Euro statue Adam Berry | getty images

البنك المركزي الأوروبي يحتال علينا

تيلبورخ ــ لقد فعلها البنك المركزي الأوروبي مرة أخرى. ففي اجتماعه الأخير في فرانكفورت، قرر مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي زيادة مشترياته من السندات، من 60 مليار يورو (67 مليار دولار أميركي) إلى 80 مليار يورو، وأصبحت سندات الشركات أيضاً صالحة الآن للشراء. كما انخفض سعر الفائدة على الودائع مرة أخرى، فأصبح الآن 0.4% بالسالب. وهذه ليست سياسة محايدة بأي حال من الأحوال ــ وهي تتجاوز بأشواط تفويض البنك المركزي الأوروبي المتمثل في الحفاظ على الاستقرار النقدي.

كان الدافع وراء التحركات السياسية الأخيرة واضحا: ذلك أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي ملتزم بالحد من الانكماش الذي يشكل تهديداً خطيراً للنمو الاقتصادي. ففي بيئة انكماشية تزداد صعوبة سداد الديون، ولهذا تميل الشركات إلى تأجيل الاستثمار. وتساعد الأرقام الصادرة مؤخراً عن المديرية العامة للمفوضية الأوروبية (يوروستات)، التي تُظهِر أن مؤشر أسعار المستهلك السنوي انخفض بنحو 0.2% في الشهر الماضي، على مضاعفة المخاوف.

ولكن برغم أن ما يحدث يُعَد انكماشاً من الناحية الفنية ــ الانخفاضات المتواصلة في مستويات الأسعار والتي ربما تنعكس في عقود التوظيف أو غير ذلك من العقود ــ فإنه ليس انكماشاً بنيويا. فهو بدلاً من ذلك يعكس إلى حد كبير انخفاض أسعار النفط، التي هبطت بأكثر من 70% منذ يونيو/حزيران 2014. الواقع أننا نستطيع أن نقول إن منطقة اليورو تمر بحالة من انخفاض التضخم البنيوي، إذا تجاهلنا أسعار الطاقة والغذاء. ولابد أن يكون هذا، جنباً إلى جنب مع أسعار النفط، مفيداً للاقتصاد في واقع الأمر، فهو يعطي دَفعة للاستهلاك والاستثمار.

لماذا فشل إذاً برنامج البنك المركزي الأوروبي الهائل للتيسير الكمي، الذي وضع مقداراً وافراً من المال في التداول، في تحفيز الطلب على السلع والخدمات؟ تتلخص مشكلة واحدة في عزوف البنوك عن تمرير سعر الفائدة السلبي على الودائع إلى أسعار الفائدة على المدخرات، خوفاً من خسارة المودعين. وهي مضطرة بالتالي إلى زيادة هوامشها على الرهن العقاري والقروض التي تقدمها للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وهي تقدم نتيجة لهذا قدراً أقل من الائتمان للأسر والشركات، وهو ما يتناقض مع الهدف من التيسير الكمي.

ومن ناحية أخرى، لا تزال البنوك والأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تتحمل قدراً مفرطاً من الاستدانة، وتحتاج إلى وقت لسداد ديونها. وفي حين قد يبدو هذا وكأنه يقترح أن تركيز البنك المركزي الأوروبي على تعزيز التضخم هو التصرف السليم، فالحقيقة هي أن برنامج شراء السندات يتجاهل القضايا البنيوية الأساسية التي تبتلي الاقتصادات الأكثر ضعفاً في منطقة اليورو. والأسوأ من ذلك هو أن التيسير الكمي يسمح لهذه الاقتصادات، من خلال تمكينها من الاقتراض بأسعار زهيدة، بتجنب تنفيذ الإصلاحات البنيوية الصعبة.

يبدو أن دراجي والحمائم في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي ــ أو على وجه التحديد رؤساء البنوك المركزية في دول جنوب أوروبا ــ يتصورون أنهم قادرون على تحريك السيارة بالدفع بالمزيد من الوقود إلى محركها، حتى برغم أن أسطوانة تعشيق تروس نقل الحركة معطلة. أما الصقور في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، مثل رئيس البنك الألماني ينس ويدمان ورئيس بنك هولندا كلاس نوت، فهم يدركون حماقة هذا النهج، ولكنهم أقلية.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

كان التيسير الكمي فعّالاً في تحفيز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، لأنه كان يعمل من خلال سوق رأس المال. ولكن في أوروبا، حيث لا توجد سوق رأسمالية موحدة للسماح للمحافظ الاستثمارية بإعادة التوازن، تعمل السياسة من خلال قنوات الإقراض المصرفية، وهي لهذا تعمل على تضخيم ــ وتشويه ــ أسعار السندات والأسهم.

الأمر الأكثر تعقيداً هو أن سياسة البنك المركزي الأوروبي تُفضي إلى قدر كبير من إعادة توزيع الثروة من المدخرين (بما في ذلك المتقاعدين) في دول منطقة اليورو الشمالية الأقوى ــ أو على وجه التحديد ألمانيا وفنلندا وهولندا ــ إلى المدينين في دول منطقة اليورو الجنوبية، بما في ذلك فرنسا، واليونان، وإيطاليا، والبرتغال، وأسبانيا. لم يكن من المفترض أن تشكل مثل هذه التحويلات سِمة من سمات الاتحاد الاقتصادي والنقدي، ومن الواضح أن تفويض البنك المركزي الأوروبي لا يسمح له بفرض تغييرات جوهرية على نظام الاتحاد الاقتصادي والنقدي ــ وخاصة إذا كانت هذه التغييرات تحابي مجموعة واحدة من الدول.

الواقع أن المشاكل التي تحيط بالسياسة التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي حالياً بالغة الخطورة. ولكن يبدو أن البنك المركزي الأوروبي ملتزم بها رغم ذلك ــ خاصة وأن المستفيدين من التيسير الكمي يفوقون في العدد أولئك الذين يسددون الفاتورة. وكلما طال أمد إبقاء البنك المركزي الأوروبي على هذه السياسة الغريبة وغير المسؤولة، كلما تعاظمت احتمالات خروج السيارة عن نطاق السيطرة عندما تبدأ بالتحرك أخيرا.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/tAcv1mUar