ratti21_Rustam AzmiGetty Images_dubai Rustam Azmi/Getty Images

إلى أين تقودنا دبي؟

دبي ــ "تواصل العقول وصنع المستقبل"، هذا هو شعار إكسبو 2020، والذي ينتشر في كل مكان في هذه المدينة. يُـعَـد هذا الحدث المستمر، الذي افـتُـتِـح متأخرا بعام كامل في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الأول من نوعه منذ اندلعت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). الواقع أن قِـلة من الأماكن الأخرى في العالم قد تكون مثل دبي في توجهها نحو المستقبل. ولكن ما هو نوع المستقبل الذي تريده دبي؟ لقد أثبتت المدينة ذاتها كنموذج للمراكز الحضرية الناشئة في آسيا والشرق الأوسط، وعلى هذا فإن اختياراتها اليوم قد تخلف عواقب بعيدة المدى في المستقبل.

على النقيض من كثير من جيرانها، بما في ذلك في الإمارات العربية المتحدة، لا تُـبـنى ثروة دبي على النفط. الواقع أن 1% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي يأتي من الهيدروكربونات. بعد فترة وجيزة من اكتشاف النفط لأول مرة في الإمارة في ستينيات القرن العشرين، قرر حاكمها راشد بن سعيد آل مكتوم أن اقتصاد الإمارة لا ينبغي له أن يعتمد على النفط حصرا. بدلا من ذلك، دَفَـع دبي إلى أن تصبح مركزا للأعمال العالمية، استنادا إلى موقعها الجغرافي الملائم وتوجهها الداعم للسوق. وقد عاش مخططو المدينة وفقا لعقيدة "إذا بنيتها، فسوف يأتون".

بفضل هذه العقلية، أديرت مدينة دبي كشركة بادئة تراهن بلا انقطاع على التكنولوجيات والإبداعات والابتكارات الجديدة. تكرس دبي جهودها من خلال قادة بارزين في مجالات ناشئة: الشاب عمر سلطان العلماء في منصب وزير الدولة للذكاء الاصطناعي؛ ومحمد عبد الله القرقاوي، اليد اليمنى للحاكم الحالي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في منصب رئيس ديوان مجلس الوزراء ووزير المستقبل.

شارك القرقاوي في بناء متحف المستقبل في دبي، وهو مبنى يرتفع فوق الجادة الرئيسية في المدينة. وعلى واجهته المعدنية نجد نقشا لاقتباس مُـلهِـم من آل مكتوم: "المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه، المستقبل لا يُـنتَـظَـر، المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم".

قادت روح مماثلة دبي إلى استضافة معرض إكسبو العالمي. يركز هذا المعرض الذي تأجل افتتاحه بسبب أزمة ــ الجائحة ــ على حل أزمات أخرى، مثل تغير المناخ. ولكن هنا تبرز بعض التناقضات. على سبيل المثال، يحتوي المعرض على منطقة مخصصة للاستدامة، لكن موقع المعرض الأخضر الخصيب أنشئ على 440 هكتارا من الصحراء من خلال عمليات تحلية المياه الكثيفة الاستهلاك للكربون. وبينما سيظل قسم كبير من البنية الأساسية قائما بعض المعرض، فسوف يستكشف الزوار العالم من خلال أجنحة وطنية كان المفترض أن تظل قائمة لبضعة أشهر فقط.

بصفتي جزءا من الفريق الذي تولى تصميم الجناح الإيطالي في المعرض، فكرت كثيرا في كيفية إدارة هذه التناقضات. بعد التأمل في السياق، قرر فريقنا أن الجناح يجب أن يُـظـهِـر مبدأ التدوير. أنشأنا بناية حيث كل المكونات أعيد تدويرها أو قابلة لإعادة التدوير. شيدنا جدرانه المتلألئة من مليوني قارورة بلاستيكية. والأرضية مصنوعة من البن المطحون وقشور البرتقال. أما السقف فيتألف من هياكل ثلاثة قوارب مقلوبة والتي يمكن قلبها واستخدامها للإبحار بعد الحدث. اخترنا أيضا عملية صديقة للبيئة لتبريد البناية بالاعتماد على نظام تهوية يدير الهواء عبر الجدران التي تسمح بنفاذ الهواء وتبريده من خلال التبخر.

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes
PS_Quarterly_Q2-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: Age of Extremes, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

تواجه دبي ككل تحديات تتعلق بالاستدامة. تتم معظم الرحلات في الإمارة باستخدام السيارة، على طرق سريعة مثل شارع الشيخ زايد المكون من 16 حارة. ولا ينتشر على نطاق واسع فصل القمامة وإعادة تدويرها. تشير بعض التقديرات إلى أن 20% فقط من النفايات يُـعاد تدويرها.

يُـعَـد نصيب الفرد في استهلاك الطاقة في الإمارة بين أعلى المعدلات في العالم. لقد تخلت المدينة عن روح البناء العربي المنخفض الارتفاع، الذي أُتـقِـن على مدار قرون من الزمن للتخفيف من درجات الحرارة المرتفعة، لصالح أسلوب معماري دولي ولِـد في الظروف المناخية التي سادت في منتصف القرن العشرين في شيكاغو ونيويورك. تمتص الجدران الزجاجية غير المظللة كل شعاع من أشعة الشمس الحارقة. ولهذا السبب، تستلزم الحياة في الداخل قدرا كبيرا من عمليات تكييف الهواء، مما يؤدي إلى زيادة كثافة استهلاك الطاقة.

بعبارة أخرى، وراء حرص دبي على بناء مدينة الغد تلوح في الأفق بعض قيم الأمس. وفي حين يبدي الشباب في مختلف أنحاء العالم استعدادهم للسفر بالقطار أو الدراجة لاتباع خُـطى جريتا ثونبرج البسيطة، يبدو أن أقرانهم في الإمارات يطمحون إلى التجوال في سيارات الاحتراق الداخلي الفاخرة ــ تماما كما كانت عادة شباب القرن الماضي.

مع ذلك، إذا كنا نتحدث عن منطقة بالكامل تشهد نموا حضريا هائلا، فقد أصبحت دبي نموذجا يحتذى به. إلى أين تقود دبي متابعيها إذن؟ إذا تمكنت المدينة من الجمع بين قدرتها على الإبداع وضرورات الاستدامة، فإنها ستفعل أكثر من مجرد "تواصل العقول" و"صنع المستقبل". ستساعد في بناء مستقبل أكثر ملاءمة للعيش.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/MTO4yo9ar