أمستردام- مع أن العديد من مؤيدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتقدون، على ما يبدو، أن ظاهرة الاحتباس الحراري مجرد خدعة، يوافق معظم الناس على أن تغير المناخ يجب أن يكون على رأس قائمة القضايا السياسية الهامة. ومع ذلك، فإن تحديد المشكلة لن يفيد كثيرا، ما لم نحدد أيضًا الأدوات المناسبة لمعالجتها.
وفي مجال تخصصي، أصيب المصرفون المركزيون بحمى تغير المناخ. إذ بقيادة كريستين لاغارد، على سبيل المثال، أعلن كل من صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، الآن، أن إنقاذ صحة مناخ الكوكب "مهمة حرجة".
ولا شك أنه ينبغي على المؤسسات المالية أن تعيد التفكير بصورة جذرية في بعض الأشياء، في ضوء تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، قد يرتكب بنك معين، أو شركة تأمين معينة، يقومان بحساب المخاطر على القروض العقارية، خطئًا فادحا إذا اتبعا المنهجية القياسية، واعتمدا على احتمال حدوث فيضان بناءً على بيانات متعلقة بالمائة عام الماضية. وبدلاً من ذلك، يجب أن يتبعا نهجًا استشرافيًا، أي استخدام تقديرات الاحتمال المتزايد بحدوث مثل هذه الكوارث.
لكن ببساطة، تفتقر البنوك المركزية، والمؤسسات المالية الدولية إلى الأدوات اللازمة للحصول على تأثيرات من الدرجة الأولى، أو الثانية، أو حتى من الدرجة الثالثة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
إذا، ما هي الأدوات السياسة التي سيكون لها تأثيرات من الدرجة الأولى؟
تشير، "الصفقة الجديدة الخضراء"، في الولايات المتحدة، إلى الالتزام بقضية المناخ. لكنني أخشى أن الاقتراح التشريعي الذي قدمه مؤيدو الكونغرس، سيلحق من ضرر أكثر مما سيحققه من منافع. ويشمل تدابير خارجية مثل ضمان الوظائف الفيدرالية. ويخلق هذا الاقتراح أساسًا واقعيًا للكذبة التي طالما قالها منكرو تغير المناخ، وهي أن الاحتباس الحراري هو خدعة يروَّج لها حتى تكون ذريعة لتوسيع حجم الحكومة. وهذه وسيلة مضمونة تماما لتوليد أصوات تؤيد ترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني.
وأكيد أن الابتكارات التكنولوجية في مجالات مثل الطاقة الشمسية، سيكون لها دور كبير في التخفيف من التأثير. ولكن التكنولوجيا ليست سياسة، بينما الإعانات سياسة. ويجدر تشجيع الحكومات على دعم البحوث في علوم المناخ، والتكنولوجيات ذات الصلة. وهناك أيضًا ما يبرر أنه يجب على صانعي السياسة فتح المجال أمام التجارة الحرة في الألواح الشمسية، والتوربينات، وغيرها من المعدات، من أجل تخفيض تكلفة توليد الطاقة المتجددة، دون أي تكلفة لدافعي الضرائب المحليين.
ولكن السياسة التي ستقربنا من تحقيق أهداف بيئية عالمية بتكاليف اقتصادية منخفضة نسبيًا، مثل تلك التي ينص عليها اتفاق باريس للمناخ، هي رفع سعر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والغازات الدفيئة الأخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الطاقة الشمسية، أو مصادر الطاقة المتجددة الأخرى يمكنها، في الواقع، تلبية معظم احتياجاتنا من الطاقة بتكلفة معقولة، فإن ارتفاع سعر الكربون سيشجع على تحقيق هذه النتيجة. وإذا كانت هناك حاجة إلى تقنية أخرى، أو نهج آخر، فسوف يكشف سعر الكربون عن ذلك أيضًا.
ويمكن رفع سعر الكربون عن طريق إحدى هاتين السياستين: إما ضريبة الكربون، أو سياسية الحد الأقصى والتداول، أي نظام لحدود الانبعاثات الكمية، مع تصاريح للانبعاثات القابلة للتداول.
ومن الناحية النظرية، فإن النهجين متكافئين؛ إذ يتم احتساب كمية تصاريح الكربون بعناية، بحيث يكون السعر الناتج عند تداولها هو نفس السعر الذي يمكن تحقيقه من الضريبة. ومع ذلك، في واقع الأمر، هناك اختلافات كبيرة بين تنظيم الأسعار والكميات. و تتعلق أهم تلك الاختلافات بعدم اليقين، والاقتصاد السياسي.
أولا، سيكون رائعا أن يلتزم صانعو السياسة بالمسار الصاعد لسعر الكربون الذي دام قرنًا. ويمكن للناس حينئذ، أن يخططوا للأمام. وستدرك الشركات بيقين عقوبة بناء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم لفترة طويلة. ولكن، حتى لو افترضنا حدوث زخم في التعاون المتعدد الأطراف، فإن قادة اليوم لا يمكنهم ربط خلفائهم بما سيحدث بعد خمسين عامًا في المستقبل، مما يستبعد اليقين بشأن سعر انبعاثات الغازات الدفيئة، أو كميتها في المستقبل.
وما يهم، مع ذلك، هو الإسراع بتحديد التوقعات بأن سعر الكربون سوف يتبع مسارًا تصاعديًا عامًا في المستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومات البدء في زيادة السعر اليوم، ولن تؤدي التصريحات السامية من المسؤولين الحكوميين، والحسابات المثلى من مصممي المناخ هذه المهمة.
وفي الوقت نفسه، من الصعب جدا التنبؤ بالاقتصاد السياسي. وفي مجال تغير المناخ، يتم الحكم على كل شيء بأنه "مستحيل من الناحية السياسية، وحدث نفس الشيء حتى قبل ترامب. ومع ذلك، على المستوى العالمي، من المحتمل أن توافق الحكومات على أهداف كمية للانبعاثات- كما هو الحال في بروتوكول كيوتو لعام 1997، واتفاق باريس لعام 2015- بدلاً من فرض ضريبة عالمية على الكربون، والتي ستعتبر غزوًا قويا للسيادة.
وعندما يتعلق الأمر بالتنفيذ الوطني لأي جهد عالمي للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإنني أفضل فرض ضريبة كربون على تصاريح الانبعاثات القابلة للتداول. إذ كشفت المحاولات السابقة لإدخال تصاريح للانبعاثات، مثل نظام تجارة الانبعاثات في أوروبا، عن ميل لتهدئة الصناعة، عن طريق إصدار تصاريح يفوق عددها ما كان مخططا له، ومنح الكثير منها للشركات القديمة. والغرض من القيام بذلك هو "جعلها كاملة"، ولكن هذا يمكن أن يؤدي إلى مكاسب مفاجئة، عندما تبيع الشركات التصاريح.
وعلى أي حال، فإن وضع سعر الكربون على المسار التصاعدي، سواء عن طريق ضريبة الكربون، أو عن طريق سياسة الحد الأقصى والتداول، هي الوسيلة المناسبة لأداء هذه المهمة.
ومن الواضح أنه لا يمكن لأي مواطن أن يتوقع حل مشكلة تغير المناخ بمفرده. ولكن في حين أن بعض الأعمال الفردية رمزية، يمكن أن يكون لبعضها تأثير يتناسب، على الأقل، مع عدد المواطنين الذين يقومون بها.
وبالنسبة للشباب المحبطين، هناك نصيحة واحدة: لابأس إن ذهبوا إلى عرض مستوحى من غريتا ثانبورغ، لكن التسجيل والتصويت أمران في غاية الأهمية. وإذا كان الأمريكيون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عامًا، سيخرجون ويصوتون بنفس نسب الفئات العمرية الأكبر سناً، فمن المؤكد أنه لن يتم إعادة انتخاب ترامب. ومع رحيل هذا الأخير، يمكن للولايات المتحدة الانضمام إلى اتفاق باريس، واعتماد تدابير فعالة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري– ولن يكون لدى الحكومات الأخرى، العذر الذي تبرر به حاليًا تماطلها في التدخل.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
أمستردام- مع أن العديد من مؤيدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتقدون، على ما يبدو، أن ظاهرة الاحتباس الحراري مجرد خدعة، يوافق معظم الناس على أن تغير المناخ يجب أن يكون على رأس قائمة القضايا السياسية الهامة. ومع ذلك، فإن تحديد المشكلة لن يفيد كثيرا، ما لم نحدد أيضًا الأدوات المناسبة لمعالجتها.
وفي مجال تخصصي، أصيب المصرفون المركزيون بحمى تغير المناخ. إذ بقيادة كريستين لاغارد، على سبيل المثال، أعلن كل من صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، الآن، أن إنقاذ صحة مناخ الكوكب "مهمة حرجة".
ولا شك أنه ينبغي على المؤسسات المالية أن تعيد التفكير بصورة جذرية في بعض الأشياء، في ضوء تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، قد يرتكب بنك معين، أو شركة تأمين معينة، يقومان بحساب المخاطر على القروض العقارية، خطئًا فادحا إذا اتبعا المنهجية القياسية، واعتمدا على احتمال حدوث فيضان بناءً على بيانات متعلقة بالمائة عام الماضية. وبدلاً من ذلك، يجب أن يتبعا نهجًا استشرافيًا، أي استخدام تقديرات الاحتمال المتزايد بحدوث مثل هذه الكوارث.
لكن ببساطة، تفتقر البنوك المركزية، والمؤسسات المالية الدولية إلى الأدوات اللازمة للحصول على تأثيرات من الدرجة الأولى، أو الثانية، أو حتى من الدرجة الثالثة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
إذا، ما هي الأدوات السياسة التي سيكون لها تأثيرات من الدرجة الأولى؟
تشير، "الصفقة الجديدة الخضراء"، في الولايات المتحدة، إلى الالتزام بقضية المناخ. لكنني أخشى أن الاقتراح التشريعي الذي قدمه مؤيدو الكونغرس، سيلحق من ضرر أكثر مما سيحققه من منافع. ويشمل تدابير خارجية مثل ضمان الوظائف الفيدرالية. ويخلق هذا الاقتراح أساسًا واقعيًا للكذبة التي طالما قالها منكرو تغير المناخ، وهي أن الاحتباس الحراري هو خدعة يروَّج لها حتى تكون ذريعة لتوسيع حجم الحكومة. وهذه وسيلة مضمونة تماما لتوليد أصوات تؤيد ترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني.
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
وأكيد أن الابتكارات التكنولوجية في مجالات مثل الطاقة الشمسية، سيكون لها دور كبير في التخفيف من التأثير. ولكن التكنولوجيا ليست سياسة، بينما الإعانات سياسة. ويجدر تشجيع الحكومات على دعم البحوث في علوم المناخ، والتكنولوجيات ذات الصلة. وهناك أيضًا ما يبرر أنه يجب على صانعي السياسة فتح المجال أمام التجارة الحرة في الألواح الشمسية، والتوربينات، وغيرها من المعدات، من أجل تخفيض تكلفة توليد الطاقة المتجددة، دون أي تكلفة لدافعي الضرائب المحليين.
ولكن السياسة التي ستقربنا من تحقيق أهداف بيئية عالمية بتكاليف اقتصادية منخفضة نسبيًا، مثل تلك التي ينص عليها اتفاق باريس للمناخ، هي رفع سعر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والغازات الدفيئة الأخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الطاقة الشمسية، أو مصادر الطاقة المتجددة الأخرى يمكنها، في الواقع، تلبية معظم احتياجاتنا من الطاقة بتكلفة معقولة، فإن ارتفاع سعر الكربون سيشجع على تحقيق هذه النتيجة. وإذا كانت هناك حاجة إلى تقنية أخرى، أو نهج آخر، فسوف يكشف سعر الكربون عن ذلك أيضًا.
ويمكن رفع سعر الكربون عن طريق إحدى هاتين السياستين: إما ضريبة الكربون، أو سياسية الحد الأقصى والتداول، أي نظام لحدود الانبعاثات الكمية، مع تصاريح للانبعاثات القابلة للتداول.
ومن الناحية النظرية، فإن النهجين متكافئين؛ إذ يتم احتساب كمية تصاريح الكربون بعناية، بحيث يكون السعر الناتج عند تداولها هو نفس السعر الذي يمكن تحقيقه من الضريبة. ومع ذلك، في واقع الأمر، هناك اختلافات كبيرة بين تنظيم الأسعار والكميات. و تتعلق أهم تلك الاختلافات بعدم اليقين، والاقتصاد السياسي.
أولا، سيكون رائعا أن يلتزم صانعو السياسة بالمسار الصاعد لسعر الكربون الذي دام قرنًا. ويمكن للناس حينئذ، أن يخططوا للأمام. وستدرك الشركات بيقين عقوبة بناء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم لفترة طويلة. ولكن، حتى لو افترضنا حدوث زخم في التعاون المتعدد الأطراف، فإن قادة اليوم لا يمكنهم ربط خلفائهم بما سيحدث بعد خمسين عامًا في المستقبل، مما يستبعد اليقين بشأن سعر انبعاثات الغازات الدفيئة، أو كميتها في المستقبل.
وما يهم، مع ذلك، هو الإسراع بتحديد التوقعات بأن سعر الكربون سوف يتبع مسارًا تصاعديًا عامًا في المستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومات البدء في زيادة السعر اليوم، ولن تؤدي التصريحات السامية من المسؤولين الحكوميين، والحسابات المثلى من مصممي المناخ هذه المهمة.
وفي الوقت نفسه، من الصعب جدا التنبؤ بالاقتصاد السياسي. وفي مجال تغير المناخ، يتم الحكم على كل شيء بأنه "مستحيل من الناحية السياسية، وحدث نفس الشيء حتى قبل ترامب. ومع ذلك، على المستوى العالمي، من المحتمل أن توافق الحكومات على أهداف كمية للانبعاثات- كما هو الحال في بروتوكول كيوتو لعام 1997، واتفاق باريس لعام 2015- بدلاً من فرض ضريبة عالمية على الكربون، والتي ستعتبر غزوًا قويا للسيادة.
وعندما يتعلق الأمر بالتنفيذ الوطني لأي جهد عالمي للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإنني أفضل فرض ضريبة كربون على تصاريح الانبعاثات القابلة للتداول. إذ كشفت المحاولات السابقة لإدخال تصاريح للانبعاثات، مثل نظام تجارة الانبعاثات في أوروبا، عن ميل لتهدئة الصناعة، عن طريق إصدار تصاريح يفوق عددها ما كان مخططا له، ومنح الكثير منها للشركات القديمة. والغرض من القيام بذلك هو "جعلها كاملة"، ولكن هذا يمكن أن يؤدي إلى مكاسب مفاجئة، عندما تبيع الشركات التصاريح.
وعلى أي حال، فإن وضع سعر الكربون على المسار التصاعدي، سواء عن طريق ضريبة الكربون، أو عن طريق سياسة الحد الأقصى والتداول، هي الوسيلة المناسبة لأداء هذه المهمة.
ومن الواضح أنه لا يمكن لأي مواطن أن يتوقع حل مشكلة تغير المناخ بمفرده. ولكن في حين أن بعض الأعمال الفردية رمزية، يمكن أن يكون لبعضها تأثير يتناسب، على الأقل، مع عدد المواطنين الذين يقومون بها.
وبالنسبة للشباب المحبطين، هناك نصيحة واحدة: لابأس إن ذهبوا إلى عرض مستوحى من غريتا ثانبورغ، لكن التسجيل والتصويت أمران في غاية الأهمية. وإذا كان الأمريكيون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عامًا، سيخرجون ويصوتون بنفس نسب الفئات العمرية الأكبر سناً، فمن المؤكد أنه لن يتم إعادة انتخاب ترامب. ومع رحيل هذا الأخير، يمكن للولايات المتحدة الانضمام إلى اتفاق باريس، واعتماد تدابير فعالة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري– ولن يكون لدى الحكومات الأخرى، العذر الذي تبرر به حاليًا تماطلها في التدخل.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch