gros189_Michele TantussiGetty Images_ukrainerefugeesgermany Michele Tantussi/Getty Images

الاتحاد الأوروبي يجب أن يساعد اللاجئين الأوكرانيين على العودة

بيركلي/بروكسلــ بعد أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، لجأ ملايين الأوكرانيين إلى الاتحاد الأوروبي، فاستقبلت ألمانيا وبولندا فقط نحو مليون لاجئ لكل منهما. لكن هذا كان من المفترض دوما أن يعمل كحل مؤقت. وتتطلب حرب الاستنزاف المطولة التي تدور رحاها الآن في أوكرانيا نهجا مختلفا.

الإجابة ليست في إدماج اللاجئين في البلدان المضيفة بدرجة أكبر. فالأوكرانيون يندمجون بالفعل في ألمانيا وأماكن أخرى، ولكن كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارا وتكرارا، تحتاج أوكرانيا إلى عودة شعبها للمساهمة في المجهود الحربي وضمان عدم حدوث انخفاض شديد في عدد سكان البلاد ــ فتنخفض معه آفاق الاقتصاد. تؤكد شركات أوكرانية عديدة بالفعل أن نقص العمالة يشكل عاملا رئيسيا في الحد من أنشطتها، ومن المنتظر أن ينخفض ​​عدد السكان الأوكرانيين بشكل حاد ــ من أكثر من 40 مليون نسمة قبل الحرب إلى ما يقرب من 31 مليونا في عام 2035، وفقا لبعض التوقعات.

الطريقة الوحيدة للتعويض عن هذا التراجع هي إقناع عدد أكبر من اللاجئين الأوكرانيين بالعودة إلى ديارهم. لن تكون هذه بالمهمة السهلة: إذ تُظهِر استطلاعات الرأي أن اللاجئين يردعهم عن العودة انعدام اليقين بشأن الأمن، والإسكان، والعمل. لكن ما يدعو إلى التفاؤل أن هذه القضايا من الممكن معالجتها حتى في ظل الظروف العصيبة الحالية.

الواقع أن المخاوف بشأن الأمن والإسكان متشابكة بإحكام. فحتى يناير/كانون الثاني 2024، كان أكثر من 8.6% من مخزون الإسكان قبل الحرب في أوكرانيا تضرر أو دُمِّـرَ، وأغلبه في الجزء الشرقي من البلاد. وتسبب تدفق النازحين داخليا بأعداد ضخمة في ارتفاع أسعار المساكن في غرب أوكرانيا، حيث كان الدمار طفيف نسبيا. ولكن حتى في الغرب، تظل المساكن في البلدات الصغيرة ميسورة التكلفة في عموم الأمر، وهناك منازل شاغرة من الممكن أن تستوعب العائدين.

ولكن للاستفادة من الأمن والإسكان الذي توفره غرب أوكرانيا، يحتاج العائدون أيضا إلى الوصول إلى فرص العمل هناك. تنفق الحكومة الفيدرالية الألمانية حاليا حوالي 9-10 مليار يورو (9.8-10.9 مليار دولار أميركي) سنويا لدعم اللاجئين الأوكرانيين، مع مساهمة السلطات المحلية دون الوطنية أيضا بنفقات كبيرة. كل هذا الإنفاق يغطي احتياجات اللاجئين الأساسية، فضلا عن دورات اللغة الألمانية لدعم الإدماج، ولكن لا يبدو أنه يُـفضي إلى إيجاد فرص عمل.

في الواقع، تشير البيانات الرسمية إلى أن نحو 135 ألفا من أصل 743 ألف مواطن أوكراني في سن العمل يعيشون حاليا في ألمانيا، (من إجمالي 1.3 مليونا)، يعملون في وظائف "عادية" (تشمل مدفوعات الضمان الاجتماعي) ونحو 40 ألفا آخرين يعملون في ما يسمى وظائف صغيرة. وهذا يمثل نحو 20% من معدل تشغيل العمالة. وترتفع معدلات التوظيف في بلدان الاتحاد الأوروبي حيث أنظمة الضمان الاجتماعي أقل سخاء، وهذا يشير إلى أن المعروض من العمالة هناك حساس للحوافز.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

بدلا من ضخ الأموال إلى التحويلات الاجتماعية داخل البلدان المضيفة، ينبغي للاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء إعادة تخصيص هذه الأموال لدعم إعادة اللاجئين إلى أوكرانيا، وخاصة غرب أوكرانيا. إذا كانت برامج إعادة اللاجئين الممولة من الاتحاد الأوروبي جيدة التصميم، فإنها لن تعمل على تمكين أعداد أكبر من الأوكرانيين من العودة وبالتالي تعزيز سوق العمل في وطنهم فحسب، بل ستشجع أيضا الشركات الأوروبية على الاستثمار في المناطق الأكثر استقرارا في أوكرانيا، وهذا من شأنه أن يُـرسي الأساس للتعافي القوي بعد الحرب.

أظهرت الشركات الأوروبية ــ وخاصة الألمانية ــ بعض الرغبة في مثل هذا الاستثمار. فقد وظفت شركة تصنيع الكابلات الألمانية ليوني أكثر من 7000 عامل في غرب أوكرانيا قبل الحرب. وفي عام 2023، تعهدت شركة الأدوية والطب الحيوي باير باستثمار 60 مليون يورو في بوتشيكي، بأوكرانيا. ولكن في الوقت الحالي، تتسبب مخاطر الحرب والافتقار إلى الموظفين المؤهلين الناطقين بالألمانية في إعاقة زيادة الاستثمار.

هذان العاملان يُـمكِـن التخفيف منهما. فمنطق الحرب يُـحابي الإنتاج المنظم في تكتلات محصنة (الأفضل للإنتاج على نطاق ضخم) أو الإنتاج اللامركزي (الأفضل للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم). وإذا كانت المصانع الصغيرة متناثرة على مساحة كبيرة وتقع على مسافة من خط المواجهة، فإن خطر التدمير المباشر يُـصـبِـح محدودا.

لتخفيف مخاطر الحرب بدرجة أكبر، يمكننا توفير شكل من أشكال التأمين إما من قِبَل مؤسسات ألمانية أو مؤسسات في الاتحاد الأوروبي، مثل بنك التنمية الألماني KfW (بنك الاستثمار والتنمية المملوك للدولة) أو بنك الاستثمار الأوروبي. ومن الممكن دمج مثل هذه المخططات مع مساعدات إعادة التوطين والتمويل للتدريب على رأس العمل ــ بما في ذلك دورات اللغة الضرورية ــ للاجئين الأوكرانيين الراغبين في العمل في المصانع الأوروبية الـمُـنشأة حديثا في غرب أوكرانيا. وربط إعادة التوطين بالتوظيف من شأنه أن يضمن أن العائدين لن يشكلوا عبئا على الموارد المالية العامة الأوكرانية الـمُـجـهَـدة بالفعل.

هذا البرنامج كفيل بتقديم فوائد أطول أجلا لأوكرانيا. تاريخيا، كانت منطقة غرب أوكرانيا أقل نموا من أجزاء أخرى من البلاد. لكن مركز الثقل الاقتصادي في أوكرانيا تحول مؤخرا نحو الغرب، ويرجع هذا جزئيا إلى تدمير معظم الصناعات الثقيلة في الشرق، ولكن أيضا بسبب قُـرب منطقة غير أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي. وضمان حصول غرب أوكرانيا على قوة عاملة صلبة ووفرة من الاستثمارات الأوروبية، وخاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، من شأنه أن يمهد الطريق لدمج أوكرانيا في الاقتصاد الأوروبي.

مثل هذا الجهد من شأنه أيضا أن يُـرسي الأساس لنموذج تنمية أكثر مرونة. وكما أظهر صعود منطقة فينيتو الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، فإن قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم القوي والمتكامل عالميا من الممكن أن يُـفضي إلى قدر أعظم من المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية.

إن البدء في عملية إعادة بناء قطاع التصنيع في أوكرانيا الآن ــ وليس بعد انتهاء الحرب ــ من شأنه أن يعزز قدرة البلاد على مقاومة العدوان الروسي ويدعم تعافيها الاقتصادي واندماجها في الاتحاد الأوروبي. وتتمثل الخطوة الأولى في ضمان حصول الأوكرانيين الذين يلتمسون اللجوء حاليا في الاتحاد الأوروبي على الموارد والحوافز التي يحتاجون إليها للعودة إلى ديارهم.

ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/jMU9OZFar