً على أن الموازنات في الولايات المتحدة لا يعمل على إعدادها بالغون مسؤولون. فالكونجرس الأميركي المشغول بالمواقف السياسية المتكلفة قد يفشل في رفع سقف الديون، الأمر الذي قد يؤدي إلى عجز فني عن سداد الديون. ويكاد يكون من المؤكد أن تؤدي الدلائل التي تشير إلى أن عناصر من الداخل كانت تدير عملية الهروب إلى دفع المستثمرين الأجانب إلى التعجيل بتسييل سندات خزانة الولايات المتحدة بالجملة.
وحتى في حالة التغلب على هذه العقبة المباشرة، فإن الوقت المتاح للولايات المتحدة لإعادة تنظيم بيتها المالي سوف يظل محدودا. إن الأزمة المالية تكاد تحدث دوماً مع اقتراب موعد الانتخابات. ومن المعروف أن الولايات المتحدة مقدمة على انتخابات كبرى في نهاية عام 2012.
ويعترض بعض المنتقدين قائلين إن انهيار سندات الخزانة الأميركية ليس كمثل انهيار الدولار. فالدولار حسب زعمهم هو العملة التي تمول البنوك في مختلف أنحاء العالم. وعندما تقترض البنوك ف سوق النقد بالجملة لتمويل استثماراتها، فإنها تقترض بالدولار. وعلى هذا فعندما ترتفع التقلبات وينضب معين السيولة، فإن نفس البنوك تتهافت على الدولار. بل إن الدولار يزداد قوة حتى عندما تكون المشاكل ناشئة في الولايات المتحدة. ولقد رأينا هذا في صيف عام 2007، عندما اندلعت أزمة الرهن العقاري الثانوي، ثم مرة أخرى في عام 2008 في أعقاب انهيار ليمان براذرز.
ومن ثَم فإن أزمة سوق سندات الخزانة الأميركية قد تؤدي في الأمد القريب إلى ارتفاع غير محسوب في قيمة الدولار. ولكن في ظل الدلائل التي تؤكد وجود مشاكل عميقة في الأسواق المالية الأميركية، فقد تبدأ البنوك العالمية في البحث عن سبل أخرى لتمويل أنفسها. أي أن فترة تعزز قوة الدولار سوف تكون وجيزة.
وسوف تكون النتيجة أسوأ كابوس يعيشه بنك الاحتياطي الفيدرالي على الإطلاق. ففي ظل الارتفاع الحاد في عائدات سندات الخزانة وانهيار النشاط الاقتصادي، سوف يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي راغباً في خفض أسعار الفائدة وإغراق السواق بالسيولة. ولكن الانخفاض الحاد في قيمة الدولار يعني في الوقت نفسه ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما من شأنه أن يلزم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد سياساته. وإذا وقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في هذه المعضلة فإنه لن يتمكن من القيام بأي شيء لحل المشاكل التي تعاني منها أميركا.
إن برنانكي يحذر على نحو منتظم من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على التقاعس عن التصدي للمشاكل المالية بكل جرأة. ويتعين على الكونجرس، بل وكل الأميركيين، أن يأخذوا تحذيراته على محمل الجد.
بيركلي ـ كان للدولار صولات وجولات وأيضاً كبوات، ولكن من الواضح أن الغلبة كانت للكبوات مؤخرا. فقد خسر الدولار أكثر من ربع قيمته في مقابل العملات الأخرى، بعد التعديل وفقاً للتضخم، على مدى العقد الماضي. كما هبط بنسبة تقرب من 5% منذ بداية عام 2011، فسجل بذلك أدنى مستوى له منذ انهيار نظام بريتون وودز لربط أسعار الصرف في عام 1973.
من بين التفسيرات الواضحة لهذا الضعف أن سياسة أسعار الفائدة القريبة من الصفر التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة تشجع المستثمرين على التحول من الدولار إلى أصول أجنبية أعلى عائدا. وعلى نحو كان متوقعا، فإن منتقدي بنك الاحتياطي الفيدرالي يهاجمونه الآن بكل شراسة. فهم يشكون من أن البنك المركزي يتعمدون الحط من قيمة الدولار، وأنه تسبب في تآكل القوة الشرائية للعملة، الأمر الذي أدى إلى تدني مستويات معيشة الأميركيين.
والأمر الأسوأ من ذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يلعب بالنار. ذلك أن فشله في الدفاع عن الدولار، كما يحذر المنتقدون، قد يؤدي إلى إشعال أزمة ثقة. فعند نقطة ما، قد يُنظَر إلى تسامح بنك الاحتياطي الفيدرالي مع ضعف الدولار باعتباره عدم التزام باستقرار الأسعار. وإذا حدث ذلك فقد يقرر المستثمرون المحبطون التخلص من سندات الخزانة الأميركية بأسعار بخسة. وهذا يعني ارتفاع العائد على السندات إلى عنان السماء، وهبوط الدولار إلى مستويات خطيرة، والوقوع في ضائقة مالية وركود عميق.
إن القصص المرعبة تساعد في رفع مبيعات الصحف، ولكن الحقيقة هي أن كل هذا الهجوم الشرس على بنك الاحتياطي الفيدرالي مبالغ فيه إلى حد المغالاة. فمن الثابت تاريخياً أن هبوط الدولار بنسبة 10% يترجم إلى ارتفاع معدل التضخم بمقدار نقطة مئوية واحدة.
وليس الأمر وكأن التضخم في الولايات المتحدة خرج عن السيطرة. فربما ارتفعت أسعار الغذاء والوقود، ولكن تكاليف الأيدي العاملة تظل ثابتة بقوة ـ وهذا ليس بالأمر المستغرب نظراً لمعدل البطالة الذي بلغ 9% في الولايات المتحدة. وفي بيئة كهذه، يصبح بوسع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يحافظ على موقفه القائم على الإهمال الحميد في التعامل مع الدولار.
ورغم أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي انحنى احتراماً وإجلالاً في مؤتمره الصحافي الأخير لتميمة "الدولار القوي"، فلعل بنك الاحتياطي الفيدرالي يشعر بسعادة كبيرة لرؤية الدولار يسلك مساراً هابطا. ففي ظل الطلب المحلي الذي لا يزال ضعيفاً يصبح التصدير بمثابة الوصفة الأكيدة لعلاج الاقتصاد الهزيل. والواقع أن الدولار الضعيف يشكل وسيلة لتوفير الأسواق الخارجية.
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
فضلاً عن ذلك فإن هؤلاء الذي يحذرون من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يفشل في رفع أسعار الفائدة إذا ارتفعت معدلات التضخم لا يفهمون أن ثقافة بنك الاحتياطي الفيدرالي فيما يتصل باستهداف التضخم راسخة ومتأصلة. والواقع أن حقيقة خضوع بنك الاحتياطي الفيدرالي لمثل هذا التدقيق السياسي المكثف يعني بكل تأكيد أنه سوف ينتهز أول فرصة تسنح له لإعادة ترسيخ النوايا المخلصة فيما يتصل باستقرار الأسعار.
وإذا كان الدولار عُرضة للتهديد الآن، فإن هذا التهديد لا ينبع من السياسة النقدية، بل من الجانب المالي. إن العنصر الأكثر ترجيحاً في التعجيل بانهيار الدولار يشكل دليلاً على أن الموازنات في الولايات المتحدة لا يعمل على إعدادها بالغون مسؤولون. فالكونجرس الأميركي المشغول بالمواقف السياسية المتكلفة قد يفشل في رفع سقف الديون، الأمر الذي قد يؤدي إلى عجز فني عن سداد الديون. ويكاد يكون من المؤكد أن تؤدي الدلائل التي تشير إلى أن عناصر من الداخل كانت تدير عملية الهروب إلى دفع المستثمرين الأجانب إلى التعجيل بتسييل سندات خزانة الولايات المتحدة بالجملة.
وحتى في حالة التغلب على هذه العقبة المباشرة، فإن الوقت المتاح للولايات المتحدة لإعادة تنظيم بيتها المالي سوف يظل محدودا. إن الأزمة المالية تكاد تحدث دوماً مع اقتراب موعد الانتخابات. ومن المعروف أن الولايات المتحدة مقدمة على انتخابات كبرى في نهاية عام 2012.
ويعترض بعض المنتقدين قائلين إن انهيار سندات الخزانة الأميركية ليس كمثل انهيار الدولار. فالدولار حسب زعمهم هو العملة التي تمول البنوك في مختلف أنحاء العالم. وعندما تقترض البنوك ف سوق النقد بالجملة لتمويل استثماراتها، فإنها تقترض بالدولار. وعلى هذا فعندما ترتفع التقلبات وينضب معين السيولة، فإن نفس البنوك تتهافت على الدولار. بل إن الدولار يزداد قوة حتى عندما تكون المشاكل ناشئة في الولايات المتحدة. ولقد رأينا هذا في صيف عام 2007، عندما اندلعت أزمة الرهن العقاري الثانوي، ثم مرة أخرى في عام 2008 في أعقاب انهيار ليمان براذرز.
ومن ثَم فإن أزمة سوق سندات الخزانة الأميركية قد تؤدي في الأمد القريب إلى ارتفاع غير محسوب في قيمة الدولار. ولكن في ظل الدلائل التي تؤكد وجود مشاكل عميقة في الأسواق المالية الأميركية، فقد تبدأ البنوك العالمية في البحث عن سبل أخرى لتمويل أنفسها. أي أن فترة تعزز قوة الدولار سوف تكون وجيزة.
وسوف تكون النتيجة أسوأ كابوس يعيشه بنك الاحتياطي الفيدرالي على الإطلاق. ففي ظل الارتفاع الحاد في عائدات سندات الخزانة وانهيار النشاط الاقتصادي، سوف يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي راغباً في خفض أسعار الفائدة وإغراق السواق بالسيولة. ولكن الانخفاض الحاد في قيمة الدولار يعني في الوقت نفسه ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما من شأنه أن يلزم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد سياساته. وإذا وقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في هذه المعضلة فإنه لن يتمكن من القيام بأي شيء لحل المشاكل التي تعاني منها أميركا.
إن برنانكي يحذر على نحو منتظم من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على التقاعس عن التصدي للمشاكل المالية بكل جرأة. ويتعين على الكونجرس، بل وكل الأميركيين، أن يأخذوا تحذيراته على محمل الجد.